Alef Logo
الآن هنا
              

ملف / وداعا برهان بخاري /

ألف

2010-05-03

برهان بخاري يرحل!! لقمان ديركي جريدة بلدنا

مات برهان بخاري، مات الرجل الذي أَشَّعَ بالحياة وأشَعَّت به.
مات العلاَّمة الجليل، وهو الذي ستقرأون عن بحوثه وإنجازاته في صفحة أخرى من هذه الجريدة بالتأكيد، فالجريدة كانت في عطلة البارحة، وربما تكونون قد قرأتم عنها في جرائد البارحة التي لم تكن معطِّلة، وربما تكونون قد سمعتم من هنا، وقرأتم من هناك شيئاً عنه، أو ربما له، لكنكم لم تتملكوا هذا الرجل تماماً، لم تستخدموا بحوثه،
لم تستفيدوا من علومه، لأنه لم تُكتب لكلّ مشاريعه حقوق التفعيل في مجتمعنا، وكان الأستاذ برهان ـ رحمه الله ـ زاهداً وغير منسجم مع الآليات البيروقراطية الشهيرة، وتكمن أهمية بحوث بخاري في مدى معرفته بمجتمعه ومدى إيمانه به، فهو بالإضافة إلى كلّ ما قرأتم عنه موسوعة شعبية متنقلة، خَبِر الحياة الاجتماعية بكل طبقاتها، لكنّه مثل الأبطال الأسطوريين اختار أن يقضي وقت راحته بين البسطاء، فكان صديقهم، بل وكنتُ أراه في كثير من الأحيان يدخل في نقاشات جدّية مع نادل المقهى أو شوفير التكسي، وكانت أقصى لحظات متعته عندما يدخل في نقاشات من هذا النوع، بل والأمتع أن يجلس مستمعاً إلى حديث يدور بين شخصين من عامة الشعب، كما يقولون، وهما يتجادلان على مقربة منه، وليس غريباً أن تحدث المفارقات، فهذا الرجل البسيط الذي رأى زوجته وهي تتفرج باهتمام على مقابلة مع برهان بخاري، متحدثاً في الشؤون الفقهية الاجتماعية الإسلامية، قفز من على كنبايته وصرخ: هذا الأستاذ برهان.. أبو عرفان صديقي. ونظرت زوجته إليه باستهتار غير مصدِّقة، بل وإنها لم تُصدِّق أن زوجها البسيط صديق الأستاذ برهان، لم تصدق إلى هذه اللحظة ربما، لكنّه كان صديقه، كان صديقاً لأناس عاديين جداً، كان يهتم بأفكارهم وعوالمهم، بل وكان يحبهم ويؤمن بهم، وبسبب هذا الحب الجارف للناس امتلأت شخصيته الكريمة بتلك الثقافة، وكتب في رواياته المبتسرة غير المكتملة، وقصصه المفتوحة على آفاق غير محدودة أساطير هؤلاء الناس، امتلك في قلبه وعقله الأسطورة الإنسانية الشامية، وقرأتُ من كتاباته ما يشبه السحر الأدبي والسينمائي في آن، عن دمشق كلها، من أعاليها إلى قاعها، لكنه مات، مات العالم الذي لم يكمل بحوثه، ليس بسبب الموت، بل لإنه خُلِقَ كي يفعل ذاك، كان زاهداً حتى في الكتابة، كان يعتقد أن الناس تستطيع التقاط حركة الشفاه، وكان مؤمناً بأنّ مريديه سيكتبون حكاياته، ويكملون مشاريعه، لم يكن يهتم بأن يضع اسمه عليها، كان يتصرف كالعظماء ويعتبر نفسه أملاكاً عامة، أعطى كل شيء، ورحل منتظراً من الذين أخذوا أن يكملوا مشوار العطاء، رحلتَ أيها الكاتب الجليل، ولكَ العزاء أولاً أنَّك كنتَ وفياً لأصدقائك الذين رحلوا قبلك فأحييتَ وجودهم في قصائدك وأحاديثك الممتعة، والعزاء ثانياً لعائلة الأستاذ البخاري أنّ رحيله كان عامّاً، فبرحيله رحلت معه مرحلة كاملة من البهجة والمعرفة والأناقة، وعسى أن نستخدم ذات يوم عطاءات العلاّمة الجليل، ففيها فوائد لا تحصى لهذا الوطن الذي يرغب شبابه في التطور بل ويتذمرون من بطء العجلة الرهيب..

لقمان ديركي : برهان بخاري أيضاً
جريدة بلدنا
03/05/2010
ذلك أنه لا يمكن الحديث عن برهان بخاري في عمود في صحيفة، ربما تحتاج إلى جريدة كاملة كي تروي باختصار شدييييييد سيرة هذا الرجل الفذ والفريد، كان الفوضى بذاتها، فتصاب باستغراب شديد وأنت ترى مشاريعه المتكاملة الأبعاد كيف أنها جاءت من هذا الفوضوي، ففي الحقيقة أنّ أبا عرفان كان يحب الحياة، ويتلذذ بمشاهدة الناس، إمّا أن يخرج إليهم،

وإما أن يأتوا إليه، كان من أصحاب الحلقات، دائماً ما يرمي فكرة جديدة، أو بحثاً يشغل باله على الطاولة، وتدور الكلمات، كلمات برهان بخاري الشفوية التي لن يُكتبَ لها أن ترى الورقة ذات يوم، جانب مهم من تجربته الضخمة في ميادين العلم والمعرفة، ذلك الجزء الذي يتعلق بمجالسته الناس، وحديثه عن الناس، ناس عاشوا هنا وماتوا هناك، ناس عاشوا هناك وجاؤوا ليموتوا هنا، كان يحكي عن الغرباء، كان يحكي عن التعساء، وكان يتحدث عن الضاحكين والظرفاء، ويأتي لك بأسماء وأسماء غير موجودة في كتاب حتى عند البديري الحلاق، أسماء الناس أيام السفر برلك، وأسماء ناس أيام الوحدة، وناس من أيام الانفصال، وبشر من هذا المكان، وبشر من شتى البلدان جاؤوا إلى هذا المكان، حتى أنتِ فلقد كان على معرفة بأبيك، وأنتَ..كان زميل خالك بالمدرسة، وأنت.. كان صديقاً لوالدك عامل التنظيفات، وأنت..كان رفقة بالحارة مع عمك، وأنت.. أنت الذي تقرأ الآن، ..كان يعرف الجميع، كانت طاقة الحب لديه لا تقبل إلا وأن تغمر الجميع، بعدها كان كإمبراطور يلف وشاحه على رقبته، ويخرج ليمشي في ليل المدينة، ليل المدينة الذي مشى فيه وصادف الدومري في الطريق وحادثه، ليل المدينة تحت اللمبات، ليل المدينة تحت نيونات السينمات، ليل المدينة المقفر الخاوي، والأسطورة تعبَتْ، تعب برهان، ولم يعد يروم شيئاً سوى ضوء سيارة عابرة، يقف برهان وحيداً ينتظر الأضواء، ويأتيه الضوء، ضوء سيارة بيضااااااااااااااااااء، سيارة ملكية بلا شكل تحملها أجنحة ملاك، ويشير برهان أن لم تخطئي يا عابرة السموات والعوالم والأكوان، ها أنذا قادم إليك، قادم وقد رميت علومي وبحوثي ومعارفي أمام الناس الطيبين، وخبَّأت ما كتبته منها في بيتنا الصغير، وجئتك وحيداً وعارياً كما عندما أتيت، وإليك توجهتُ، وقومي نفعتُ، وبعض أوراقي دوَّنتُ، وببعضها تفوهتُ، ولم يسعفني الوقت لأعطي أكثر، ولكن عزائي أنني بكامل ألقي وبهائي إليكَ رجعتُ.


الفذّ برهان بخاري
حسن م. يوسف: الوطن 2/5/2010
«صديقك رحل...» لم أسمع بقية ما قالته سامة ابنة المفكر والباحث برهان بخاري على الهاتف، إذ راحت عبارتها المقتضبة هذه تتناسخ في داخلي حتى ملأتني.
تحزُّ الحسرة عنقي كسكين مثلومة لأنني لم أقم بواجبي كما ينبغي إزاء برهان في الفترة الأخيرة. فرؤيته مكبلاً بخيانة الجسد، كانت تتسرب إلى نومي وتسيطر على يقظتي وتجعلني، لوقت طويل، عاجزاً عن الكتابة. لهذا كنت أهرب من مواجهة مرضه كي أستطيع القيام بعملي. وهاهي عبارة سامة تضعني في حالة الشلل إياها.
مضت نحو أربع ساعات وأنا أحدق في بياض شاشة الحاسب. في داخلي تمور الذكريات والعواطف بهياج يثير الدوار. فجأة أسأل نفسي: هل ماتت لغتي، حتى لم أعد قادراً على صياغة عبارة مقبولة أستهل بها الحديث عن صديق رحل؟ أتذكر قول المتنبي:
وَما المَوتُ إِلا سارِقٍ دَقَّ شَخصُهُ يَصولُ بِلا كَفٍّ وَيَسعى بِلا رِجلِ
إِذا ما تَأَمَّلتَ الزَمانَ وَصَرفَهُ تَيَقَّنتَ أَنَّ المَوتَ ضَربٌ مِنَ القَتلِ
منذ أن رأيت برهان بخاري لأول مرة قبل خمسة وثلاثين عاماً، تشكلت لدي قناعة رسختها الأيام، بأن برهان شخص فذ يطمح لخدمة أكثر القضايا نبلاً ووطنية وعلى رأسها الخير العام!
لم يسمح برهان لليأس أن يحتل لحظة واحدة من حياته، فعندما تعثر تحقيق نظريته الخاصة في الترجمة الآلية التي عرفت فيما بعد بنظرية (السوبرلنغوا)، انغمس في موسوعة الأنساب ومنها إلى موسوعة الحديث الشريف، فموسوعة الحضارة العربية الإسلامية، فموسوعة الشعر العربي. وقد كان جهده العلمي في مجال الشعر هو نواة موسوعة الشعر العربي التي صدرت عن المجمع الثقافي في أبو ظبي قبل سنوات ثم صدرت مؤخراً عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم.
مارس برهان بخاري كل ألوان الكتابة وكانت مقالاته الأسبوعية تعالج أكثر القضايا سخونة وقد قال في مقال له بعنوان (ازدواجية الانتماء ووحدة الولاء): «إنه يمكن أن يكون الشخص ازدواجي الانتماء ولكن يجب أن يتمتع بوحدة الولاء فأنا كبخاري يمكن أن أمارس عادات اوزبكية معينة أو أن أطبخ رزا بخاريا وذلك يفهم من باب التطعيم الثقافي، لكن ولائي الوحيد للعرب» ...«وفي حال قيام حرب بين العرب والأوزبك فسأقف إلى جانب العرب دون تردد». يرى برنارد شو إن «الحياة تساوي بين كل الناس، لكن الموت هو الذي يكشف البارز بينهم» آمل ألا يحول موتنا دون اكتشافنا لفرادة هذا الرجل.









تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow