" أعطني حباً وعناقاً أعطيكَ أمناً وسلاماً "
خاص ألف
2010-06-30
الغربُ محتارٌ كيفَ يعودُ إلى إنسانيتهِ . تسودُه أفكارٌ أتتْ من عمقِ الأساطيرِ والديانات الوثنيةِ حتى أنَّ الناسَ بدؤوا يهجرون أماكنَ العبادةِ ويتوجهونَ إلى أماكن التأملِ أو أماكنَ أخرى تعادلُها . ُآخر تقليعةٍ هي المشي على أربعٍ في الحدائق كرياضةٍ لها صلةٌ بهذه الطرقِ . دعواتٌ تعمُ المجتمعَ الغربيَّ تحثُّهُ على العودةِ إلى الطبيعةِ والإنسانيةِ لمعالجةِ هذا الإغراقُ في الماديةِ . إنَّ الأماكنَ التأملية يقصدُها الناسُ من مختلفِ الطبقاتِ الاجتماعيةِ ومن مختلفِ الأديانِ . أما في العلاجات الروحانيةِ والنفسيةِ فقد عادوا إلى منطقِ الإنسانِ الذي يحتاجُ لدعمِ الآخرِ دائماً كي يكملَ رحلةَ الحياةِ ، ومن بينِ تلكَ العلاجاتِ العلاجُ باللمسِ لإعادةِ الاتصالِ الجسدي بينَ البشرِ . لا يعني هذا بأيِّ حالٍ أنَّ المادةَ ليستْ هي الأساسَ في المجتمعِ الغربيِّ. لكنَّ الحياةَ لديهم تستوعبُ كلَّ الحالاتِ الموجودةِ. أما عن اللمسِ فإنهم يقولونَ : أن الإنسانَ يشعرُ بالرضا والتعاطف عندما يعانقُه شخصٌ عزيزٌ كنوعِ من التوددِ، أو الترحيب بهِ لقدومِه من السفر مثلاً . هنا لابدَّ لي أن أتحدثَ عن اللمسِ ، أو عن لغةِ اللمسِ التي تساعدُ على تعزيزِ صحةِ الإنسانِ النفسيةِ. بل حتى تحسينِ أمورِهِ كلّها .
عندما يقرأُ المتصفحُ ما أكتبُهُ لابدَّ أنْ يعتقدَ أنَّ الأمرَ محلولٌ بالنسبةِ لنا – نحنُ العربُ – من المعروفِ عنَّا أننا شعبٌ عاطفيٌّ . نحنُ شعبٌ عاطفيٌّ بمعنى أننا لا نتمعنُ في الأمورِ جيداً . تحركُنا غرائزُنا ، نحنُ أبناءُ اللحظةِ . لا نبحثُ عن الحقيقةِ . الحبّ يأتينا فجأةً ثم يختفي مثلما جاءَ . كما أنَّ نظرتَنا مسبقةٌ للأمورِ . . لابدَّ لنا من معرفةِ ثقافةِ اللمسِ والقبلةِ والعناق ، والأخذِ باليدِ عند الخطأ . سأسألُكم سؤالاً : هل كان اللمسُ والقبلاتُ من روتينِ حياتِكم في الطفولةِ ؟ أي أنَّ أمهاتََكم وآباءَكم كانوا يقبِّلونكم قبلةَََ الصباحِ وقبلةََ ما قبلَ النوم .إنَّ في التعميمِ نوعٌ من الخطأ، لكنني أكادُ أجزمُ أنّ أغلبَكم لم يتلقَ القبلةَ حتى في الأحلامِ . ربما كان اللمسُ متوافراً لدينا في الطفولةِ بسبب أننا كنَّا ننامُ قربَ بعضِنا البعض وفي غرفةٍ واحدةٍ في أغلبِ الأحيانِ ، كما كانتْ أمهاتُنا تلمسُنا لتعرفَ إن كانَ علينا سخونةٌ أم لا . ومعَ ذلكَ كانَ الآباءُ أفضلُ من آباء اليومِ . علينا أن لا ننكرَ أنَّ المجتمعَ يسيرُ باتجاهٍ أسوأ مما كانَ عليهِ الأمرُ قبلَ خمسينَ عاماً . لا أذكرُ أن والدي قبّلني . ليس لي فقط بلْ لكلِّ أخوتي بما فيهم إخوتي الذكور . المجتمعُ لم يحددُ أن القبلةَ هي من بينِ الممنوعاتِ ، لكنَّها على الأقلِ من مهماتِ النساء ، فعلى الرجلِ أن يكونَ بلا دموعٍ وربما بلا قبلاتٍ . مع هذا كنا نعرفُ جميعاً دواخلَ أبي العميقة تجاهنا . ألا يكفي أنه عندما كانت تلدُ أمي الأنثى يقولُ : هي هديةٌ من السماءِ ؟
اللمسُ لغةٌ للحبِّ والرحمةِ . عندما يُطرَقُ رأسُنا بحائطٍ تكونُ أولُ ردةِ فعلٍ لنا هو أن نلمَسه بيدِنا فنشعرُ أن الألم قد خفَّ بعدها . القبلةُ . العناقُ . المصافحةُ كلُّها رسائلَ حبٍّ تجاهَ الآخر لكنَّ العادةَ درجتْ لدينا أن نربطَ أمورَ العناقِ والقُبلِ بأمرِ النفاقِ . نحن نجيدُ لغة الوخزِ أو ما يدعى بالمساميرِ حيثُ أن بعضنا يوجِهُ صاروخَهُ ويقولُ لمن يضربُه بهِ : إنني صادقٌ معكَ لا أعرفُ النفاقَ ، وهل في رقةِ الكلامِ و في التعودِ على المجاملةِ أو أن نوصلَ الرسائلَ بلغةٍ محترمةٍ هو نفاقٌ ؟ بالطبع لا . لكنَّنا تعودنا على أن نكونَ قساةً القلوبِ حتى مع أنفسِنا ، فلا نجلدُ غيرنا فقط. بل نجلدُ أنفسَنا أيضاً حيثُ يغمرُنا الشعورُ باللذِة عندما نقللُ من شأنِنا لأننا لم نتعودُ على احترمِ ذواتنا . ويلزمُنا جميعاً الدروسَ لنحِّسنَ موقفََنا تجاهَ أنفسِنا أولاً. بعدها يتحسنُ موقفُنا من الآخرِ من تلقاءِ نفسِهِ .
اللمسُ هو لغةُ الحبِّ والأمنِ أيضاً . الشعورُ بالأمنِ تشكلُهُ لمسةٌ من زوجٍ لزوجته عندما يلمُّ بها خطبُ ما أو دونَ أن يلمَّ بها ذلكَ الخطبُ ، وكم من لمسةِ حبٍّ من امرأةٍ لزوجِها عندما تعانقُهُ قائلةً : كلُّ شيءٍ سيكونُ بخيرٍ أعطت نتائجَ فوريةً وتجاوزَ بسببِها محنتَهُ . أغلبُنا لديهِ اختلالٌ في الوظائفِ العاطفيةِ لأنهُ حُرمَ من لمساتِ الحنانِ في حياتِه . اللمساتُ التي تجعلُ العقلَ والجسمَ يعيشانِ لحظةَ استرخاءٍ . تجعلُ التغييرَ يتمُّ على مستوى عقلِنا الباطِنِ ويتحولُ اللمسُ عندَها إلى علاجٍ يبهرُنا بآثارِه .
حياتُنا الجنسيةُ تحتاجُ إلى لمساتِ حبِّ في النهارِ لتكتملَ العلاقةَ الإنسانية فيما بعد ، فلا يمكنُ أن تعطي لمساتُ الإثارةِ الجنسيةِ نتيجةً في جسدٍ محرومٍ من الحبِّ والحنانِ . يقالُ أن أماكنَ التدليكِ يقبلُ عليها الناسُ اليومَ من أجلِ تعويضِ النقصِ في اللمسِ الذي كانَ يجبُ أن يتمَّ في حياتِهم . وربما تحتاجُ أسرُنا لجلساتٍ تدليكٍ مكثفةٍ كي تعوضَ الحرمانَ في حياتِها من اللمساتِ والقبلاتِ والعناقِ .
أسألُ : ماذا عنا نحنُ في ثقافةِ الاحتكاكِ الجسديِ هذه ؟ أقولُ إنَّ حالتَنا مستعصيةٌ . على الأقلِ كان آباؤنا لا يقومونَ بتقريعِنا على كلِّ شاردةِ وواردةِ . كانوا أكثرَ هدوءاً وربما أكثرَ تسامحاً . لم تعدِ المرأةُ تعتبرُ أنَّ الرقةَ مفهومٌ أنثوي . لا أتخيلُ أن أرى امرأة إلا وهي تصرخُ على أبنائِها من أجلِ أي شيءٍ ، كما أن الرجلَ تنازلَ طوعاً عن رجولتِهِ ليعوضَها بالغرائزِ والرغباتِ التي يعتبرُها هي فقط ما تعنيهِ الرجولة. سلَّمَ مقاليدَ إدارة الحياةِ إلى المرأةِ مختاراً بينما هيَ ترغبُ في مشاركتِهِ . الرجلُ غائبٌ عنِ الأسرةِ . المرأةُ تذكَرُهُ بواجباتِه فيثورُ كونهُ غاضبٌ من الحياةِ ، وربما معه حقٌ لكن المصيبةُ الكبرى أن تصبحَ الأسرةُ بلا موردٍ وبلا دعمٍ عاطفيٍّ . في بعضِ الحالاتِ غيابُ الرجل أفضلُ من وجودِه كي يتمكنُ بعضُ أفرادِ الأسرةِ من متابعةِ أغنيةِ ما أو برنامجٍ عن الطبخِ بدلاً من سماعِ الحواراتِ على الفضائياتِ وسماعِ ذلكَ الجدل البيزنطي الذي يدورُ فيها والمدفوع الثمنِ أصلاً . بل أصبحَ وجودُ الرجلَ عبئاً على الأسرةِ . أي أنهُ ليس فقطْ لا يتواصلُ باللمسِ بل سيستعملُ صوتَََه وسبابَته من أجلِ الوعيدِ والتهديدِ . وهو في الحالينِ غيرُ موجود . أقولُ رؤيتي وأتمنى أن لا يكونَ هناكَ مبالغةٌ فيها . إننا نسيرُ بخطواتٍ جادةٍ باتجاهِ التخلفِ والانغلاقِ حتى على موضوعِ القبلةِ واللمسِ والتعاطفِ .
أعطني قبلةً وعناقاً لأعطيكَ حباً وصفاءً . هذا هو المبدأ . قبلةُ المحبةِ البعيدةِ عن الغرائزِ ، وإذا كانتِ القبلةُ الثانيةُ ضروريةً أيضاً لأنَّ الحياةَ من غيرِ جنسٍ تشبهُ الصحراءَ من غيرِ واحةِ، فالجنسُ هو نوعٌ من اللمسِ أيضاً وربما فيهِ شفاءٌ ليس للروحِ فقط بل لأمراضِ الجسدِ الأخرى . لكنَّ الأغلبيةَ تعودَ على الصحراءِ وتأقلمَ معَ جوّها . ففي أغلبِ الأسرِ هناكَ طلاقٌ روحيٌ ولو لم يكنْ هناك طلاقٌ في المحاكمِ . أي أنَّهُ ليس هناكَ لمساتُ محبةٍ ولا لمساتُ رغباتٍ جنسيةٍ .
الجِلدُ ذلك الغطاءُ الواسعُ الذي يغلفُ جسدنا . هو من يفسرُ متاعبُنا . إنه يفهم على كلِّ لمسةٍ ويعرفُ كيفَ يوظفُها . أمراضُنا الداخلية والنفسية يقرؤها الأطباءُ من خلالِ النظرِ إلى وجوهِنا حيث يتحدثُ الجلدُ في وجهنا عن داخلنا بشكلٍ واضحٍ .
كما أنهُ يرسِلُ إشاراتِه إلى أدمغتنا . وتكون حسب شعورِهِ فإما أن يبلغَ دماغنا أنهُ محرومٌ من اللمسِ والحبِّ . أو أنه مرتاحٌ فيرتاحُ دماغُنا معَهُ ويعطينا مكافأةً هي الشعورُ بالرضا . فنسترخي وتغمرُنا السعادةَ ربما ! ! !
نادية خلوف
×××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |