Alef Logo
يوميات
              

زجاجُ شبّاكٍ وآلةُ تحميص

عامر أبو حامد

خاص ألف

2010-08-25



إنَّ أكثرَ ما يُقلق أمّي بالنسبةِ لمستقبلي هو لامبالاتي بالأشياءِ الماديةِ من حولي، أو بأثاثِ المنزلِ بشكلٍ خاص. فهي لحدِّ الآن تقصُ على جاراتِها وبانزعاجٍ شديدٍ : "تخيلوا لم يرفع عينه عن الكتابِ عندما كَسَرَ أحدُ الصّبيةِ زجاجَ الشباكِ ! حتى أنَّ الحجرَ هبطَ بين قدميهِ بعد أن اخترقَ الزجاجَ ولم يكترث". وتذكرني دائماً كيف أكملتُ حديثي ذات يومٍ عن الحياةِ والموتِ،بينما يحاولُ أخي إطفاءَ حريقٍ شبَّ بآلةِ التحميصِ.
إنَّ أكثرَ ما يقلقني بالنسبةِ لمستقبلي هو موتي في يومٍ ما. أعلم جيداً أنَّ الكثيرَ سيبكونني، وأنَّ أمي ذاتها ستكسّر جميعَ أثاثِ المنزلِ، وقد تصلُ بالتكسيرِ إلى نفسِها. سيقام مأتم كبير على شرفي أنا الميتُ ويأتي الأصدقاءُ ليقوموا بواجبي حتى وأنا ميتٌ، كما أعلم أن حياةَ أفرادِ عائلتي ستتغيرُ أيضاً هذا إن كانوا على قيدِ الحياةِ وقتها. لكن ما أجهله وما يقلقني حقّاً هو أنا أين سأذهب؟
قرأتُ مرةً في مجلةٍ علميةٍ (لا أذكر اسمها) أن أشخاصاً عاشوا بضعَ ثوانٍ بعد الموتِ، إثرَ حوادث طبية نادرة. معظهم يروي أنه وجدَ نفسَه يسيرُ في نفقٍ مظلمٍ طويلٍ يضيءُ آخره بفتحةٍ أو مخرجٍ بعيد جداً. الموضوعُ مخيفٌ حتى لمجرد الحديثِ عنه فأنا الآن بدأتُ أرتجفُ قليلاً وقد أفاقني هذا التفكيرُ من نومي لأكتبَ هذا النص.
سمعتُ أيضاً في أحدِ المراتِ روايةً تقول أنَّ من يموت يمتثلُ في جسدٍ جديدٍ مولودٍ في نفسِ لحظةِ الموتِ، بعد أن تمسحَ ذاكرته بالكامل. ويختلفُ هذا التجسّد من شخصٍ لآخر حسب أعماله في حياتهِ الأولى فقد يتحولُ من رجلٍ إلى أمرأةٍ أو بالعكسِ. وقال لي أحدهم أنَّ ذا العملِ السّيءِ يمتثل في جسدِ حيوانٍ بعد الموتِ. هذه الفكرةُ لوحدها أخذت من وقتي ثلاث ليالٍ من الرعبِ المتواصلِ حتى أقنعتُ نفسي بأنَّ الحياةَ في الغابةِ أفضلُ من الحياةِ مع البشرِ.
ربما هذا لن يكون أفضلَ مما تلقيته من المدرسةِ في حصصِ الديانة، بأن قبري سيكون أحدَ أجنحةِ الجنةِ الفاخرةِ أو أحدَ مقاسمِ النارِ الضيقةِ وذلك أيضاً يتبعُ لأعمالي في الحياةِ،وأنتظرُ هناك حتى تقوم الساعةُ فأصعدُ إلى جنةِ خلودٍ أو نار جحيم في السماءِ. وقد يحق لي رؤية الله إذا كنت صالحاً بشكل كافٍ قبل أن أموتَ. جميلٌ أن يرى المرءُ خالقه ومخيفٌ أن يحترقَ ويتألم لوقتٍ غير منتهٍ. وأنا- وبكلِّ صراحةٍ- لا أعلم إن كان في رصيدي حسناتٌ كافيةٌ لأدخل الجنة. فهل سأُحْرَق في النارِ؟ لا...لا أريدُ أن أموت سأبقى في المنزل.
ما أعجبني في روايةِ هاري بوتر أنَّ عالمَ الأمواتِ والأحياءِ هو واحدٌ فعندما يموت أحدهم يتحول إلى شبحٍ شفافٍ يطيرُ فوق رؤوسِ الأحياءِ، ويمكنه التحدث إليهم أيضاً، ولكنه لن يشعر بشيءٍ بعدها فهو مجردُ شبح. وتختلفُ منازلُ الأشباحِ فهناك الحكيمُ الذي يقدم النصائحَ،
والبطلُ صاحبُ الميتة المشرفة،والجبانُ الذي يتوارى بسببِ ميتته المخزية....
يكاد هذا الموضوع يودي بي، فصرتُ أقرأ عن التواصلِ مع الأموات ليرووا لي ما حدث لهم بعد الموت، وأصبحت أفكرُ جدياً أنَّ إنهاءَ هذه الحياة أمرٌ يستحقُ المغامرة ،فالحياةُ أو الموتُ التالي هو شيءٌ جديدٌ، وقد يكون أفضلَ .
الآن أنا أؤمنُ بأن عالماً جديداً سيكون بعد موتي، وربما لا يكون اسمهُ عالماً، وسأدخله كشاعرٍ من العصرِ الجاهلي يدخل مقهىً باريسياً اليوم، ويقف مشدوهاً بأشياء غريبة عن ذاكرتهِ البصريةِ،سيضحكُ كثيراً على قبيلتهِ في الصحراء، عندما يَشْرَح له أحدهم كيف يستطيع أن يرى شخصاً آخرَ في بلدٍ آخرَ على شاشةٍ صغيرةٍ.
وسأضحكُ كثيراً على أصدقائي وأقربائي في الحياةِ، وأتمنى لو أعود لأقول لهم موتوا جميعاً الآن ولا تكملوا حياتكم،أو فقط لأقول لأمي أن لا شيءَ حيثُ أنا يسمّى زجاجَ شبّاكٍ وآلةَ تحميص ؟!.

20 أيار 2010


××××××××××××××

نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow