" حُمَّى الجمالِ "
خاص ألف
2010-07-10
الكلُّ يبحثُ عن الجمالِ . الكلُّ غيرُ راضٍ عن مظهرهِ وشكلِه الخارجيِّ . إنه عصرُ الجمالِ والتجميلِ . كم من الأشخاصِ ماتوا تحتَ عملياتِ التجميلِ ؟ ضحوا بأنفسِهم من أجلِ كمالِ المظهرِ. لاشكَ أنَّ الجمالَ قيمةٌ هامةٌ كالخيرِ والفضيلةِ وباقي القيم الأخرى . الكثيرُ من البشرِ يربطون بين الوجهِ الحسنِ والخيرِ أو التفاؤلِ . علينا أن لا نقللَ من قيمةِ الجمالِ الخارجي الذي يعطينا العديدَ من مزايا التفوقِ التي تختصرُ علينا الوقتَ والجهدَُ مثلُ أن يكونَ لدينا الإمكانيةَ لحياةٍ اجتماعيةٍ جيدةٍ ، ولصداقاتٍ مرغوب فيها أو لعملٍ نحلمُ به . حتى أننا عندما ننظرُ إلى المظهرِ الجيدِ والشكلِ الحسنِ نعتقدُ أن صاحبَهُ هو شخصٌ لطيفٌ . الجاذبيةُ والجمالُ الخارجيُّ لهما من الأهميةِ ما يجعلُهما يسهِّلان لنا أمورَ الحياةِ في أغلبِ الأحيانِ . نحصلُ على وظيفةٍ بسهولةٍ أكثرَ. على علاقاتٍ أفضلَ . يمكننا تقديمِ أنفسِنا بشكل أسرعَ. كما أننا نحصلُ على الدعمٍ الاجتماعيِّ والحبِّّ بنفسِ الوقتِ .
الجمالُ نراهُ بعيونِنا نحنُ . عيونُنا هي التي ترسلُ الرسائل َ إلى أذهانِنا تقول : إن ما نراهُ يعجبُنا . لقد درجَ المثلُ عندما نصفُ شخصاً ما بأنه جميلٌ أن يقولَ لنا : " عيونُكم الجميلةُ " بمعنى رؤيتُكم لي . هذا الجمالُ الذي نراهُ بعيونِنا على أهميتِه فإنَّهُ في بعضِ الأحيانِ لا يدومُ طويلاً ، و من كنا نراهُ جميلاً تبهتُ صورتُه أمامَنا . لا بدَّ من التركيزِ على الجمالِ الداخليِّ إذن حتى تكتملَ الصورةُ .
الإعلاناتُ . الفضائياتُ . الصحفُ . تقدِّمُ لنا خرافةَ الجمالِ هذهِ بصورةٍ غير قابلةٍ للوصولِ إليها. فكم من الأشخاصِ يستطيعُ تحقيقَ المواصفاتِ التي تعرضُها فتاةُ أو فتى الإعلانِ أو ما يدعى " الموديل "؟ لاشكَّ بأنَّ العددَ ضئيلٌ جداً . هذا من ناحيةٍ ومن ناحيةٍ أخرى يجري الترويجُ لمراكزَ تجميليةٍ أو مراكزَ تغذيةٍ على أنَّها هي الكفيلةُ بجعلِكَ تشبهُ " موديلها " فقط .
إن هذا التحولَ في المجتمعِ الذي يجعلُ الجميعَ يرفضُ نفسَهُ لأنَّهُ لا يراها في الصورةِ المثاليةِ . الكلُّ يبحثُ عن هاجسِ الكمالِ الخارجي ، وفي لحظةٍ ما تنهارُ أوراقُهُ كلّها عندما لا يستطيعُ أن يكونَ نموذجاً مثلَ عارضي الأزياءِ . لكنَّ الفضائياتِ والإعلاناتِ تكونُ قد حققتْ أهدافَها بحيثُ بدأ الإنسانُ يسعى لكمالِ الشكلِ ، وطالما هذا لن يتحققَ إلا لنسبةٍ ضئيلةٍ ، فإنَّ الفضائياتُ والشركاتُ ستضمنُ استمرارَ مواردِها من خلالِ إنسانٍ مهزومٍ يبحثُ عن تغييرِ كلِّ ما بهِ ولا يستطيعُ ، ولن يستطيعَ إنهاءَ هذا التغيير. بل من خلال مجتمعٍ يرفضُ نفسهُ في النهايةِ .
الجمالُ الداخليُّ هو جمالٌ حقيقيٌ أيضاً . لماذا لا نسعى لهُ مثلما نسعى لكمالِنا الخارجيِّ . الإنسانُ الذي تكونُ روحُهُ جميلةً يبدو لنا جميلاً . لا بدَّ إذن من التركيزِ على داخلِ الإنسانِ مثل التركيزِ على شكلِه الخارجيِّ وبذلكَ تصبحُ عقولُنا جميلةً أيضاً . أليسَ هذا بالأمرِ الهام ؟ إنَّ الرؤيةَ مختلفةٌ من شخصٍ لآخرَ . فعندما يرسمُ طفلُكم لوحةً ما بالألوانِ ويكتبُ تحتَها : أحبُّ ماما وبابا . لاشكَّ أنَّ اللوحةَ ستبدو جميلةً بمنظارِ الأهلِ لأنَّها تضمنتْ إضافةً إلى اللونِ المشاعرَ الحقيقيةَ وهي قيمةٌ جماليةٌ أيضاً . في أحيانٍ كثيرةٍ عندما ننظرُ إلى لوحةِ فنانٍ معروفٍ قد لا نراها جميلةً بينما لو رآها فنانٌ يعرفُ فنَّ الرسمِ لكان رأيُهُ مختلفاً .
سواء بحثْْنا عن الجمالِ الخارجيِّ ، أو الداخليِّ فإننا نقومُ بنوعٍ من العبثِ إن لم نقبلْ أنفسُنا كما هي . الكثيراتُ من الجميلاتِ مثلاً يرونَ أن صورتَهنَّ تبتعدُ عن الكمالِ أمامَ المرآةِ . يحاولن إخفاءَ عيوبِهنَّ الجسديةِ مع أنَّها غيرُ ظاهرةٍ للعيانِ . لذا فإنَّ نفوسَهنَّ تعيشُ حالةً من القلقِ . كذلك الأمرُ بالنسبةِ للرجالِ فهم كالنساءِ بل ربما أكثرَ تعلقاً منهنَّ بالكمالِ الخارجيِّ .
كلُّ شيءٍ نسبيٌّ حتى في الجمالِ والحبِّ . يقولونَ أن الحبَّ أعمى . أي أن من يحبُّ يرى الذي يحبُّه كأجملِ إنسانٍ ، لذا لابدَّ من القبولِ – أعني قبول الذات – وهو أمرٌ ليسَ بالسهلِ أنْ نصلَ إليهِ لأنَّهُ يمرُّ بمراحلَ عديدةٍ تجعلُنا نحاكمُ مشاعرَنا وعواطفَنا دون تهربٍ في سبيلِ الوصولِ إلى حقيقتِنا دونَ أن نحتجَّ على ما لا تحبُّه أنفسنا . قبولُ الذاتِ لا يعني أنَّه عليك أن لا تغيرَّ الأشياءَ التي تستطيعُ تغييرِها والتي تجعلُك تشعرُ بالرضا عن نفسِكَ أكثر. ولا يعني أنَّ الشخصَ تروقُهُ حالهُ تماماً .
. بل أنَّه الواقعُ . علينا الاعترافُ به كحقيقةٍ كي لا تبقى هاجساً في داخلنا . هذا الأمر ُيحتاجُ إلى سلطةٍ وسيطرةٍ على النفسٍ كي يتمُّ القبولُ الحقيقيُّ الذي ينطوي على مبدأِ الرحمةِ بأنفسِنا . أن نكونَ أصدقاءَ معَ ذواتنا . لا بدَّ هنا من البحثِ في داخلنا عن السلوكِ الذي يدفعُنا إلى رفضِ أنفسنا . كلُّ البشرِ لديهم السبب في أذهانِهم لدوافعِهم . لو سألتَ القاتلَ عن موقفِه من الضحيةِ لقالَ لكَ : هو يستحقُ القتلَ . هناك شيءٌ ما في أذهانِ كلّ الناسِ لتبريرِ أعمالِهم أو شعورِهم على النحوِّ الذي يرونه. نحن نبرِّرُ لأنفسِنا حالةََ عدمِ الرضا ، وعدمِ التصالح . علينا أن نتدربَ على السيطرةِ على دوافعِنا التي تجعلُنا غيرَ راضين عن أنفسِنا . كي نصلَ إلى مرحلةِ الرضا .
ما هو الجمالُ ؟ يجبُ أن نعيدَ تعريفَ الجمالِ ، وذلك بأنْ يسألُ كلُّ إنسانٍ نفسَه حولَ الأمورِ التي يرى أنَّ لها قيمةً مثل: الصحةُ . العواطفُ . الحبُّ وغيرُ ذلك من الأمورِ الهامةِ ، ثم يسألُ نفَسه ثانيةً : كم يستغرقُ من الوقتِ لإشباعِ كلِّ قيمةٍ من هذه القيم ؟ . الإنسانُ يحلمُ بالصحةِ . بالموهبةِ . بالمالِ . بالجنسِ وأشياءَ أخرى . كلُّها عناصر أساسية نفكرُّ بها . إعادةِ تعريفِ الجمالِ يمرُّ من خلالِ رحلةٍ روحيةٍ في أعماقِ أنفسِنا نعترفُ خلالَها بمشاعرِنا تجاهَ كلِّ أحلامِنا . سؤالٌ يجبُ أن يطرحَهُ كلُّ شخصٍ على نفِسه : ما هو الجمالُ بالنسبةِ لي ؟ أين أجدُ نفسي من الجمالِ ؟ كلُّ من خاضَ تلك الرحلة الداخلية عرفَ أنَّ الجمالّ يعني أول ما يعني . احترامُك لذاتك. صحتُكَ النفسيةِ . السلامُ الداخليُّ والتقديرُ لجمالِ الآخرين . إننا مهما فعلنا لأنفسِنا لتغييرِ خارجِنا أو تمويههِ – علماً أن الرضا عن الخارجِ سينعكسُ إيجابياً على دواخلِنا – لكنَّ وجوهَنا ستعكسُ حقيقتَنا الداخلية . لأنَّ الجمالَ الداخليُّ هو التفكيرُ الذي يصدرُ عن عقولِنا ولا بد أن تبدو جميلاً في عقلك أولاً لتنعكسَ الصورة ُ على شكلكَ الخارجيِّ . ! !
*****************
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.ألف
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |