Alef Logo
الآن هنا
              

ملف / رحيل محمد عفيفي مطر

ألف

2010-07-04


محمد عفيفي مطر فتح "دفتر الصمت"

صاحب «الجوع والقمر» الذي شُيِّع مؤخرا إلى مثواه الأخير، ينتمي، مثل أمل دنقل، إلى الجيل الثاني لـ«التفعيلة» في مصر. راهن على شعريّة التراكم لا القطيعة، واشتغل في العزلة على تطوير عالمه ليصبح أحد روّاد قصيدة السرد واليوميّات. هل جاء الرجل حقاً في التوقيت الخاطئ؟
/
من الصعب الكتابة عن محمد عفيفي مطر (1935 ــــ 2010) الذي شُيِّع أمس في قريته «رملة الأنجب» (محافظة المنوفية، شمالي القاهرة). صعوبة أقرب إلى قصيدته المنغلقة التي تنفتح على دلالات متعددة تحتاج إلى خبرات صوفيّة وسريالية، ووعي لغوي حاد قادر على تفكيكها، من أجل الوصول إلى معانيها الأولى. ومن هنا، لا تمنح هذه القصيدة نفسها بسهولة للمتلقي إلا إذا امتلك قدراً من الثقافة موازياً لثقافة الشاعر ذاته.
عفيفي مطر هو أحد كبار «المعتزلة» في الثقافة المصرية، مثله مثل زميله في توقيت الرحيل المتقارب فاروق عبد القادر. كان على خلاف دائم مع المؤسسة الثقافية الرسمية، منذ البدايات، وربما قبل أن يظهر في الساحة الثقافية ديوانه الأول «من دفتر الصمت» (1968). وهو الديوان الذي صدر في دمشق، إذ لم يكن ممكناً له أن ينشر داخل مصر بسبب خلاف تاريخي مع الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور. وتتابعت دواوينه أيضاً خارج مصر... ربما أسهم هذا الموقف ونظرة مطر نفسه للشعر، في «عزله» عن الجماهير.
العزلة أتاحت له أن يعكف على مشروعه الشعري، مطوّراً إياه بدأب شديد. سنقابل في دواوينه «العالم كله في شخوصه المقدسة وغير المقدسة، في فلاسفته ومفكّريه، في شعرائه وفنانيه، في زعمائه وطغاته، في سحرته ومخادعيه، في مناضليه ومتخاذليه»، كما يقول الناقد محمد عبد المطلب. كما طوّرت هذه العزلة عالمه الشعري بعيداً عن ضغط الجمهور، ليصبح رائداً في تطوير القصيدة عبر «نزوعها إلى السرد»، أو في بروز جنس أدبي جديد هو قصيدة السيرة عموماً وقصيدة اليوميات على وجه الخصوص. وهو ما يرصده الناقد فكري الجزار.


يُعدّ مطر أحد شعراء الجيل الثاني لقصيدة التفعيلة، يجايله أمل دنقل وفاروق شوشة ومحمد إبراهيم أبو سنة. لكنه حاول ــــ حسب تعبير الناقد والشاعر محمد بدوي ــــ أن «يصوغ لنفسه موقفاً مختلفاً عن الشعراء السياسيين ذوي اللهجة الحادة، على الرغم من أن خطوطهم الفكرية هي واحدة تقوم على تقديس الجماعة وحِكمتها، على أن يكون الأدب تعبيراً لها». بدوي يرى أن «خطاب أمل دنقل القومي في الشعر يقوم على دقته اللغوية وسلامة بناء القصيدة. بينما مفهوم العروبة لدى مطر يتبدى في حراسة اللغة، إذ ينبغي أن تكون اللغة في أقصى درجات توهّجها معتمدة على مجموعة من الأشياء مثل الانحراف في الاستعارة. كما أن الشاعر يوسّع اللغة، بمعنى أنه يبحث عن العلاقات اللغوية التي تجعل القصيدة تكاد تكون مستغلقة على القارئ. لذلك، فالشعر لديه هو عمل في اللغة وتأويل للعالم يعتمد على اللاوعي».
الشعر إذاً، حسب رؤية مطر نفسه، لا ينبغي أن يكون «صدى للسياسي بل فعلاً مباشراً»، فـ«السياسي لا يمكن أن يفتح آفاقاً للشعري سوى آفاق السجون والمعتقلات». هكذا، يمكن اعتبار شعرية مطر، بتعبير محمد عبد المطلب، «شعرية التراكم لا القطيعة، كأن قصائده عمرها ألف عام مع أنّها بنت لحظتها. وهذا البعد الزمني المتوهم جاء لأنّ الإنسانية كلها حاضرة في هذه الشعرية، حاضرة بعقائدها وأساطيرها وخرافاتها وفلسفاتها وأحلامها وتاريخها. ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن نفصل هذه الشعرية الإنسانية الحضارية عن ذاتية عفيفي وهمّه الوطني والقومي والإنساني».
لكن مواقف مطر الحياتية لم تكن غارقة في الغموض الشعري. لم يبتعد قط عن الجماهير، هكذا أصدر مجلة «سنابل» (1969) التي استمرت ثلاث سنوات، في وقت قضت فيه السلطة الناصرية وبعدها الساداتية على مجلات الثقافة في مصر. كانت المجلة على حد تعبير مطر في أحد حواراته «صورة عن كرامة المثقفين والمبدعين الهامشيين، وبعيداً عن الانتباه من الرقابة ويقظة المسؤولين. لقد جعلنا منها موسماً باذخاً من الحوار الحر، ورحابة التعدد، وصراحة التعبير». لم تنتبه السلطة للمجلة حتى نشر مطر قصيدة أمل دنقل «الكعكة الحجرية».
لكن هل عُرِف مطر حقاً؟ الشاعر عبد المنعم رمضان يرى أنّ صاحب «الجوع والقمر» لم يُعرف حتى الآن، ولم توضع دراسات نقدية تعُرِّف به مثلما حدث مع الآخرين. يوضح رمضان: «صلاح عبد الصبور وأمل دنقل وعبد المعطي حجازي نجحوا في كتابة قصائد، اخترق بعضها زمنه إلى الأزمنة التالية، بينما كانت قصائد مطر هائلة في لحظتها، لكنها لم تتحرك عبر الأزمنة». لكن ثمة اتهامات لعفيفي بالتأثر بأدونيس! يجيب رمضان: «في بداية حياته، حوصر بهذا الاتهام. لكنّني أظن أنّ أدونيس كانت عيناه إلى أعلى، بينما كانت عينا عفيفي إلى الأرض». ويضيف رمضان: «من أجل أن ينفي مطر تهمة التأثر بأدونيس، بالغ في هجومه على «مهيار»، واتهمه بسرقة مصطفى صادق الرافعي. كما سافر إلى اليمن في عام 1989 ضمن ندوة عن الثورة الفرنسية كان عرّابها حينها أدونيس، وأصرّ على مهاجمة الاحتفالية رغم أنه لم يبرر سبب سفره ومشاركته». ويختم رمضان مؤكداً أن «مطر هو شاعر التوقيت الخاطئ. قد تكون قيمته أكبر من قيمته المعلنة، وكل عائد إلى ذلك التوقيت الخاطئ في كل ما كان يقوم به».

محمد شعير
جريدة الصباح الجديد

أرابيسك محمّد عفيفي مطر:الصّورة الكلّية / التّوريق

رحل محمّد عفيفي مطر وترك لنا قصيدة لا تزال تحتفظ بالكثير من وجوه إغماضها، قصيدة تقاوم، كما هو الشأن عند أدونيس أو حتى عند أبي تمّام قديما، كلّ أنماط القراءة التجزيئيّة. والإغماض ـ مثلما نبّه عليه حازم القرطاجنّي ـ يمكن أن يرجع إلى المعنى نفسه عندما يبنى على مقدّمة في الكلام يصرف الفهم "عن التفاتها بعد حيّزها من حيّز ما بني عليها أو تشاغله (الشّاعر) بمستأنف الكلام عن فارطه أو غير ذلك ممّا شأنه أن يثني غروب الأفهام كليلة قاصرة عن تحقّق مفهومات الكلام". أو عندما "تفرط العبارة في الطّول فيتراخى بعض أجزائها عمّا يستند إليه وما هو منه بسبب فلا يشعر باستناده إليه واقتضائها له لا سيّما إذا وقع في الكلام اعتراضات وفصول وكان مشتملا على أشياء يمكن أن ترجع إلى كلّ واحد منها ذلك الشيء". غير أنّنا لسنا بصدد عرض نظريّة حازم، وإنّما هي فسحة يتيحها لنا شعر عفيفي.
والكلام عند القرطاجنّي درجات ومراتب يضع بعضها فوق بعض. وهو الذي يرى أنّ المعاني أربعة أنواع "منها ما يقصد أن تكون في غاية من البيان… ومنها ما يقصد أن تكون في غاية من الإغماض، ومنها ما يقصد أن يقع فيه بعض الغموض، ومنها ما يقصد أن يبان من جهة وأن يغمض من جهة". وحاصل قوله أنّ الكلام نوعان : أحدهما مداره على وجوه الإغماض المعنويّة أو العباريّة. وذلك في الأقاويل التي يقصد بها الكنايات والإلغاز. والآخر يقصد فيه الإبانة والتّصريح. ولا نظنّ أنّ هناك من يجادل في أنّ شعر عفيفي ينضوي إلى النوع الأوّل.
وهو من هذا الجانب يستدعي قراءة نصّية سياقيّة تباشر الصّورة في كلّيتها أو تعطفها على سابق أو لاحق، لا الاقتصار على صور نتخطـّـفها من قصائده الطويلة. فهذا أمسّ بسياق البيت لا القصيدة. أكثر هذه الاستعارات استعارات أو صور كلّية يتوقّف فهمها على كلام سالف أو لاحق، بحيث تتظافر أجزاء المعنى في صياغة المعنى الكلّيّ. لكن لا يذهبنّ في الظّنّ أنّ الصّورة في هذا الشّعر كلّية أبدا، أو أنّ لها في كلّ قصيدة أصلا تترتّب عليه وتتفرّع منه، بحيث يستغرق أفراد الصور وعموم أجزائها؛ فثمّة صور غير قليلة تتلبّس بالسطر أو الجملة الشعريّة، وتكاد لا تبرحه إلى فضاء القصيدة، وهي أشبه بصور قرائن يستقبل بعضها بعضا. بل أنّ "الأصل" نفسه لا وجود له في صورته المطلقة، وإنّما وجوده في تقيّده بالاستعارة. بل ربّما تخفـّى في أحد مجازاته المفردة، فإذا أردنا بيان علاقة هذا المجاز بالأصل أو بباقي المجازات، امتنع ولم تبن صلة النّسب بين هذا وذاك. على أنّ غياب القرينة لا ينبغي أن يحمل في كلّ هذه الصّور الاستعاريّة المشكلة على أنّه قرينة غياب.
ذلك أنّ الصّورة الكلّية، وهي من مكوّنات إنشائيّة الخطاب تقوم على ترتيب وحدات صغرى وتركيبها وفق خطوط مرسومة لها، تنزع إلى "الأصل" أو "النّواة" بصورة منتظمة. غير أنّ بعضها يظهر بارزا وبعضها الآخر غائرا، ممّا يجعل تناظرها أمرا لا يتبادر إلى ذهن الناظر فيها؛ وبخاصّة كلّما حصر بالصّورة الصّغرى أو الوحدة الصّغرى في دائرة البيت المفرد.
قد يسوغ إذن أن نعتبر الصّورة الكلّية "صورة كتابيّة" بالمعنى الأصل لـ"كتب" أي ضمّ شيء إلى شيء وتوثيقه، وليس الكتابة من حيث هي خطّ شيء على شيء. بل قد نعتبرها ضربا عن "فنّ التّوريق العربي" أو الأرابيسك.
على أنّ هذا استنتاج نأتيه على حذر حتى لا يقع في الظن أنّنا نختزل قصيدة عفيفي في مجرّد طابع زخرفيّ "هندسيّ" أو نزعم أنّها كتابة مستفرغة من أيّ همّ إبلاغيّ، مجرّدة من "النّفعيّة"، أو هي تنزع إلى المتعة الخالصة أو إلى ما أسماه القرطاجنّي محاكاة "المحاكاة".
إنّ كثيرا من الصّور المشكلة في شعر عفيفي شأنها شأن "التّوريق" نصّ "قابل للقراءة" و"غير مقروء" في ذات الآن، فهي محكومة بعقليّة رياضيّة دقيقة من حيث التّناسق والتّناظر والتّداخل والتّشابك والتّماثل والتّقابل ـ وهذه من أهمّ مميّزات "التّوريق"ـ الأمر الذي يجعل قراءة هذه الصّور ممكنة.
وهي "غير مقروءة" شأنها شأن "التّوريق"؛ لأنّ أساسها كتابة "لا نموذجيّة" أو"لا قياسية" قد لا تعدو دلالتها المتعة الخالصة : متعة تجميع الحروف والعناصر النّباتيّة والأشكال الهندسيّة في"التّوريق" حيث لا رابط في الظّاهر من شكل أو من معنى يسوّغ إلحاق حرف بعنصر نباتيّ أو بشكل هندسيّ إلا أن يكون ذلك نابعا من أساس الكتابة المادّيّ، وهو أساس الرّسم والنّقش والتّصوير، ومتعة التّلعّب بالمستعار منه والمستعارله في الصّورةالكلّيّة حيث تتّصل الوحدات الصّغرى (الصور الجزئيّة) بوحدات مماثلة لها تجاورها أو تعلوها أو تدانيها أو بصور متقابلة أو متعاكسة؛ وتنتظم كلّها في هيئة واحدة محكومة بنظام هندسيّ "صارم"،وعقليّة رياضيّة "دقيقة".
فلعلّ الموضوع الرّئيس في الصّورة و"التّوريق" كليهما هو مجلى "روح الكتابة" ذاتها أو"جوهرها"؛ أي الكتابة التي لم تخلص في ثقافة العرب المسلمين من المثال "الأنطولوجيّ" بسبب من ارتباطها بالقرآن من حيث هو "الكتاب الأمّ"، الذي لا يفتأ يذكّر الإنسان بأنّ الكون نفسه كتاب يمكن أن يتآلف في بنية واحدة كلّيّة إذا استطاع أن يفكّ رموزه وينفذ إلى دلالته على قدرة الخالق وحكمته في المنظور الدّينيّ. بل هو يستطيع أن يحتذي هذه البنية ويضاهيها إذا استقامت له جودة الآلة وإصابة الغرض المقصود وصحّة التأليف والانتهاء إلى تمام الصّنعة أو ما أسموه العلّة الهيولانيّة والعلّة الصّورية والعلّة الفاعلة والعلّة التّماميّة". وهذه الخلال الأربع ليست في الصّناعات وحدها بل هي موجودة في جميع الحيوان والنبات".
ومن ثمّ كانت اللّغة عندهم أو "ألفاظ الشّاعر" صورة من الهيولي الأولى التي يعنون بها "الطّينة التي يبتدعها الباري تبارك وتعالى ويخترعها ليصوّر ما شاء تصويره من رجل أو فرس أو جمل أو غيرها من الحيوان، أو برّة أو كرمة أو نخلة أو سدرة أو غيرها من سائر أنواع النّبات". وقد لا يخفى أنّ نزعة كهذه تنهل من نبع دينيّ أو ميتافيزيقيّ وتقوم على العرفان مقابل البرهان العقليّ، تجعل من بلوغ الكمال الجماليّ أنطولوجيّا ومعرفيّا ممكنا، كلّما توخّى "الصّانع المخلوق" إعادة إنتاج أصل معطى له سلفا، أي هذه اللّغة أو الألفاظ التي " يستجيدها ويتخيّرها" الشّاعر وكأنّها مجرّد وعاء للفكر أو الشّعر وليست الفكر أو الشّعر ذاته. فهو إذن صانع لا يكتفي بأن يتلقّى عنه، بل يتلقّى هو أوّلا مادّة بنائه فيتخيّر جيّدها ويلفظ رديئها؛ حتّى إذا تمّ له ذلك كان كمن "وجد آجرّا وجصّا فبنى" بعبارة الفرزدق.
وفي هذا وغيره، دليل على الأثر العميق الذي تركته ثقافة "النّصّ"(القرآن) والنصّ الصوفي في رؤية عفيفي الفنّية، وكأنّ العمل الفنّيّ يتعلّق بالكلمة (اللاّوغوس) أكــثر ممّا تتعلّق بالعالم الطّبيعيّ،أو أنّ العالم نفــســه صحائف متناثرة و"كـلــمـة" و"كتاب" يتملّى فيه "الصّانع المخلوق" قدرة "الصّانع الخالق" وحكمته، بل إنّ الصّنعة تشهد، ما ائتلفت في بنية واحدة كلّيةّ، للإله الخالق المتعالي الذي لا يوصــف ولا يمكن إدراكه، وكأنّها برهان على وجوده Preuve ontologique .
ومن هذا الجانب قد يصعب القول بمتعة فنّية خالصة في الفنّ الإسلاميّ عامّة إذا نحن لم نر فيه إلاّ هذا العالم المثاليّ المفارق عالم المطلق الإلهيّ؛ مع أنّ المتعة نفسها حقيقة عمليّة نفعيّة. أمّا إذا أخذنا بالاعتبار أسـاس هذه الكـتـابـة "اللاّنّموذجيّة" أو "اللاّقياسيّة " في "التّوريق" وفي الصّورة الكلّيّة المشكلة كليهما، فنذهب في قراءتنا أبعد من اختزال العلاقة بينهما في الطّابع الزّخرفيّ.
بل يمكن أن نعّده فنّا "أيقونيّا". ولكن ليس بالمعنى المسيحيّ حيث الحفر في الخشب أو في المعدن يمثّل مشهدا دينيّا. فوظيفته ليست تعبّديّة وإنّما هي جماليّة تخييليّة تتأدّى في سياق مراوحة دؤوب بين أشكال شفهيّة وأخرى كتابيّة.
على أنّنا لا نحبّ أن نتورّط في إشكالات الأصل والمبتدأ والمنشأ وما يتفرّع عنها من قضايا تأثّر الفنون العربيّة الإسلاميّة بعضها ببعض، وتأثير بعضها في بعض استئناسا بـ "القانون التّواضعيّ التّوالديّ" في وحدة هذه الثّقافةـ بعبارة الفاضل بن عاشور، فلسنا مؤهّلين للخوض فيها ولا هي من مقاصد بحثنا. إنّما ساقنا إلى هذا التوريق" ما لمسناه من صلة لطيفة بينه وبين الصّورة الكلّيّة القائمة على أساس من الاستعارة المكنيّة حيث الوظيفة الجماليّة التّخييليّة هي الأظهر على ما يبدو. ولعلّها وظيفة "الحسن" التي تجمع إلى محيط دائرتها، كلّ عناصر الرّسالة، وكثيرا ما تحدث في الصّنعة جملة من المعاني اللّطيفة المستغربة؛ خاصّة أنّ عملها يتّسع للصّورة بنية ونغما وإيقاعا، الأمر الذي يضعنا في سياق مراوحة دؤوب بين أشكال "شفهية" وأخرى "كتابيّة"، ويوقفنا على اتّحاد تامّ بين "الشّكل" و"موضوعه" كما هو الشّأن في الموسيقى؛ حتى ليتعذّر أن نخلّص هذا من ذلك، ولو على مقتضى إجراء منهجيّ لا غير.
ففي "التّوريق"مثلا غالبا ما تصرفنا الصّورة عن العناصر الطبيعيّة المألوفة إلى زخرفة محوّرة عن الطّبيعة، أساسها مزج الطّبيعيّ بالخياليّ. وكأنّ مسعى الفنّان يكمن في تحرير هذه العناصر من سلطان المادّة "الفانية" بتحويرها وفق نظام هندسيّ خاصّ مظهرا وتكوينا. وفي الشّعر الذي نحن به يمكن أن نلحظ هذا المسعى في أكثر من صورة من هذه الصور التي تتميّز بظاهرتين لافتتين: قابليّتها للانشطار والتّفرّع، من جهة، وتجمّع عناصرها وأجزائها بشكل دائريّ حول نواة واحدة، من أخرى. ولعلّ هذا المظهر في إنشائيّة الصّورة أن يكون على وشيجة بعنصرين زخرفيّين أثيرين في فنّ التّوريق هما : المروحة النخليّة والزّهرة. Rosette et Palmette

أمّا التفرّع فمردّه في تقديرنا، إلى أسلوب مطّرد في الشّعر العربيّ عامّة قديمه ومحدثه هو حذف الموصوف أو تحرير الصّفة من موصوفها إذ ينصرف الشاعر عن الموصوف إلى صفات تتمحّض للاسميّة، ولكن دون أن يستبهم الموصوف تماما إلاّ في الصور "المشكلة".
وعدا ذلك فإنّ النّواة التي تتجمّع حولها الصّفات، تقوم دليلا على حذف الموصوف. وهو دليل مقاليّ قائم على التّقدّم في الذّكر؛ الأمر الذي يجعل حذف الموصوف يؤدّي الدّور الرّابطيّ الذي هو لظاهرة الحذف، في الجمل الأقرب إلى النّواة، حتىّ إذا ابتعدت الصّفات عنها موقعا ومناسبة ،تحرّر الحذف من دوره الرّابطيّ؛ فقد تمحّضت الصّفة للإسميّة وخلصت لها، كما هو الشّأن في الأسماء الحسنى التي حلّت محل الأسماء الدّالّة على الذّات الإلهيّة.
على أنّ الذي يعنينا ممّا تقدّم، أنّ هذه الصّلة اللّطيفة بين التّوريق والمحدث الشّعريّ القديم (أبوتمّام) والحديث (عفيفي وأدونيس) ـ ونذكّر بأنّنا نقرّرها بشيء من الحذر ـ تظهر أكثر ما تظهر في نمط الصّورة الكلّية، مثلما تظهر في أساليب صياغتها. ومن هذه الأساليب حذف الموصوف أو ما يمكن أن نسمّيه تحرير الصّفة من موصوفها. وفي هذا ما يغري بالقول إن صنيع الشّاعر شبيه بصنيع الفنّان"الورّاق" ـ إن صحّ لنا هذا الاشتقاق ـ فمثلما يحرّر "الورّاق" عناصر الطّبيعة من مادّتها، ويحوّرها بالاعتماد على صفتين من أظهر صفاتها هما الحركة واللّون، يعمد الشّاعر إلى هذا الضّرب من الحذف. وحسبنا هاهنا أن نشير إلى ما أسماه القدامى "لغة الضّرائر" وما نؤثر نحن أن نسمّيه "نحو الشّعر". فالشّاعر"لا يذكر الأشياء التي تتراءى للعيان وإنّما يذكر خيالاتها وأمثلة لها متوهّمة".
وهذا الكون المتوهّم هو ذاته الذي نقف عليه في فنّ التّوريق حيث العناصر الطّبيعيّة المحوّرة صورة موازية للعناصر اللّغويّة المحوّرة. وإذا أضفنا إلى هذا ما يردّده المعاصرون من أنّ "الواقع ليس أكثر من "بنية جوفاء"، أمكن أن نمسك بالخيط الذي يتجاذبه فنّ القول عند بعض الذين ذكرنا، وفنّ التّوريق كلاهما؛ ونعني به "كراهيّة الفراغ" وطريقة كلّ منهما في ملئه. وهي لا تخرج في كليهما عن هذا الكون الشّعريّ المتوهّم؛ وكـأنّه فضاء الكمال الجماليّ مقابل الفضاء الواقعيّ حيث الأشياء "النّاقصة" إلى زوال وفناء.
ففي التّوريق يحقّق مبدأ التّرابط اللاّنهائيّ بين الأشكال المتناظرة، للفنّان رغبة في بسط الزّخارف على المساحات الكبيرة الممتدّة، وهو يراعي في الأوراق أن تملأ الفراغ بين الأغصان المتموّجة، وأن تتناسب في أحجامها وأوضاعها تماثلا وتقابلا. وفي المحدث القديم والمعاصر تنهض بملء الفراغ إمّا صنوف البديع والبيان من جناس وطباق وتشبيه واستعارة كما هو الشأن عند أبي تمّام، أو الرموز والأساطير وتسلسل الصور كما هو الشأن عند عفيفي أو أدونيس؛ وما يتّصل بذلك كلّه من ضروب التّوهم والتّخيل والإيهام والتّخيّل، والتّرخّص في القرائن من حذف وإضمار والتفات وتقديم وتأخير. وربّما أفضى ذلك إلى نصّ قلق مزدحم العناصر والصّور، لا يكاد القارئ يحمله على معنى حتى يندّ عنه. فقد تحجب هذه المكوّنات الأسلوبيّة الفنّية أو البلاغيّة النّحوية على النّصّ بدل أن تبين عنه، وبخاصّة كلّما اطّردت فيه وتكثّفت على نحو ما نجد في أكثر هذا الشعر. فعندئذ يكون النّصّ، شأنه شأن الزّخارف الجداريّة، أشبه بمتاهة تضلّ فيها العين ومظنّة لانصراف الخواطر في فهمه إلى أنحاء من الاحتمالات شتّى. وإذا نحن إزاء خطاب يقاوم قرّاءه، على نحو ما يقاوم سلطان الواقع أو التّاريخ. وربّما ليس أدلّ على ذلك من كونه قابلا أبدا لتعدديّة التّأويل poly-interprétable .
ولشتّى ضروب القراءة يما فيها تلك التي قد تعتبره "هذرا" و"تخليطا" و"سواسا" كما كان يقول الآمدي عن شعر أبي تمّام، وكما قد يقول بعضنا اليوم عن شعر عفيفي أو أدونيس.
هوامش:

ـ التوريق العربيّ هو ما يسمّيه الأروبيّون "أرابيسك" وهو اسم أطلقوه على الزّخرفة الإسلاميّة. ومن العرب المعاصرين من يسمّيه " الرّقش العربيّ" و" التّوشيح العربيّ "و"التّوريق ".ومن اللاّفت أنّ الأسبان والبرتغاليّين يطلقون على هذه الزّخرفة
Atauriqueكلمة
وهي مشتقّة من الكلمة العربيّة "التّوريق ".ونحن نؤثر هذه التّسمية ؛لأنّها تعبّر عن طبيعة العناصر التي تكوّن هذه الزّخرفة.انظر خالد خليل حمّودي الأعظمي، الزّخارف الجداريّة في آثار بغداد ،دار الرّشيد للنّشر 1980ص.138.

ـ يذهب البعض إلى أنّ مفهوم "النّصّ" في ثقافة العرب هو بعكس المفهوم الأوروبي لنفس الكلمة التي تعني في جذرها اللّغويّ النّسيج الذي يمكن تفكيكه. انظر مهدي بندق، الكتابة وثقافة الإذعان، ضمن الأدب العربيّ والعالميّة، المجلس الأعلى للثّقافة مصر 1999. وهناك علاقة بين النّسج / النّصّ، والعرب كثيرا ما شبّهوا الصّنعة الكلاميّة بصناعة النّسيج منذ الجاهليّة. انظر ابن سلام ص.38 والصّناعتين ص.43.ولعلّ نظريّة عبد القاهر في النّظم، خير دليل لذلك.ويمكن القول إنّها تمثّل موقف العرب الجماليّ العامّ، إذ هو لا يفصل بين أنواع الفنون المختلفة كالنّقش والتّصوير والصّياغة وما إليها. ومفهومه للنّظم إنّما تمثّل له في كلّ هذه الفنون ومن بينها فنّ القول. انظر عز الدين اسماعيل الأسس الجماليّة في النّقد العربيّ،صـ239
حازم القرطاجنّي المنهاج ص.94
ـ الآمدي،الموازنة ص.382
الجاحظ، البيان والتّبيين 3/182
ـ لا يخفى أنّ "النّصّ" إنّما اختصّ به في التّراث العربيّ الإسلاميّ القرآن والسّنّة، على أساس مقابلة خفيّة أو مضمرة بين الشّعر والوحي. فمثلما اصطنع العرب للنّفيس من الشّعر والمتخيّر اصطلاح "المعلّقة"، اصطنعوا للمعجز الدّينيّ اصطلاح "نصّ"؛ وكلاهما يضمر حكما نقديّا أو حكم قيمة. غير أنّنا قصرنا الإشارة على "القرآن" لأنّ استشهادهم به في المدوّنة النّقديّة هو المطّرد.
الشّيخ الفاضل بن عاشور، مقدّمة المنهاج
نشير إلى أنّ بدايات نشوء التّوريق ترجع ـ فيما يرجّحه الباحثون ـ إلى القرن الثّالث للهجرة. انظر زكي محمّد حسن، فنون الإسلام، مطبعة لجنة التّأليف والتّرجمة والنّشر،ط1/القاهرة1948.ص.250 .على أنّ هناك من الباحثين من يرى أنّ أوّل النّماذج الزّخرفيّة الإسلاميّة ذات طابع التّوريق العربيّ الأصيل إنّما يرجع إلى أوائل القرن الخامس الهجريّ. انظر أحمد فكري ،مساجد القاهرة ومدارسها،دار المعارف بمصر 1961ـ ج 1/182 وما بعدها، وخالد حمّودي، الزّخارف الجداريّة ص.139 وما بعدها.

La querelle du réalisme,Diagonales,Paris 1987,pp.52-56.


هامش شعري:

أرابيسك لمحمد عفيفي مطر

صادٌ مقلوبة كأنّها عين
كاف كأنّها باء مرسلة
ياء كالراء
قاف كأنّها نون أُرسلتْ من العنق
لِمَ نطلُّ هذه الفاء برأس
كأنّها دال مقلوبة؟
أيّة فسيفساء من زخارف نباتيّة ونجميّة؟
أيّة أغصان تتسامق فيها؟
أيّة فروع تتموّج وتلتفّ ؟
أيّة خطوط ومنحنيات تجري؟
أيّة حنايا وأقواس؟
لا بداية لها ولا نهاية
تخرج من هذه القصيدة؟

الألف حرف مدبّب
ينقص ثم يرهف
هل أحفر نقطة في الأعلى؟
هل أحفر شظية في الأسفل؟
لكن من أين لي بسبع نقط
من نقاط قلم الثلث؟
الراء والزاي يستلقيان منفردين
لم لا يتلامسان؟
لم يطلان إلى اليمين
برأسين صغيرين؟
السين حرفان
أي فم أدرد في فاتحتها؟
أي رأس صغير مقوس إلى الأسفل؟
الكاف ألف
لم يميل إلى اليسار؟
الهاء حلقتان تتراكبان
بيضوية ومدببة
الآن أقفل بـ "الهاء"
هذه الأرابيسك
أرفعها.. ثم أتحدّر بها
لكن من أين تأتي هذه الراء
لم ترتفع نهايتها؟
الآن.. أقول: القصيدة عين
لا بدّ أنّها ترى (اسمه) المحفور
في لوح نافذته العمياءْ

منصف الوهايبي ـ ميتافيزيقا وردة الرمل

عن الأوان

محمد عفيفي مطر .. حمل عصا الريح ورحل

* موسى حوامدة

تعرفت إلى محمد عفيفي مطر قبل أكثر من عشرين عاماً، في أحد مهرجانات جرش. وفي مهرجان المربد عام 2000، كنا برفقته حين وضع إكليل الزهور على تمثال السياب في البصرة. كان الراحل شاعراً حقيقياً: كان يتصرف ببساطة داهشة، وبنقاء عجيب، وبلا عقد، ولا تكلف. كان حاد النظر، حاد المزاج، وشاعراً رافضاً لا يقبل الدجل والتدليس، وينفر من كل سلطة، ومن كل مثقف لا يحترم نفسه. لم يسعَ إلى منصب أو مكسب مالي، أو موقع ثقافي: فلم يسبق له أن وقف إلى جانب مصلحته الشخصية على حساب قيمه ومبادئه وشعره. لذلك كان صوته المعارض يجلجل، دائماً، حين يرفض ما يذهب إليه الكثيرون في الأوساط الثقافية العربية، وفي الساحة المصرية، وفي لجنة الشعر أو في اتحاد كتاب مصر، أو حتى في جلساته الحميمة والبسيطة.

وفي زمن تكسرت فيه النصال على النصال، كما يقول أبو الطيب، وتساقَط الرجال تساقُط الجراد الميت، ظل محمد عفيفي شامخاً، لم يهادن ولم ينحن ولم يركع. ورغم أنه اعتقل وعذب تعذيباً قاسياً ومرعباً بعد الغزو الأمريكي للخليج، عام 1991، إلاّ أنّ التعذيب لم يورثه سوى الصلابة والتمسك بمبادئه، بينما سال لعاب كثيرين من أجل مكاسب تافهة وسخيفة.

دافع عفيفي عن العراق دفاعاً مستميتاً. لم يقف مع نظام العراق، ولم يستفد كما استفاد كثيرون وقلبوا ظهر المجن، ودافع عن فلسطين ودافع عن الحلم المصري والكرامة المصرية. وكان يعشق الأطفال، وخصص لهم العديد من كتابتاته، لا بل كان ـ آخرَ مرة قابلته، في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة، قبل الأخير ـ متحمساً جداً لما كتبه للأطفال.

كان صوته الشعري متفرداً، وكان بناءً مستقلاً. هضم الشعر العربي القديم، والفلسفة، والفكر العربي كله، ووصل إلى قناعة بجفاف الشعر العامودي، ودخل فضاء القصيدة الحديثة بفهم وبعد نظر. لم يتكئ على أحد: لم يكن إلا صوته الخاص، وأسلوبه المتفرد. ورغم اعتراض الكثيرين على غموضه، إلاّ أنه كان يؤمن بأن الشعر ليس مقالاً نثرياً عادياً، وكان يبني صوراً شعرية متدافعة وقوية، وهذا ما كان يرهق قارئ شعره العادي، حيث لا يحتمل الغموض والتكثيف لديه. وبرغم أن كثيرين من الشعراء غرفوا من شعره، واعتمدوا، عليه وسرقوا، من قصائده، فإنه لم يكن يبالغ في المسألة، وكان يقول: هذا يكفيني. حتى إن أحد الشعراء المصريين قرأ، ذات مرة، قصيدته بوجوده، فقال له أحدهم: هذه قصيدة مطر. فردّ، بلا غضب: هذا يكفيني.

ظل صاحب موقف، رافضاً قبول الهدايا والأعطيات، وتدخل الدولة لعلاج المثقفين في أواخر حياتهم: فقد رفض العلاج على نفقة الدولة، وحاول إخفاء مرضه عن أقرب الناس له، حتى إنه ـ في الآونة الأخيرة ـ تكتم على حالته الصحية، وطلب أن يدفن في وضح النهار، وليس في العتمة.

وإذا كان الموت حقاً على كل بني آدم، والسعي للحياة يتطلب تقديم العديد من التنازلات، والعمل لتكريس اسم الشاعر يتطلب إقامة العديد من العلاقات مع المؤسسات والمنابر، فإنّ عفيفي ظل بعيداً عن التنازلات والمساومات والمجاملة، حدّ أنه لم يطبع في مصر الكثير من مجموعاته وكتبه. وعندما بودر إلى طباعة أعماله الكاملةً، في مصر، أسوة بغيره من الكتاب المصريين، ألغي المشروع في آخر لحظة.

كتب الراحل جزءاً من سيرته في كتابه "أوائل زيارات الدهشة ـ هوامش التكوين"، ومن خلال هذا الكتاب يمكن التعرف أكثر إلى سيرة شاعر مليء بالغضب: سيرة البساطة التي دفعته إلى حب الفلسفة والشعر والغموض، والعيش في جنة الكرامة. لم يأخذ حقه حتى في بلده، ورغم رحيله البسيط بساطة حياته وسيرته، فإنّ أثره في كثير من الشعراء سيظل بارزاً. وبالنسبة لي، فلن أنسى مشهد الوداع الأخير في القاهرة: إذْ ـ بعد أن تلاقينا أياماً عدة، وبعد جلسات بسيطة جمعتنا في معرض الكتاب، وبحضور بعض الأصدقاء ـ حمل عصاه كأنه يحمل الريح، ومضى بخفة شاعرية، كأنه يطوي بلاداً تضيع من بين يديه لكنها تتجمع كاملة في قبضة يده وصدره.

[email protected]

عن الدستور





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow