Alef Logo
يوميات
              

لمنْ تُكتبُ الأشعارُ ؟

ناديا خلوف

خاص ألف

2010-09-10

الكتابةُ أصبحتْ مهنةَ من لا مهنةَ لهُ . هذا لا يخفّفُ من قيمةِ الكتابةِ بل بالعكسِ. على كلِّ إنسا نٍ أن يحاولَ كتابةَ ولو كتابٍ واحدٍ في حياتِهِ ،و رغمَ أنّ الأدبَ والفنَّ لا تخرِّجُهما المعاهدُ والجامعاتُ من حيثُ المبدأ ، لكنّ الاحترافَ أمرٌ مختلفٌ ، فهوَ عملٌ فكريٌ يستندُ إلى التراكمِ الثقافيِّ في مخزونِ الإنسانِ الذهني . التراكمُ الثقافي لا يكونُ إلا إذا وجدَ العلمُ والمعرفةُ بقواعدِ اللغةِ طريقَهما إلى الكاتبِ ، ثم أكملهما بالتجربةِ التي تصقِلُ الذهنَ . كما أنّ الثروةََ اللغويةَ التي يكتسبُها الإنسانُ من قراءاتِهِ تستطيعُ أن تجعلَهُ قادراً على إيصالِ أفكارِهِ بطريقةٍ قد تكونُ مبدعةً . ما أكتبُهُ ليس موضوعاً في النقدِ فلستُ متخصصةً بهِ . إنني أطرحُ تساؤلاتٍ قد تكونُ في ذهنِ أحدِكم أيضاً ، وقد يجيبُ عليها شخصٌ واسعُ المعرفةِ فنقتنعُ برأيهِ ربما .
أتصفحُ الكثيرَ من المواقعِ الالكترونيةِ العربيةِ في الداخلِ والخارجِ . وأقرأُ كتاباتٍ وأشعاراً في الحبِّ، وحبِّ الوطنِ، والبطولةِ، والاغترابِ ، وغير ذلكَ من مواضيعَ يشدُني بعضُها ، وتعجبُني في شكلِها ومضمونِها . وأمتعضُ من بعضِها معَ أنّ حبكتَهُ جميلةٌ ، لكنَّ الألفاظَ فيهِ ممضوغةٌ كثيراً ، وتضربُ على الأذن بوقعِها .فنديرُ ظهرنا للقصيدةِ ونقلبُ الصفحةَ . سأتحدثُ عن شعرِ الحبِّ، والغزلِ والذي يتلخصُ بشعرِ الرجالِ الذي يتحدثُ عن الشفةِ والخدِ والنهدِ، ويوحي بما تبقى من العمليةِ الجنسيةِ . هي مشاعرُ الشخصِ وحريتِهِ أن يكتبَ ومن حقِّ القارئ ِ أن يقرأَ، أو يقلبُ الصفحةَ . فقط نحنُ نسألُ عن بعضِ الأمورِ .
السؤالُ هو : ألا يوجدُ شيءٌ في المرأةِ غيرُ هذهِ الأشياءَ ؟ ولماذا نسمعُ نفسَ الألفاظِ من الشعراءِ والمطربينَ والواعظينَ ؟ ألم يعدْ هناكَ ما يشغلُنا سوى تفاصيلُ جسدِ المرأةِ ؟ كلُّ هذا الضجيجُ حولَ جسدِ المرأةِ من كلِّ حدبٍ وصوبٍ يجعلُ المعنى القدسي للجنسِ يتلاشى أمامَ المحسوسِ منهُ . لقد تحولَ الجنسُ عن معناهُ ، فهو بالأصلِ يحملُ معنىً مقدساً يجعلُهُ نوعٌ من العبادةِ والمناجاةِ الروحيةِ بين قوتينِ خالدتينِ خلاقتين أنثويةٌ وذكوريةٌ ، وعندما تجتمعُ القوتانِ في فعلٍ ماديٍّ يكونُ هناكَ حالةٌ جماليةٌ أو ربانيةٌ ، وهذا ما قامت بهِ الآلهةُ في الأساطيرِ . ونسيَ الشعراءُ أنّ عليهم أن يبتعدوا عن الوقوعِ في المطبِّ عندما سمحوا لأنفسِهم الدخولَ في وصفِ تفاصيلٍ لجسدِ المرأةِ ، ليسَ من أجلِ الجمالِ . بل ليشعروا بالسيادةِ على هذا الجسد . من واجبِ المرأةِ أن تكونَ ملهمةً . بمعنى أن تكونَ من ضمنِ بضاعةِ يحتاجُها الشاعرُ لشعرِه ، كما يحتاجُها رجلُ الدينِ تماماً . الاثنانِ يبيحونَ ما تجاوزَ الأربعة ، وما ملكتْ أيمانهم . الفرقُ الوحيدُ أنّ الشاعرَ يريدُها في محرابِهِ بلا قيودٍ كي يرضي نرجسيتِهِ، بينما الآخرُ يطلبُ منها التوبةَ لتصبحَ زوجةً شرعيةً لهُ
ليسَ الشعراءُ الرجالِ من يفعلُ ذلكَ فقطْ . بل الكاتباتُ من النساءِ يتحدثنَ بما يرضي أذنَ الرجلِ فيضعنَ ألفاظاً وصوراً من أجلِ تسويقِ الكتابِ ، أو يضعنَ عنواناً جنسياً مثيراً . وبذلكَ لا يقدمونَ لنا المتعةَ في أكثرِ الأحيانِ . تفاصيلُ الجسدِ عندما ُتكتبُ ، أو ترسمُ وتعطينا إحساساً بالجمالِ. تشكّلُ لوحةً فنيةً بامتيازٍ فلا تكونُ فيها الملهمةُ على شكلِ ساقطةٍ ، ولا زوجةً رابعةً في صورةِ تائبةٍ . علينا أن لا ننسى بأنّ الكتابةَ تغيِّرُ المجتمعَ . عرضٌ مسرحيٌ في أوروبا هو الذي كانَ له الأثرُ في تحريرِ المرأةِ . لنكتبْ إذن في الحبِّ والجنسِ وكلُّ الأشياء في لوحةٍ نقدمُها بشكلٍ إبداعيٍّ وليس بشكلٍ مبتذلٍ .
منذُ أيامٍ شاهدتُ برنامجاً حولَ نفسِ الموضوعِ في محطةٍ فرنسيةٍ . تحدثوا عن الجيلِ الثالثِ للعراةِ في فرنسا . كانت أعدادُهم كبيرةٌ . كما أنّهم ينتمونَ لكلِّ فئاتِ المجتمعِ ، وكانَ يتناوبُ على التقديمِ فنانون ، ومثالونَ ، وفلاسفة. شرحوا فلسفتِهم مقرونةً بصورِ العراةِ على الشاطئِ أو في أماكنَ أخرى . من شاهدَ الحلقةَ سينظرُ لهم كقديسين ، وليس كعراةٍ . أحدُ المثالين كان قد وضعَ على الطاولةِ موديلاً يظهرُ فيهِ جمالَ الجسدِ ، ولمْ نعرفُ أنّها كانتْ " موديلاً حياً " إلا عندما قاربتِ الحلقةُ على الانتهاءِ ، وطلبَ المثّالُ منها أن تقومَ ببعض التغييرِ للتوضيحِ . لقد شدنا البرنامجُ إليهِ ومرتِ الساعةُ كأنّها دقيقةً ، كما أن نظرتَنا لبعضِ الأمور تغيرتْ . لقد أعدّوا البرنامجَ ليدخلوا السرورِ على قلبِ المشاهدِ ، وأوصلوا أفكارَهم بطريقةٍ أنيقةٍ لم تتضمنْ ألفاظاً جنسيةً مع أنها مملوءةُ بالجسدِ والجسدنةِ .
الرجالُ عندنا مغرمونَ بالحديثِ والكتابةِ عن جسد المرأةِ . ينظرونَ إليهِ كجسدٍ خاطئٍ لا بأسَ أن يكونَ من نصيبِهم ، بينما يتزوجونَ من امرأةٍ يعاقبونَها إن تصرفتْ بجسدِها على غيرِ ما يريدونَ، فعليها أن تغطيهِ عندما يرغبونَ، وتكشفُ بعضَ أجزائهِ أيضاً برغبتهم . والفضائياتُ تعرضُ من الأجسادِ التي تتلوى على الشاشاتِ أجساداً لا تمتُّ إلى الجمالِ بصلةٍ . نفسُ هذهِ المحطاتِ تعرضُ علينا النصحَ الديني ، وقد صامَ بعضُها طوالَ شهرِ رمضانَ كي يفطروا في العيدِ على جسدِ أنثى ، وإلى جانبِها طعامُ العيدِ .
ربما يحقُ لنا ونحنُ في القرنِ الواحدِ والعشرينَ أن نعيدَ النظرَ في ثقافتِنا الذاتيةِ على الأقلِ . كلُنا نملكُ القدرةَ على التغييرِ . هناكَ مثلٌ عاميٌ يقولُ " الكيف بالنص " أي أن الحبَّ هو شيءٌ مشتركٌ . الجنسُ فعلٌ طبيعيٌ عند الإنسانِ والحيوانِ يتماهى مع الطبيعةِ . ولا بأسَ أن نعبِّر عن حاجتِنا لهُ .
إنّنا نكتبُ الأشعارَ للحبِّ وللوطنِ أيضاً بما فيها أشعارُ الحنينِِ . و مع أنّ العالمَ اليومَ هو " قريةٌ صغيرةٌ " حسبَ ما يقولونَ والتنقلُ داخلَ هذهِ القريةِ سريعٌ لا تستعملُ فيهِ الجمالُ ، فعلى من يوجعُهُ الحنينُ إذن أن يركبَ أولّ طائرةٍ ليعودَ ويعالجَ أوجاعَهُ . ولا نصادرُ حقّ أحدٍ في الحنينِ إلى الأماكنَِ، أو الماضي لو تمَّ الأمرُ دونَ مزايداتٍ في الوطنيةِ والقوميةِ . يوجدُ حوادثُ مؤثرةً في الحنينِ ، ففي قريةٍ سوريةٍ " تلدرة" عادت قريبةُ والدتي من أمريكا منذ مئةِ عامٍ ، وقد احتفظت بعظامِ ابنِها ، وجلبتهم معها في كيسٍ دفنتهُ في القريةِ المذكورةِ بعدَ أن ظلّتْ خمسينَ عاماً في المهجرِ . عادتْ لتموتَ في بلدتِها وكانتِ الزيارةُ الأولى والأخيرةِ لها . لم تكن تجيدُ كتابةَ الشعرِ، لكنّها سجلتْ الحبَّ والانتماءَ للمكانِ بأروعِ من كلماتِ الشعر . العالمُ تغيَّرَ اليومَ . هناكَ ثورةٌ رقميةٌ ، أو ثورةُ اتصالاتٍ . أصبحَ للمهاجرِ عدةُ أوطانٍ ، فإذا تزوجَ روسيّ بفرنسيةٍ وعاشوا في أستراليا حيثُ أنجبوا أولادَهم هناكَ ، وهم يحملونَ الجنسياتِ الثلاثَ. عن أي مكانٍ عليهم أن يكتبوا ؟ وإلى أيِّ وطنٍ ينتمونَ ؟ وقد تحدّثتُ عن الحنينِ لأنني أعرفُ بعضَ الذينَ يكتبونَ وبعضُهم في السويدِ مثلاً ، وربما في جميعِ أنحاءِ العالمِ . يصفونَ عامودا على سبيلِ المثالِ أيضاً ، وكأنّهم فعلاً يحبونها . بينما لا يعودونَ لها ، ولو على شكلِ زيارةِ ، وربما يكونُ الحقُّ معهم أن لا يعودوا . لكن ليسَ معهم حقٌّ على الإطلاقِ أن يضحكوا على أنفسِهم وعلينا ، وعددُ هؤلاء كبيرٌ جداً ، فالكلُ في السويد شعراء لأنّهم يعيشونَ على الضمانِ وفي فراغٍ . يلوذونَ بالشعرِ كعملٍ . بينما أكثرُهم
لا يجيدُهُ . والأكرادُ منهم. هم من نسيجِ وطنِنا ، وكلُّهم شعراءُ يصرخونَ " أنا كوردي " بالعربيةِ . يتزوجونَ من على الانترنت ، ثمَّ يطلقونَ ، ثمَّ يتزوجونَ ، ويطلّقونَ . فهم شعراءٌ ! ! وكونُهم شعراءَ يعيشونَ على الضمانِ . لابدّ أن يفرّجوا عن أرواحهمِ ويعالجوها بالإدمانِ على الكحولِ ، ويأتينا الشعرُ مشبعٌ برائحةِ الكحولِ ورائحةِ جسدِ امرأةٍ تعفّنَ قضوا معها ليلةً، وربما سنةً . ثمَّ جلسوا على مواقِعهم يكيلونَ المديحَ لبعضِهم ، أو الشتيمةَ . هو الفراغُ القاتلُ . هم معذورونَ لأنّهم شعراء ! !
وبمناسبةِ كتابةِ الشعرِ فإنني انتقيتُ قصيدةً بالإنكليزيةِ لشاعرةٍ شابة توقعُ باسمِ "جوانا" منشورة موقعِ اسمه "هنتر" وتعتبرُ هذهِ القصيدةُ من قصائدِ الشعر الحرِّ الرومانسي. قمتُ بترجمتِها عنوانُها :
"مخلوقاتٌ من نارٍ "
نحنُ بجعٌ نغوصُ داخلَ البركانِ ونحترقُ
نحنُ مخلوقاتٌ من نارٍ
رجلٌ وامرأةٌ يتوقانِ لحرارةِ
الانفجارِ الجميلِ للرغبةِ
أتمتعُ بجنونٍ
مشاعري عميقةٌ تتفتحُ كاملةً
ستبقى لنا ومضاتٌ دافئةٌ حلوةٌ فيما بعد
جعلتَ جسدي يهمسُ معَ قبلاتِكَ
وما زالَ هناكَ الكثيرُ
قلبي أيضاً يشتعلُ بعدَ أن عرفَ النعيمِ
هذا الشعورُ بالالتصاقِ لم أشعرْ به من قبلُ
قلبي وجسدي لكَ
أشعرُ بالسلامِ
وأرى أننا مقبلانِ على مغامراتٍ قادمةٍ
فنحنُ مخلوقاتٌ من نارٍ وحرارةٍ وعطاءٍ
انتقيتُ هذهِ القصيدةِ لكاتبةِ شابةٍ لها قصائدَ أخرى تعبّرُ فيها عنِ الحبِّ ومنها . الحبُ في القرنِ الحالي . وكل كتاباتها خفيفةٌ تخترقُ النفسَ . لأنّها كتبتْ ما أحبتْ أن توصلُهُ لنا فوصلتْ فكرتَها . فقط علينا أن نفكُّ رموزَ ما كتبتْ . كلُّ واحدٍ بطريقتِهِ
لقد كتبتْ لنفسِها ولنا ، فأمتعتني لي على الأقلِ .
لابدَ من الإجابةِ على السؤالِ : لمن تكتبُ الأشعارُ ؟ وأجيبُ بتواضعٍ شديدٍ . إنّ أغلبَ الشعراءِ لا يسمعونَ سوى لأنفسِهم . نحنُ فشلنا في التواصلِ مع الآخر.
لذا فإنّ الإعلامَ ، والأدبَ ، والفنَّ . موجهٌ لذاتنا فقط . نحنُ نسمعُ أنفسنا . ونربكُ الآخرَ بما نشتهيهِ من طعامٍ أو رغبةٍ . نشتِّتُ ذهنَهُ . ونبقى كما نحنُ . لا يشغلُنا سوى جسدُ المرأةِ وبقربِهِ طعامُ العيدِ !
××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow