سليمان عواد شاعر الغربة والأسى
خاص ألف
2010-05-04
لأننا أمة لا تعرف كيف تكرم مبدعيها الكبار مر سليمان عواد دون اهتمام في تاريخ قصيدة النثر العربية عموما والسورية خصوصا.
فسليمان عواد يعتبر بشكل من الأشكال أستاذ محمد الماغوط بجدارة، وقد سبقه بمراحل كبيرة وكتب قصيدة النثر برهافة وإحساس عال ولم يكن يشبه سوى نفسه. وقد تزامنت كتاباته مع بعض كتاب قصيدة النثر في سورية إلا أنه كان يملك صوتا متفردا ولغة خاصة وجديدة، وصورا شعرية غير مسبوق إليها.
سليمان عواد شاعر ينتظر أن يعترف به من جديد. حتى ولو جاء هذا الاعتراف بعد موته بزمن طويل. ولكنه يسحق ذلك بجدارة.
نقدم فيما يلي دراسة خاصة عنه من أحد المهتمين بشعره ومن القلائل الذين تابعوا مسيرته بدأب
ألف
يعتبر الشاعر سليمان عواد من رواد قصيدة النثر، فقد كتبها في مراحل مبكرة من عمر حركة الحداثة الشعرية
متأثرا بما قرأه من شعر مترجم للعربية أو باللغة الفرنسية حيث اطلع على أشعار رامبو وبودلير ،وايتمان وآخرين...
وترجم العديد من المقالات والأعمال الأدبية . فأتت نصوصه الشعرية .محاكاة لشكل القصيدة التي كتبها كبار شعراء قصيدة النثر في الغرب ..
صدرت له عام 1957 مجموعتان( سمر نار) و(شتاء)، ومن ثم أصدر عام 1960 (أغاني بوهمية )وعام 1978 أصدر (حقول الأبدية)و( أغاني لزهرة اللوتس) عام 1979
أما آخر مجموعة شعرية (الأغنية الزرقاء الأبدية) فطبعت بعد رحيله بعامين .
ولد الشاعر في مدينة سلمية سنة 1922 ،المدينة التي أثرت الساحة الشعرية العربية، بالعديد من الشعراء الهامين أذكر منهم على سبيل المثال: محمد الماغوط - اسماعيل العامود - علي الجندي - فايز خضور.....الخ
آمن سليمان عواد بقصيدة النثر وبقدرتها على نقل انفعالاته و البوح بمكنونات نفسه والتعبير عنها بصدق وعفوية ودون الإغراق في الصنعة والبديع . فجاء شعره سجلا حافلا لتجربته المريرة وصاغه غنيا بالصدق ويمور باختلاجات روحه المعذبة . فيه يصور الحياة وصراعه معها فنراه ينتصر أحيانا عليها، وأحيانا تهزمه فينكسر ويعترف بانتصار القدر عليه يقول :
لأول مرة في حياتي
اعترف بانتصار القدر
لقد كرهت السماء طوال عمري
غير أنها بقيت على حالها
من القوة واللامبالاة
تنقل الشاعر بين وزارة الزراعة ووزارة الثقافة وعاش فترة طويلة دون عمل لأسباب سياسية . فكانت فترة فقر وقلة وبؤس وقد انعكس ذلك على شعره، الذي تراوح بين الشكوى والتحدي . التأمل والعمل .في كثير من النصوص تقترب اللغة من لغة الإنسان العادي المألوفة والمتداولة. وهو يخاطب الآخر (المجتمع – القدر –السلطة - السماء ...الخ ) ويحملهم مسؤولية معاناته موضحا أنه إنسان نقي وطاهر وبوجه واحد لذلك يحاربه الجميع يقول :
أن أعلم لماذا تكرهني
ولماذا تحاربني
لأن لي قلبا واحداً
ولسانا واحدا
وهو رغم إغراقه في همومه الذاتية ومعاناته الوجدانية فإنه يرى الآخرين من أمثاله أصحاب الضمائر الحية فتصبح تجربته صورة بليغة عن حياة الكثيرين و ويرتقى بألمه ومعاناته لتصبح معاناة عامة ينقله بصدق ومباشرة بلغة حية نقرأ له :
أنتم تحاربون الأصلاء الطيبين
تحاربون الشجعان الأذكياء
وما من خنجر مر غلا وجربتموه
في خواصرهم وقلوبهم ...
وإحساسه بالظلم الذي يلف العالم. وبالحروب الطاحنة التي تهدر ثروات الأمم على القتل و ، يدفعه لرفع صوته في وجه تجار الحروب الذين يمتصون دماء البشر . حبذا لو يتوقفون للحظة ويتعقلوا ثم وبعد تفكير عميق بمصلحة الإنسانية جمعاء سيعون أهمية إنهاء الحروب و تحويل الثروات والأموال للمكافحة الفقر وتحقيق الرفاه, يقول:
أيتها المصانع العالمية الجهنمية
المصانع التي تصنع الصواريخ والقنابل
......... .....
ألا دمري كل صواريخك وقنابلك
واصنعي بدلاً منها خبزاً وأدوية
ويتأرجح موقفه من الحياة فتارة يدعو للثورة والتمرد وحينا نراه فاقد الأمل يائساً، فينزوي في عزلته غريبا ً عن مجتمعه .لأنه يحمل قيما ومبادئ لا تتفق مع وسط عام ينخره الفساد وفقدان القيم الأخلاقية .
وهو رغم ذلك لا يمل من الدعوة للحوار ولاحترام حرية الآخر وفكره رغم الاختلاف بالمبادئ لأن هناك قيما مشتركة بين الجميع يجب عدم التغاضي ، عنها بسبب اختلافات عقائدية أو سياسية. فلا يجوز التنكيل بالإنسان صاحب المعتقد المخالف ،لأن الوطن يتسع لجميع أبنائه يقول:
هل الخلاف الفكري بيننا
يجيز لك
....
وأنت المدعي الثقافة والفهم
والحامل لواء التقدم ، الحضارة الإنسانية
أن تمنع الخبز
عن أطفالي الصغار
وكان للمرأة في قلب الشاعر موقع عظيم فهي التي تخفف وطأة الحياة وثقلها عليه.وهو بموقفه من العالم ينطلق من حبه للخير وتقديره للجمال وما أفكاره التي تبرز دون مواربة في شعره إلا دعوة متكررة للحب وللقضاء على الحروب والشرور .
ولابد ونحن نقرأ تجربة سليمان عواد من الإضاءة على بعض نصوصه الشعرية، وخصوصا أعماله الأخيرة التي تعبر عن نضوج تجربته . وتمكننا من معرفة أسلوب الشاعر والاقتراب منه لكشف عوالمه وتبيان جماليات أسلوبه.
أخذين بعين الاعتبار أن تلك التجربة رائدة ، بالتالي لها ما لها من ايجابيات ، وعليها ما عليها من مأخذ يشفع لها أنها كانت في المقدمة .
تنوع أسلوب الشاعر في صياغة نصه فاعتمد الأسلوب الخبري، ليقول لنا ما يجول في ذهنه من أفكار متنوعة ومفاهيم كلية تدور حول الحياة والحرية والأخلاق والإنسان. وهي كليات عامة يتناولها بإسلوب شعري
يطرح أفكاره وقيمه ويدعونا لتصديقه بالحجج والبراهين. وهذا الأسلوب قلل من جماليات نصه ، وهو يدرك ذلك إذ يقول:
إنني لأشعر بالخجل يغمرني
حين أجد بعض قصائدي
ممزوجة بالفكر والفلسفة
وينحو أحيانا للأسلوب الإنشائي مستخدما الاستنكار والتساؤل أو الحوار كما في النص رقم( 138) والنص(222) من ديوان حقول الأبدية، وهما نصان يرتكزان على الحوار. والشاعر خلال (الأغنية الزرقاء الأبدية) يبث رؤيته الفلسفية للكون أحيانا بشكل مباشر، عبر جمل تركز على المعنى وقوته، دون الاهتمام بجماليات الصور الشعرية .فتبرز انفعالاته الصادقة ومشاعره العميقة عبر بوح شعري ينضح بالألم الإنساني العميق . وتسيطر عليه مشاعر الحزن والأسى .
وليس أدل على ذلك سوى استخدامه لمفردات ( الحزن –الأسى –المأساة-الألم –الضياع- العذاب ) بشكل متكرر في شعره حيث تكررت كلمة الحزن في الديوان المذكور /28/مرة وكثر استخدامه لمترادفاتها أيضا .
إن دراسة نصوصه التي وردت بدون عناوين، وكأنها نص طويل يروي سيرة ألم الشاعر وصراعه مع الحياة في المدينة وما فيها من شرور . تبين رؤيته الرومانسية للعالم وتصور حنينه الدائم للريف،حيث الطيور والفراشات والمطر جزء من حنينه لعالم أكثر رقة وإنسانية تحفل صوره بمشاعر حارة ودفق عاطفي لايتوقف
ويعلن أكثر من مرة انحيازه للفقراء ولأصحاب الضمير ، ولكل ماهو جميل وإنساني في هذا الكون الفسيح .
فالشاعر رغم ما يسيطر عليه من مشاعر الأسى والانكفاء والانشغال بالذات- لاحظ الإكثار من مفردات (أنا – قلبي – نفسي – روحي - صدري) في عمله الأخير- إلا أنه يلتفت للعالم ويبين تناقضاته أثناء صيرورته محللا ومصورا لكل التناقضات والصراعات فهو يستخدم المفردات المتضادة ( الحرب /السلام ،ليل /نهار ،حزن/فرح ، غنى /فقر .. خير /شر )أو بالمعنى (أصفر/أخضر) راسما صورة جدلية للحياة في مسيرتها اللانهائية.....
وفي لحظات الصفاء وحين تكون الروح أكثر هدوء يلجأ للصور الفنية ليغلف المعاني بجمال الصور الشعرية الرشيقة فتبرز صور بصرية تمور بالحركة والحياة فتبدو الغزلان والطيور والأمواج ...
ويعكف حينا للصور السمعية فنسمع( صوت العصافير وعواء الذئب وهدير الموج ...... ) كما نلحظ الصور الذهنية/ غناء الخريف/ والماء يجري كالزمان .أو يلجأ لإستخدام الصور الشمية (حين أشم رائحة الأمواج ) نقرأ له:
لم أحن رأسي
المفعمة بثمار التأمل والأفكار
إلا لأغصان الزيتون الخضراء
خلال نزهتي في الريف ...
وعندما تساقط المطر
حنت عليّ هذه الأغصان
كما تحنو مرضعة على وليدها
لقد كان سليمان عواد بارعا في التقاط الصور المدهشة وتوظيفها في نهاية النص الشعري وهي سمة بنيوية في قصيدة النثر والتي درج عليها كثيرون كالشاعر محمد الماغوط. . والتي تم تطويرها على يد شعراء قصيدة النثر اللاحقين...
××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |