Alef Logo
دراسات
              

نصر حامد أبو زيد ومشروع الخطاب الإسلامي العلماني (قراءة في مؤلفاته) 4/5

بشير عاني

2010-08-07

خاص ألف
يعود نصر حامد أبو زيد مجدداً إلى واجهة الأحداث الفكرية التي تسيدها منذ سنوات لفترة طويلة إثر السجالات التي دارت حول مشروعه الفكري والصراع الشرس الذي كان يقوده ضد المؤسسة الدينية التقليدية والتي قادت إلى تكفيره..
يعود أبو زيد مجدداً هذه المرة ولكن عبر صرير عربة الموت التي تقض سكينة الرجل الذي فضّل في السنوات الأخيرة العمل بهدوء العالم غير عابئ بتخرصات الآخرين من حوله..
مات أبو زيد بعد عطاء فكري قل نظيره، وهذا لوحده، حسب رأينا، حاث لنا لاستعادة أفكاره وإعادة تقليبها وقراءتها وتفحصها نقدياً ومعرفياً، زاعمين، وأرجو أن لا نكون مبالغين، أن الرجل قد ساهم في وضع واحد من أكثر المناهج الفكرية كفاءة وموضوعية لقراءة التراث الإسلامي وبهذا فقد استحق عن جدارة تلك الضربات العنيفة التي كالها له كهنوت هذا التراث وسدنته..
مات نصر أبو زيد، الذي نراه اليوم، مع القليل من المفكرين الأحياء، واحداً من أبرز التلاميذ النجباء لعصر النهضة.. ولعل هذه القراءات السريعة في بعض أعماله ترتقي إلى مصاف رد الجميل لمفكر شجاع حاول أن يقي الأجيال العربية من الامتثالية والتزييف في الوعي والثقافة.


/مفهوم النص - دراسة في علوم القرآن/


في تمهيد الكتاب يرى أبو زيد بأن القرآن نص لغوي يمثل في تاريخ الثقافة العربية نصاً محورياً وبذلك فمن الطبيعي أن تتعدد تفسيراته وتأويلاته، والتأويل ليس إلا الوجه الآخر للنص الذي يمثل آلية هامة من آليات الثقافة والحضارة في إنتاج المعرفة.
كما يرى المؤلف بأن السلفيين قاموا بدور هام حين واجهوا الزحف الصليبي فحافظوا على الذاكرة الحضارية للأمة وذلك بالحفاظ على ثقافتها وفكرها رغم ما فرضته هذه الاستجابة الحضارية من انسحاب للعقل العربي إلى الداخل والاعتصام داخل حدود علوم النص، ورغم أهمية العملية من الوجهة الثقافية إل أنها كانت تتم من منطق تصور ديني للنص صاغته اتجاهات الفكر الرجعي في تيار الثقافة العربية الإسلامية، وهو التصور الذي قام بعزل (النص) عن سياق ظروفه الموضوعية والتاريخية بحيث تباعد به عن طبيعته الأصلية بوصفه نصاً لغوياً وحوله إلى شيء له قداسته يوصفه شيئاً، وبهذا تحول القرآن من(نص) إلى (مصحف) ومن دلالة إلى شيء أو أداة للزينة وخصوصاً في فترة سيطرة العناصر غير العربية على حركة الواقع العربي الإسلامي.
والتحدي الذي يواجهنا اليوم، حسب الباحث، يفترض سلوك طريق آخر، يختلف عليه الباحثون طبقاً لاختلاف مواقفهم ووعيهم وسياستهم:
- فالسلفيون المعاصرون يرون في العودة الكاملة إلى الإسلام وتطبيق أحكامه وتحكيمه في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية-الطريق الأمثل، ويرد أبو زيد على أصحاب هذا الاتجاه بأنهم يتنكرون،في حقيقتهم وجوهرهم، لمقاصد الوحي وأهداف الشريعة حين يفصلون بين النص وبين الواقع وذلك بالمطالبة بتطبيق نص مطلق على واقع مطلق.
- أما تيار التجديد، الذي يفكر في إعادة صياغة التراث للإبقاء على ما هو ملائم منه لعصرنا، فيرى أبو زيد بعض مخاطره خصوصاً إذا لم يستند إلى فهم علمي للتراث الذي هو ليس واحداً، فالتراث كما يراه- متنوع، متغير طبقاً لطبيعة القوى المنتجة له، إنه اتجاهات وتيارات عبرت عن مواقف وقوى اجتماعية وعن ابدلوجيات ورؤى مختلفة.
ويرى الباحث أن مطلب التجديد على أهميته ووجاهته إذا لم يستند إلى فهم (علمي) للأحوال الموضوعية التي قام التراث على أساسها كفيل بأن يؤدي إلى تكريس أشد عناصر التراث تخلفاً وبذلك بحكم سيطرة أشد اتجاهات التراث رجعية وتخلفاً عليه لفترة طويلة، فمن جُبّة الإمام محمد عبدة، أحد دعاة التجديد، برز رشيد رضا، كما أن طه حسين والعقاد قد بدأا حياتهما مجددين على مستوى الفكر واللغة والآداب وانتهى كل منهما محافظاً رجعياً يقف في وجه تيارات التجديد التي انبثقت من أفكارهما الأولى، وعليه فإن التجديد على أساس إيديولوجي دون الاستناد إلى وعي علمي بالتراث لايقل في خطورته عن التقليد.
أما ما يقصده بالوعي العلمي فيقول بأنه الجرأة في طرح الأسئلة والبحث عن إجابات دقيقة وتجنب الإجابات الجاهزة التي يمتلئ بها تراثنا الطويل، وكذلك تجنب الحقائق المطلقة في هذا التراث اعتماداً على الحقائق المسنودة إلى النسبية الثقافية وتعدد الرؤى.
- وعن (مفهوم النص)، كتابه الإشكالي هذا، فيرى بأنه يسعى لتحقيق هدفين:
الأول: إعادة ربط الدراسات القرآنية بمجال الدراسات الأدبية والنقدية لإعادة دراستها من منظور وعينا المعاصر لأن التراث مجموعة من النصوص تتكشف دلالاتها آناً بعد آن مع كل قراءة جديدة.
الثاني: محاولة تجديد مفهوم (موضوعي) للإسلام، مفهوم يتجاوز الطروح الإيديولوجية المختلفة في الواقع. ويرى أبو زيد إن تساءلنا ما هو الإسلام يكتسب مشروعيته من تلك الفوضى الفكرية التي تسيطر على المفاهيم الدينية في ثقافتنا نتيجة لاختلاف الرؤى والتوجهات في الواقع الثقافي المعاصر ونتيجة لتعدد الاجتهادات والتأويلات في التراث، وإذا كانت مثل هذه الاختلافات قد أدت في الماضي إلى نوع من(اللا أدريه) انتهت إلى تحريم التفكير ذاته وإلى إغلاق باب الاجتهاد فإن غايتنا من طرح السؤال الوصول إلى فهم (موضوعي) لماهية الإسلام.
لقد أدى هذا التعارض المفهومي في الماضي إلى دفع قاضي البصرة (عبدالله بن الحسين) إلى التسوية بين كل هذه الآراء وبين كل هذه الاجتهادات مهما تضاربت وتناقضت، ملخصاً كل هذا بقوله: (كل ما جاء به القرآن على حق ويدل على الاختلاف، فالقول بالقدر صحيح وله أصل في الكتاب، والقول بالإجبار صحيح وله أصل في الكتاب ومن قال بهذا فهو مصيب ومن قال بهذا فهو مصيب لأن الآية الواحدة ربما على وجهين مختلفين واحتملت معنيين متضادين..)).
- وعن منهج الكتاب (مفهوم النص) فإنه يلجأ إلى ما يسمى بالديالكتيك الصاعد،.إذ يبدأ من الحسي والعياني صعوداً إلى المطلق والمثالي، ويبدأ من الحقائق والبديهيات ليصل إلى المجهول ويكشف عما هو خفي، وبهذا ينفصل عن المنهج المعاكس الذي يتبناه الخطاب الديني المعاصر والمسمى بالديالكتيك الهابط الذي يبدأ- عند مناقشته النصوص الدينية- من قائل النص (الله عز وجل) هابطاً إلى المستقبل الأول للنص (النبي)، ثم يلي ذلك الحديث عن الواقع تحت عناوين أسباب النزول والمكي والمدني والناسخ والمنسوخ....الخ.
وقد اختار المؤلف منهج التحليل اللغوي في فهم النص والوصول إلى مفهوم عنه لأن القرآن يصف نفسه بأنه رسالة، والرسالة تمثل علاقة اتصال بين مرسل ومستقبل من خلال شفرة أو نظام لغوي، ولما كان (المُرسلُ)، في حالة القرآن، غير قابل للدرس العلمي فمن الطبيعي أن يكون المدخل العلمي لدرس النص القرآني هو مدخل الواقع والثقافة، مدخل الواقع الذي ينتظم حركة البشر المخاطبين بالنص والمستقبل الأول له، ومدخل الثقافة التي تتجسد في اللغة.
ويرى المؤلف في- منهج التحليل النصوص- أن مصداقية النص تنبع من دوره في الثقافة فما ترفضه الثقافة وتنفيه لا يقع في دائرة النصوص (رغم أن اتجاه الثقافة في اختيار النصوص قد يختلف من مرحلة تاريخية إلى مرحلة تاريخية أخرى فتنفي ما سبق أن تقبلته أو تتقبل ما سبق لها أن نفته).
وإذا طبقنا هذا المعيار على القرآن بصفة خاصة فنحن إزاء نص لم يكد يكتمل حتى حتى أصبح جزءاً أصيلاً فاعلاً في الثقافة التي ينتمي إليها ليصبح بعد سنوات قليلة النص المهيمن والمسيطر على الثقافة.
ويخلص أبو زيد إلى أن لا تعارض بين تطبيق المنهج اللغوي ومنهج تحليل النصوص على القرآن وبين الإيمان بمصدره الإلهي.
- هذا وينقسم كتاب أبو زيد /مفهوم النص/ إلى أبواب نستعرضها بالعجالة التي يتطلبها المكان:
الباب الأول وهو بعنوان (النص قي الثقافة والتشكل) وينقسم إلى خمسة فصول هي على التوالي: (مفهوم الوحي-الملتقى الأول للنص- المكي والمدني- أسباب النزول- الناسخ والمنسوخ)، وفي هذا الباب عموماً يرى المؤلف علاقة وطيدة بين مفهوم الوحي في القرآن ومفهوم الوحي في ثقافة ما قبل الإسلام حيث يستنبط المؤلف أن الوحي ليس ظاهرة مفارقة للواقع التاريخي والاجتماعي الذي تنزل فيه القرآن، وهو إذ يبحث في هذه الحقائق يصرُّ على التأكيد بأن التحليل التاريخي الاجتماعي لظاهرة الوحي لا تتعارض مع المصدر(الإلهي) للوحي كما أن فهم القرآن بوصفه بناء لغوياً ومنتجاً ثقافياً لا يعني إنكار جانبه الإلهي إطلاقا.
في الباب الثاني يدرس المؤلف (آليات النص) من حيث علاقته بالنصوص الأخرى في الثقافة من جهة، ومن حيث آلياته في إنتاج الدلالة من جهة أخرى، ويندرج تحت هذا الباب خمسة فصول هي على التوالي: (الإعجاز-المناسبة بين الآيات والسور- الغموض و الوضوح- العام والخاص- التفسير والتأويل)، وهذه الفصول، أو هذه العلوم هي علوم كاشفة عن تأثير النص القرآني في تشكيل ثقافة مابعد الإسلام حيث تحول النص (المُنتَج)، مع ظاهرة الوحي وفي سياق التاريخ الاجتماعي وحركة الواقع، إلى نص (مُنتِج) تأثرت به الثقافة العربية بما فيها الفلسفة والشروح على الفلسفة اليونانية، وصار النص القرآني المعيار في تاريخ الثقافة الإسلامية العربية.
الباب الثالث:(تحويل مفهوم النص ووظيفته)، وفيه يدرس علوم القشر والصدف وعلوم اللباب العليا وعلوم اللباب السفلى ومكانة الفقهاء والمتكلمين والتأويل من القشر إلى اللب والتأويل من المجاز إلى الحقيقة والظاهر والباطن وتفاوت مستويات النص ومن كل هذا يناقش المؤلف التحول الذي أصاب مفهوم النص (مفهوم النص وليس النص ذاته) ووظيفته في الثقافة مع تطور الفكر في تاريخ المجتمع العربي وخصوصاً على يدي الإمام الغزالي كاشفاً عن أطروحات الغزالي وأبعادها الاجتماعية والسياسية ودلالاتها الإيديولوجية، وهي الأطروحات التي صارت مهيمنة في مجال الفكر الديني ويعتمد عليها الخطاب الديني المعاصر في مجمله.

بشير عاني
[email protected]
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ما هي حظوظ الأصوليات الدينية في سورية..؟

12-آذار-2016

"خضر" والذين معه

21-تموز-2012

دم راشد بما يكفي

05-تموز-2012

آخرُ الأمر..

05-حزيران-2012

وجوه عديدة لـ (صحّاف) واحد

24-آب-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow