جمعتهما الصدفة على لوح الحاسوب, أذهله الحزن الراقد في عينيها.. سألها:
- كم قطعتِ من الرحلة يا سيدتي؟!
- لم أبدأ بعد
- وكيف عشتِ إذن؟
- خمسة عقود من ليل ونهار وألم, في انتظار الذي ضاع مني!!
غرقت في الصمت.. قرأ على وجهها شمس لافحة وجفاف مقيم.. قالت:
- هل جربت الانتظار يا سيدي؟
- منذ عشر سنين, انتظر أنتظر عودة التي تاهت عني بعد عشق دام خمس عقود!!
قرأ في عينيها شيئاً كالرجاء.. رعش صدره برجفة لم تزره منذ عشر سنين.. صهل فيه حصان عفي, فرآها مهرة نضرة راغبة تشمم عرق وركيه.... قطع عليها الطريق فجأة:
- هل نبدأ بعد التيه من جديد؟!
صار خدها قرنفلة, وجبينها قمراً.. قالت
- هل نبدأ,
حدثته عن زوجها الفنان التشكيلي الوسيم, المغرم برسم وجوه النساء, ووضع صورهن في إطارات بديعة يزين يها جدران البيت, وانه رسم كل النساء ما عداها, وكيف تعيش في غابة من نساء يشاطرنه الوقت, وأنه قد صام عن لحمها منذ عشر سنين..
وحدثها عن زوجته التي فقدت ذاكرتها أثر جلطة, نالت منها الدماغ وهشمت مرايا الذاكرة, وأنه منذ عشر سنين يقضي الوقت في البحث عن نصف عمره في تضاريس وجهها المحايد..
تساءلت:
- هل فقد زوجي ذاكرته
- ربما
صرخت مهزومة:
- لم يكن بيننا حياة حتى يفقدها..
وتداركت الصراخ بالنحيب.. سالت:
-هل أحببتها؟
- بل عشقتها
- والآن؟!
- ما زلت اعشق المرأة التي كانتها
- هل فيَّ ما يشبهها؟
- لا يوجد امرأة تشبه غيرها..
- ربما تستعيدها فيَّ, امنحني الفرصة
- ادخل معك التجربة بشرط أن لا أكون هو
وفي الليلة التالية كان هو حصانا عفيا وكانت غزالة بهية.. لاذت بحضنه, قالت:
- خذني..
امتطيا ظهر قزح وصعد بها إلى بيت في الأثير, وتاها في فلوات العمر, وعاشا الوقت شبق ولهفة.. يهبطان مع جديلة الفجر إلى الأرض للنوم ويصعدان مع ضفيرة الشمس إلى بيت الأثير..
وذات ليلة أطلت بلا قرنفلة على خدها.. ولا قمر على جبينها قالت:
- انتابه التوجس والقلق
- وكيف عرفتِ
- اليوم ضبطه يختلس النظر إليَّ.. ورأيت النساء يهبطن من البراويز
ساوره التوجس والقلق:
- هل شم رائحتي في عينيكِ
- ربما.. فهل يرسمني؟
واختفت فجأة.. وقضى الليل مع الصمت ووجه زوجته المحايد!!

××××××××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف