ثلاثُ ورداتٍ /
خاص ألف
2010-09-05
الوردُ الجوري هو الوردُ المفضلُ لديَّ . زرعتُهُ في حديقةِ منزلي - عندما كانَ لي حديقةٌ - . كنتُ دائماً أجددُ زرعَه . أكثرُ الألوانِ التي أحببتُها الأبيضَ . لما لهُ من رائحةٍ عطرةٍ . حديثي عن الوردِ قد يكونُ لهُ علاقةٌ بصبيةٍ أراها في كلِّ يومٍ ، وفي يدِها ثلاثُ ورداتٍ . منذُ أكثر من شهرٍ، ومعَ ازديادِ موجةِ الحرِّ أصلُ إلى مكتبي في الشارقة- أعني مكتبَ المحاماةِ الذي أعملُ بهِ - أسارعُ في الدخولِ إليهِ كي لا أتعرقَ كثيراً ، علماً بأنّهُ يقعُ على شارعِ كورنيشِ بحيرةِ خالد . أمامهُ حديقةُ النخيلِ، وكلّما وصلتُ إلى هذا المكانِ بالضبطِ رأيتُ صبيةً هنديةً تبتسمُ وفي يدِها الورداتُ الثلاثُ. في البدءِ اعتقدتُ أنّها تبتسمُ لي، لكنّني عندما تريثتُ قليلاً . رأيتُ شاباً خلفي يأتي في نفسِ الموعدِ . يبدو أنه غربيٌّ . قررتُ أن أعرفَ السرَّ .
الحقيقةُ أنّي لم أدقّق في ملامحِ الفتاةِ . فقط كنتُ أنظرُ إلى يدِها وابتسامتِها . وشعرها الأسود الكثيفِ . أما هو فقد كانَ يلمعُ تحتَ الشمسِ ، فما عرفتُ ملامحُهُ أيضاً . تتالتِ الأيامُ . وبينما هي تبتسمُ في مرةٍ . قلتُ لها : في كلِّ مرةٍ تبتسمين أعتقدُ أنكِ تبتسمينَ لي . ابتسمتْ ثمَّ قالت : يمكنُكِ أن تعتبري الأمرَ كذلكَ . لكنّها كانتْ تمدُّ برأسِها من قربِ كتفي ، وكأنّها تقولُ لي : ما أثقلكِ ! صممتُ على الوقوف . قلتُ: لن أترككِ تمرينَ إلا إذا قلتِ لي من أينَ أتيتِ بهذهِ الورداتِ، وما قصتُكِ في كلِّ يومٍ.
- ابتسمتْ وقالتْ : سأعطيهِ الوردات، فقد وصلَ. هو مشغولٌ . سيذهبُ بسرعةٍ ثمَّ أقولُ لكِ ما ترغبينَ ، فعملي لا يبدأُ إلا بعدَ نصف ساعةٍ من الآنَ .
أعطتهُ وردتيِن، واحتفظتْ بوردةٍ لها . سلّمَ بسرعةٍ ومضى بجديةٍ ، وكأنَّ مهمتَه عسكريةٍ عليهِ أن يؤديَها وينصرفَ . وبعدَ أن استدارَ . قالتْ : هذا الشاب هو مَن سأتزوجُهُ . هو كنديٌ . أسرقُ الوردَ من فيلا قريبة منا وأجلبهُ لهُ . يأتي ليأخذَهُ بعدها يذهبُ إلى دبي . يخشى أن يتأخرَ عن عملِه . ألا ترينهُ يستعجلُ ؟ صافحتُها . تمنيتُ لها السعادةِ قلتُ : لابدَ أن أدعوكما على فنجانِ قهوةِ في منتجعِ" ماربيلا" والغربيون يسمونهُ " ما بيا " هذا لفظهُ بالإسبانيةِ وهو مقابل مكتبنا . حددتُ لهما موعداً خلالَ يومِ عطلةٍ . جلسنا إلى طاولةٍ تطلُّ على الشارعِ . تعارفنا جيداً . سألتُها كيف يجتمع هنديٌّ وكنديٌ ؟ أليسَ هناكَ اختلافٌ في العقيدة؟
- أجابَ الشابُ : سأتحولُ أنا إلى البوذيةِ . بالأصلِ أنا معجبٌ بهذهِ العقيدةِ ، وأرى أنها صالحةٌ لجميعِ الناسِ كي تخلصَهم من أمراضِ العصرِ. ألا ترينَ أنَّ صديقتي باسمةٌ دائماً ؟
سألتُهُ : وأهلكَ . ألا يعترضونَ على ذلكَ ؟
سألَ ماذا تعني كلمةُ الأهلِ ؟ قلتُ: والداكَ . أقاربكَ . عشيرتُكَ .
ضحكَ مقهقهاً ثم اعتذرَ وقالَ: الأمرُ يتعلقُ بي ما دخلهم هم ؟
فهمتُ الموضوعَ الآنَ . من حقِّ الغربيّ أن يغيّرَ عقيدتَهُ . ومن حقِّهِ أن لا يشركَ أهلهُ بكلِّ أمورِهِ ، ومن حقِّ الهنديةِ أيضاً أن تتزوجَ من تحبَّ معَ اختلافٍ بينَها وبينَ الغربيّ . بأنّ حقها قانوني فقط . أي أنّ هناكَ أعرافاً لا تسمحُ . هذا ما اكتشفتُهُ . عندما قرأتُ قانونَ الزواجِ الهندي . قرأتُهُ ولم أصدقْ كم هو قانونٌ متطورٌ ! في الهندِ يمكنكَ أن تتزوجَ مدنياً أو دينياً . ولم أفكّرُ بالفتاةِ . فكرتُ بالشابِّ فيما لو كانَ سورياً ماذا سيحلُ بهِ ؟ لا أدري إن كانت الأمورُ أفضلَ اليوم . – رغمَ أنّكم ستقولونَ حريةٌ شخصيةٌ – لكنني متأكدةٌ كان عليهِ أن يقومَ بأحدِ أمرينِ: إما الهربَ أو الموت بجلطةٍ . هذا إذا هي غيرتْ عقيدتَها . أما أن يصبحَ بوذياً فمنَ المؤكدِ أنّ دمهُ مباحٌ في هذِه الحالةِ . هناكَ الكثير من الشبابُ السوري يتزوجُ بفلبينيةِ مثلاً . لكنّ إقامتَهُ هي دبي ، ولا نعرفُ ردودَ الفعلِ فيما لو تحولتِ الإقامة.
الحادثةُ مازالت ماثلةً أمام عيني . حادثةٌ أخرى تتعلقُ بابنةِ صديقتي التي أحبت شاباً مسيحياً . استمرَ حبُّهم لسنواتٍ في النهايةِ وافقَ أهلُهُ شرطَ أن لا يتحولَ إلى الإسلامِ . ليسَ لأنّهُ لا يستطيعُ . بل لأنَّ كرامَة الرجل تمنعُهُ من ذلكَ . فهل يتحولُ عن عقيدتِهِ من أجلِ امرأةٍ ؟ لا أرغبُ أن أتحدثَ عن نهايةِ الفتاةِ فقد أقدمتْ على زواجٍ شبهَ انتحاريٍّ ردّاً عليهِ .
أعودُ بذهني إلى السبعيناتِ . حيثُ كانَ هناكَ تزاوجٌ بين العقائدِ المختلفةِ . صحيحٌ أنّها كانت حالاتٍ فردية ً . انتهى كثيرٌ منها بالطلاقِ . لكنَّ الفكرةَ كانت موجودةً . تزوجتُ في تلكَ الفترةِ من رجلٍ من غيرِ طائفتي ، واستغرقتْ عمليةُ الموافقةِ سبعُ سنواتٍ رغمَ انفتاح العائلتين . هو من غيرِ طائفتي وليس من غيرِ عقيدتي . لكن لو كانَ الموضوعُ في هذه الأيامِ لما تجرأنا على طرحِهِ أبداً .
الحياةُ لن تعودَ إلى الوراءِ قطعاً . كلُّ ما يجري الآنَ سينتهي . وستعودُ الحياةَ إلى مجراها . من حقنا فقط أن نسألَ : هل القانون أشدُّ أم العرفُ ؟ القانونُ هو قانونٌ . المطالبةُ بتعديلِهِ هي نوعٌ من التسليةِ والعبثِ . ففي النهايةِ هو يستندُ إلى الشرعِ . إذا كنّا جادينَ فليكن قانونٌ آخرَ ، ولكلِّ إنسانٍ حريتُه في اختيارِ القانونِ الشرعي أو المدني . ولن يكونَ هذا لأنَّ هذا الموضوعُ غيرُ مطروحٍ اليومَ . لكنّ العرفَ فيهِ إجرامٌ . في العرفِ القتلُ مباحٌ ، وغسلُ الشرفِ مطلوبٌ ، وفي النهايةٍ قد يتمُّ الضغط على الأطرافِ وتكونُ النتيجةُ الموتَ للشابِ والفتاةِ . لذا فإنّ تبني النخب المتعلمة المتمدنة . لوثيقةِ شرفٍ يتبناها أحدُ المواقعِ الالكترونيةِ . يكونُ البابُ قد فتحَ للنقاش في هذا الأمر . العالمُ اليومُ يعتمدُ على تبني الأفكارَ . وربما هذا يغيّرُ شيئاً ما من العرفِ كي لا نسمع عن ضحايا فاقَ عددُهم الماضي بكثيرٍ ! !
××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |