لا أحدَ يموتُ منَ التعبِ
خاص ألف
2010-07-17
كلما نسألُ شخصاً عن حالِه يقولُ: أشعرُ بالضجرِ ، أو بالغضبِ . بالفراغِ . بالمللِ . " ليسَ لديَّ ما أفعلُ " كلماتٌ جديدةٌ في عالم يعمُّه الفراغُ الروحيُّ و الفراغُ بشكلٍ عامٍ . علينا أن نملأََ فراغَنا دائماً كي لا نصبحَ ضحايا للضجرِ والمللِ . قد يكونُ سببُ الفراغِ في الغربِ ليسَ السببُ نفسَه لدينا . المللُ في الغربِ سببُه الأولُ هو تقدمُ التكنولوجيا التي أعطت الإنسانَ وقتاً زائداً إضافةً إلى سببٍ آخرَ وهو النقصُ في تغذيةِ الروحِ وإشباعِها . أما لدينا نحنُ العربُ : فهو فراغٌ مزدوجٌ أهم أسبابِهِ البطالة . البطالةُ موجودةٌ في الغربِ أيضاً لكن بنسبةٍ أقلُ وأسلوبٍ مختلفٍ . البطالةُ التي أعنيها هي الفراغُ القاتلُ الذي يشملُ فراغ الوقتِ فراغاً كاملاً ، و فراغُ الروحِ لأنها متعبةٌ تبحثُ عن لقمةِ العيشِ . مشكلةٌ اجتماعية ٌ كبيرةٌ يتطلّبُ حلُّها أشياءَ تتجاوزُ الفردَ . معَ هذا فإنهُ من الممكنِ البناءَ في حالاتٍ معينةٍ ، والخروج ولو جزئياً من الحالةِ بالنسبةِ لعددٍ من الأفرادِ وليسَ بالنسبةِ للجميعِ .
الضجرُ والمللُ هما سيدا العصرِ ،ولا بدَّ من حلٍ لهذهِ المشكلةِ . دائماً هناكَ حلولٌ للمشاكل . يوجد نوعان منها . الحلُ الأولُ يحتاجُ لعزيمةٍ وتشجيعٍ للنفسِ يوميٍّ والثاني تمَّ اختراعُهُ للتعويضِ عن الفراغِ ببضاعةٍ تشبهُهُ . بضاعةٌ ترفيهيةٌ هدفُها قتلُ الوقتِ وملءُ الفراغِ بالمتعِ . هذا ما زادَ الطينَ بلاً فقد أصبحَ للضجرِ و المللِ ضحاياهُِ الذين يفقدون به قسماً من داخلهم فيبدو كنوعٍ من أنواعِ الموتِ ، وضحايا ملءُ الفراغِ بقتلِ الوقتِ بأشياءَ قد تدمرُ الإنسانَ ويكونُ القتيلُ في هذهِ الحالةِ هو الإنسانُ وليس الوقتُ . الفضائياتُ هي جزءٌ من هذهِ البضاعةِ الترفيهيةِ التي نظنُّ أنها نتسلى بها ونقطِّعُ الوقتَ ، فإذ بها تقتلُنا بدلاً من أن تقتلَ الوقتَ . ألا يشعرُ أحدُكم بعدَ سهرةٍ على برامجَ حواريةٍ فنيةٍ أو غير فنية أنَّ رأسَه يكادُ ينفجرُ ؟ حتماً تشعرون بذلك حتى لو كنتم تتمتعون بكلامِ الضيفِ لأنَّ الإعلانات ستفسدُ متعتَكم ، كما سيفسدُها المحاورُ الذي لا يتركُ مجالاً للضيفِ في الحديثِ ، ويكمُّ فمَهُ قبل أن ينطقَ فتشعرون بالغضبِ ثم بالمللِ لكنكم لا تعرفونَ أن التكرارَ والأسلوبَ وأشياءَ أخرى قد جعلتكم تضجرونَ خلال مشاهدتكم . لو جربَ أحدُنا أن يغلقَ التلفازِ لمدةِ شهرٍ واستعاضَ عنهُ بالموسيقى الهادئةِ التي لا تمنعهُ من ممارسةٍ أي عملٍ أو هوايةٍ وبعد شهرٍ عادَ وفتحَهُ سيجدُ نفسَ البرامج ونفسَ الوجوه . لن يجدَ جديداً. هذا لا يعني أنّه علينا أن لا نتمتعَ ببرامجَ نحبُّها – معَ أنني لم أجدْ على الفضائياتِ العربيةِ أي شيء مثير – لكن ليسَ من الضروريِّ أن نجعلَ التكرارَ هو الذي يملأُ فراغَنا فقط .
كلُّ إنسانٍ يشعرُ أحياناً بالمللِ والضجرِ . إذا كان الأمرُ عابراً فإنه لا يدعو للقلقِ . لكن إن كان الأمرُ مستمراً على الدوامِ فإنَّ خللاً ما هناك علينا أن نعالجَهُ ، والمعالجةُ لا تعني الاسترخاءَ أو الانضمامَ لمجموعةٍ من الأصدقاءِ من أجلِ الثرثرةِ وتقطيعِ الوقتِ . لابدَّ لنا من معالجةِ حالةِ المللِ أو الضجرَ سواءَ كان فراغُنا سببَهُ البطالةِ أم المدنيةِ والتكنولوجيا . العلاجُ يكونُ دائماً بعدمِ قتلِ أنفسِنا بالانغماسِ في أشياءَ ستجعلُنا ضحايا لها أيضاً .
لن نتمكنَ من إعطاءِ حلولٍ لمشكلةِ البطالةِ . هيَ مشكلةٌ محلية وعالميةٌ . يستطيعُ علماءُ الاقتصادِ بالتعاونِ مع علماء الاجتماعِ الخروجَ بحلولٍ لها . سنتحدثُ عن أشياءَ لها علاقة بنا كأشخاصٍ ، ولابدَّ لنا أن نعلمَ جيداً بأن أدمغتِنا مشابهةٌ لعضلاتِ جسمِنا إن لم ندربْها ستتراجعُ وربما تضمرُ لأنَّها لا تعملُ . هذا العقلُ الذي نملكُهُ إن لم نستخدمْه أو قمنا بالاعتداِء عليه عن طريقِ العادات السيئةِ ومنها إدمان بعض الكيماوياتِ أو التدخينِ وكلُّ العادات الإدمانيةِ الأخرى فإنَّ قدراتَه ستتدهورُ .
هناكَ مقولةٌ يرددُها الكبارُ : لا أحدَ يموتُ من التعبِ . هي مقولةٌ صحيحةٌ إلى حدٍ ما، فحتى لو عملَ الإنسانُ في ترويضِ الوحوشِ يوجدُ لديهِ بعضُ الاحتمالاتِ البسيطةِ للموتِ . المللُ والضجرُ احتمالاتُ الموتِ بهما أكثرُ. كما أنّ التجربةَ تؤكدُ أننا نحنُ من نوهمُ عقلنا بالتعبِ . في كثيرٍ من الأحيانِ نعود إلى بيوتِنا مرهقين وفجأةً تأتينا مكالمةٌ يدعونا بها صديقٌ إلى حفلةٍ . نلبي الدعوةَ . نسهرُ حتى الصباحِ ونحنُ بكاملِ حيويتِنا . بل نكونُ فرحين وفاعلين قدرَ الإمكان . هذا دليلٌ واضحٌ أنَّ عقلَنا هو الذي توهمَ بالتعبِ ، وعندما أردنا لذلكَ الدماغ الذي يعملُ . أن لا يظهِرَ أي تعبٍ . لم يتعبْ . التعبُ هو حالةٌ ذهنيةٌ وأهم شيءٍ للقضاءِ عليه هو النومُ السليمُ فقط . نحن نتحدثُ عن التعبِ الذي نشعرُ به عندما نعتقدُ أنّنا استنفذْنا طاقاتَنا في العملِ ، ونستسلمُ بعدها للضجرِ والمللِ . وإذا اعتقدنا أننا نقومُ بعملٍ جيدٍ في طريقتنا هذه - أي الاستسلام للضجرِ والملل - يمكن أن نحصلَ من خلالِهِ على الكثيرِ من الراحةِ فإننا لن نحصلَ إلا على القليلِ أو على الفشلِ ربما .
الصبرُ على الحياةِ حتى إن كانتْ مملةً من أجلِ تحقيقِ النجاحِ . أغلبُنا يعتقدُ أنهُ يصبرُ من أجل ذلكَ . يتملكُنا المللُ والضجرُ حيثُ نختارُ دراسةً مملةً ثم نحصلُ على عملٍ لا نحبُّه . نضجر ُونصبرُ . بعدها نتزوجُ دون فرحٍ ثم ننجبُ ونتقاعدُ ونموتُ . ماذا حققنا من أهدافِنا ؟ الحياةُ أقصرُ مما نتصورُها . لماذا نقضيها
بالضجرِ والمللِ ولا نستنفذُها في أمورٍ قد تجعلُنا سعداءَ ؟
أسمعُ أحدُكم يقولُ : إنّني مستعدٌ لأي عملٍ . أبحثُ منذ سنواتٍ ولم أجدْ . لو وجدتُه لكنتُ سأفكِّرُ فيما تقولين . نعم أفهمُ ذلك إنها مشكلةٌ اجتماعيةٌ لا يمكنُ أن نضعَ خطواتٍ لحلِّها من قبلنا نحنُ كأفرادٍ . لابدَّ من الحلولِ العصاميّةِ الفرديةِ إذن . أرى أن من يملكَ قطعةَ أرضٍ على سبيل المثال مهما كانت مساحتُها أن يعملَ بها . أن يجدَ حلاً فردياً جزئياً يحاولُ من خلالِه أن لا يدعَ عقلَهُ يضمرُ . لا يمكنُ أن ننتظرَ حلولاً سحريةً . نعملُ أي عملٍ على الأقل ريثما نعرفُ أين نقفُ. لابدَّ من التغلبِ على الفراغِ . الخبزُ هو من أهم الأشياءِ للاستمرارِ في الحياةِ، لكنَّ الفراغَ يجرُّ إلى الاكتئابِ وربما الانتحار .
المللُ يسيطرُ أحياناً علينا ، وفي الحقيقةِ يكون وراءَ سيطرتِه إخفاءَ مشكلةٍ حياتيةِ لا يريدُ الإنسانُ أن يُظهرَها حتى لنفسِه . يجدُ نفسَه دائمَ الإرباكِ . لابد من مواجهةِ النفسِ والاعترافِ بما تريدُه . تحديدُ اتجاهاتِنا وتوجهاتِنا في الحياةِ لأن عدمَ تحديدها يجعلُنا نعيشُ حالةَ الضياعِ . بعضُ الناسِ يضعون اللومَ فيما يشعرون به على الظروفِ ، لكنَّ علماءُ النفسِ يقولون : "أن المللَ هو انفعالٌ ذاتيٌ متجذرٌ في جوانبِ الوعيِّ ومستوياتِه تختلفُ بين الناسِ كما تختلفُ أنواعُهُ أيضاً " . لا بدَّ أن تشعرَ بالمللِ القاتلِ عندما تقفُ في الطابورِ من أجلِ ربطةِ خبزٍ . لابد أيضاً أن يشعرَ الإنسانُ بالمللِ عندما تعاكسُه الحياةُ ويستاءُ منها ، لكنَّ المللَ بشكلٍ عامٍ يرتبطُ بأسباب وعوامل نفسيةٍ وسماتٍ شخصيةٍ .
كلُ شخصٍ يشعرُ بالمللِ بين الحينِ والآخر . الطريقةُ الأكثر شيوعاً هي تعبير " ليسَ لدي ما أفعلُ " البعضُ يعتقدُ أنَّ جرعاتٍ من المللِ قد تكونُ مفيدةً لأنَّ العقلَ يتحولُ إلى الداخلِ ليقومَ بعملِهِ الإبداعيّ . وربما يجبرُنا على الهروبِ إلى النومِ الذي قد نكونُ في حاجةٍ لهُ أحياناً ! !
نادية خلوف
×××××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |