Alef Logo
يوميات
              

في دارةِ " أمّ العبد " 1

ناديا خلوف

خاص ألف

2011-05-02

مجتمع
أم العبد موجودةٌ على الدوام بيننا . كلّكُم تعرفونها .أو ستعرفونها . كنتُ قريبةً منها على مدى عشرين عاماً . اختصرتُ من اسمها حرفاً وأضفتُ له حرفاً كي أستطيعَ أن أدخِلَ بعض الأشياءِ المقتبسةِ من أمّ عبدٍ أخرى .حكايتُها تصلح لتلفزيونِ الواقع . أرويها دون عرضٍ على الشاشة .
أمامَ بابِ منزلها كراسٍ بلاستيكيةِ يجلسُ عليها الزوار . البابُ مفتوحٌ على مصراعيه . لكنّ الجميعَ يعرفُ أنّ الدخولَ ممنوعٌ . قبلَ أن أكملَ حكايتي . لابدّ أن أقولَ لكم : أحياناً لا يمكنُ التفاهمَ بين امرأةٍ وأخرى إلا بالصراخِ .
في إحدى المراتِ أتى ابني إلى المنزل - وكان طفلاً - وعلى رقبتِه آثارُ خنقٍ . علّمتُ أنّ أمَّ العبدِ حرضتْ أولادَها عليه ، ثم فكتْ وثاقه من بين أيديهم .بعدَ أن آذتهُ . حاولتْ أن توصلَ رسالة أنّه هو من اعتدى على ابنها . انطلقتُ كالصاروخِ بثيابِ النومِ إلى الخارجِ ، وجدتُ جارتي على البابِ .
- هذه " ! ال . . . ! " لا تخجلُ . يبدو أنّني سأضعُ لها حداً .
- ليسَ الحقُّ عليها . بل على من باعَها بيتَه . طلبنا منه أن يتريثَ كي نجدَ عائلةً محترمةً تشتريه . يبدو أنّها صنعتْ له سحراً !
كانت أم ُّ العبد تنظرُ إلى منزلنا من ثقبٍ صغيرٍ صنعتْه خصيصاً لمراقبةِ تحركاتنا ، وأهمُّها ٍ تحركاتنا المعيشيةِ . قد تجلبُ وعاءً أشبهُ بقدرٍ . تقولُ : أعيروني قليلاً من زيتِ الزيتون من أجل التبولة .
كنتُ أعرفُ أنّها تسمعُ كلامي عندما شتمتُها أمام الجيران .وبينما كنتُ أصرخ أتى زوجي . أرادَ أن ُيدخلَني كي لا يراني أحدٌ على ما أنا عليه .حاولَ أن يحملني . لكن هيهات ! لم أكنْ قادرةً على التركيزِِ إلا بتلقينها الدرس .
- قالّ زوجي : لا يناسبُنا هذا.
أفلتُ من بين يديه . ودفعتُه إلى الداخل . نزلتُ على الدرجات الثلاث إلى أمام المنزلِ . نظرتُ إليه وهو يطبقُ الباب خلفَهُ خوفاً من الفضيحة :
سيناسبني أكثر من هذا ، سترى ماذا سأفعلُ لهذه "ال . . . " !
فتحتْ البابَ وبيدها ابنها ، وقد وضعت غطاء رأسها على فمها . هذا يعني أنّها صائمةٌ .- كلما تفتعلُ مشكلةً مع أحدٍ من الحيّ تدّعي أنّها صائمة - قبل أن تصلَ إلى بابنا بلحظة خبطتُ البابَ في وجهها .
قالتْ لصديقتي فيما بعد : أنّها عادتْ وهي تبكي . العقوبةُ ليست كافية فآثارُ الحنقِ ظاهرةٌ يمكنُ أن أسجنها . قلتُ يمكن وفق القانون . لكن لا أدري إن كنتُ أستطيعُ التنفيذ ! ! !
اعتذرَ زوجي لي عن الكدمات التي سبّبها في يديّ بسبب محاولته إرغامي أن أكونَ متمدنة ، وبينما كان يشاهدُ التلفاز . قالَ : وجدتُها . نمرةٌ في اليمن تفترسُ شخصاً حاولَ أن يأخذَ أولادها . هل ذهبتِ قبلَ قليلٍ إلى اليمن ؟
سميتُ بيتَ أم العبد " دارة" تيمناً بالسياسيين اللبنانين . فكلّهم لهم دارات يستقبلونَ الناسَ بها ، ويتحدّثون منها . ربما أكثرهم يشبهُ أمّ العبد أيضاً . كان بيتها ترابياً مؤلفاً من غرفتين ، والآن أصبح مؤلفاً من عدة بيوت استولت عليهم عن طريقِ اختلاق قصصٍ لأصحاب البيوت الذين كانوا عازمين على الهجرةِ ، وورطتهم بأمورٍ مثلَ تهريبِ السلاح . كانوا بريئين . دفعوا لها بيوتهم مقابلَ أن يعجّلوا الرحيل . كل جيرانها غادروا وأصبحت دارتها تطلّ على ثلاثةِ اتجاهاتِ في زاويةٍ على الشارعِ العام .
أحتاجُها أحياناً في المناسبات . هي دبلوماسيةٌ متواضعة ، لا تمانعُ أن تلفَّ لي ورقَ العنب، أو تنظّفَ أمام بابِ الدار . يجتمعُ أبناؤها لتنظيفِ المكان، وينهونَ العمل بخمسِ دقائقَ ، لكنَّ الثمنَ محسوبٌ على خدمةِ الخمسةِ نجومٍ دائماً .
عندما التقيتُ بها أوّلَ مرةٍ حدّثتني عن زوجها . قالتْ : أنها لا تحبُّه أرغمَها أهلُها على الزواج منه . فهو يتفتفُ ويأتي الرذاذ على وجهِها .
رأيتُه مطيعاً لها . كلما أرادَ أن ينهي قضيةً ما يلجأُ إليها بكلّ مودة . ترفع سمّاعة الهاتف . تطلب" أبو ثائر " أو "أبو يعرب" أو من " . . . . . " أو زوج جارتها الذي يأتي متخفياً عن زوجته . وتحلُّ الموضوع .
في قضيةِ طلاقٍ رفعتْها زوجةً على زوجها. كنتُ وكيلةَ الزوج . المرأة لها طفلان . أحبّت أحدَهم وكان في مكانةٍ مرموقةٍ . وعدَها بوظيفةٍ فأحبّته .
بما أنّني لا أحترمُ المرأةُ التي ترتضي أن تكونَ زوجة ثانية . أردتُ أن أتعاطفَ مع موكلي، وأجعلُ الطّلاق يتمُّ دون خسائرَ مادية . الطلاقُ بيد الرجل دائماً ، لكنّ المرأةَ تستطيعُ أن تقيم دعوى تطليقٍ ، وليس طلاقاً . يأخذُ فيما بعد حكم الطلاق .
أقامتِ المرأةِ دعوى تطليقٍ للضررِ والشقاقِ . تمسكَ الرجلُ بزوجته من باب تطويلِ أمد الدعوى، وبناءً على نصيحتي . لم تحتملْ السيدةُ نار الهجر . الحبّ يفعلُ المعجزات . حدثتِ المعجزة . أتى موكلي يرغبُ أن يتمَّ الطلاقُ خُلعاً في اليوم التالي . رأيتُ كدماتٍ على وجهه . قال أنّ زوجتَه استعانت بأمِّ العبد . وأنّ الكدماتِ بسببِ اعتداءٍ تم عليهِ في مكتبِ أبي ثائر كي يخلعها .
- بإمكانكَ أن لا تتنازلَ .
- سأتنازلُ . وسأحرمُها من رؤية أولادِها !
بعد فترة أتى إليّ . قال: لقد حصلتْ زوجتي على حضانةِ الأولاد .
- لاشكَّ أنّكَ تمزحُ . لقد سقطتْ حضانتها بالزواج . كما أنّها تعتبر زانية لأنّها تزوجت قبلَ انتهاءِ العدة .
- إذن كوني موكّلتي من أجلِ استردادِ الحضانة .
- لن أعملَ لك مجاناً في هذه المرةِ . ستدفعُ لي . إن عدتَ إليّ مرةً أخرى وقلتَ سأتنازل. ستدفعُ لي المبلغ المتبقي ، وإن تمسكتَ بحقّك . قد أعيدُ لك بعضاً من مقدّم الأتعابِ . بإمكانكَ أن تتحمّلَ هذه المرةِ من أجل أولادك .
- أعطني مهلة !
- لم يعدْ . تزوج بعد أشهر قليلة . يبدو أنّه حسبَها مادياً ، فرأى أنه لا بأس أن يبقى الأولادُ في رعايتِها ! !

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow