Alef Logo
نص الأمس
              

من كتاب رسائل الجاحظ / بعض مما جاء في الرسالة الرابعة عشرة كتاب القيان

ألف

2010-10-09

بسم الله الرحمن الرحيم من أبي موسى بن إسحاق بن موسى ومحمد بن خالد خذار خذاه وعبد الله بن أيوب أبي سُمير ومحمد بن حماد كاتب راشد والحسن بن إبراهيم بن رباح وأبي الخيار وأبي الرنال وخاقان بن حامد وعبد الله بن الهيثم بن خالد اليزيديَّ المعروف بمشرطة وعلك بن الحسن ومحمد بن هارون كبّة وإخوانهم المستمتعين
بالنعمة والمؤثرين للذّة المتمتعين بالقيان وبالإخوان المعدين لوظائف الأطعمة وصنوف الأشربة والراغبين بأنفسهم عن قبول شيء من الناس أصحاب الستر والستارات والسرور والمراوءات‏.‏
إلى أهل الجهالة والجفاء وغلظ الطبع وفساد الحسّ‏.‏
سلام من وفق لرشده وآثر حظَّ نفسه وعرف قدر النعمة فإنّه لا يشكر النعمة من لم يعرفها ويعرف قدرها ولا يزاد فيها من لم يشكرها ولا بقاء لها على من أساء حملها‏.‏
وقد كان يقال‏:‏ حمل الغنيِّ أشد من حمل الفقير ومؤونة الشكر أضعف من مشقة الصبر‏.‏
أمّا بعد فإنه ليس كلُّ صامتٍ عن حجته مبطلاً في اعتقاده ولا كلُّ ناطقٍ بها لا برهان له محقّاً في انتحاله‏.‏
والحاكم العادل من لم يعجلْ بفصْل القضاء دون استقصاء حُجج الخصماء و دون أن يحوّل القول فيمن حضر من الخصماء والاستماع منه وأن تبلغ الحجّة مداها من البيان ويشرك القاضي الخصمين في فهم ما اختصما فيه حتى لا يكون بظاهر ما يقع عليه من حكمه أعلم منه بباطنه ولا بعلانية ما يُفلْج الخصام منه أطبَّ منه بسرِّه‏.‏
ولذلك ما استعمل أهل الحزم والرويّة من القضاة طول الصمت وإنعام التفهُّم والتمهُّل ليكون الاختيار بعد الاختيار والحكم بعد التبيُّن‏.‏
وقد كُنّا ممسكين عن القول بحجّتنا فيما تضمَّنه كتابنا هذا اقتصاراً على أن الحقَّ مكتفٍ بظهوره مُبينٌ عن نفسه مستغنٍ عن أن يُستدلَّ عليه بغيره إذْ كان إنمَّا يُستدلُّ بظاهرٍ على باطن وعلى الجوهر بالعرض ولا يُحتاج أن يستدلَّ بباطن على ظاهر‏.‏
وعلمنا أنّ خصماءنا وإنْ موّهوا وزخرفوا غير بالغين للفلج والغلبة عند ذوي العدْل دون الاستماع منّا وأنَّ كلَّ دعوى لا يفلُجُ صاحبها بمنزلة ما لم يكن بل هي على المدَّعي كلٌّ وكربٌ حتَّى تؤدِّيه إلى مسّرة النُّجح أو راحة اليأس‏.‏
إلى أنْ تفاقم الأمر وعيل الصَّبر وانتهى إلينا عيب عصابةٍ لو أمسكْنا عن الإجابة عنها والاحتجاج فيها علماً بأنَّ من شأن الحاسد تهجين ما يحسد عليه ومن خُلق المحروم ذمَّ ما حُرم وتصغيره والطَّعن على أهله كان لنا في الإمساك سعة‏.‏
فإنّ الحسد عقوبةٌ موجبة للحاسد بما يناله منه ويشينه من عصيان ربّه واستصغار نعمته والسَّخط لقدره مع الكرب اللازم والحزن الدائم والتنفس صُعُداً والتشاغل بما لا يُدرك ولا يُحصى‏.‏
وأنَّ الذي يشكر فعلى أمرٍ محدودٍ يكون شكره والذي يحسد فعلى ما لا حد له يكون حسده‏.‏
فحسده متَّسع بقدر تغيُّر اتّساع ما جسد عليه‏.‏
لأنّا خفنا أن يظنّ جاهل أنَّ إمساكنا عن الإجابة إقرار بصدق العضيهة وأن إغضاءنا لذي الغيبة عجز عن دفعها‏.‏
فوضنا في كتابنا هذا حُججاً على من عابنا بملك القيان وسبَّنا بمنادمة الإخوان ونقم علينا إظهار النِّعم والحديث بها‏.‏
ورجونا النّصر إذ قد بدينا والبادي أظلم وكاتب الحقّ فصيح - ويروي ‏"‏ ولسان الحقِّ فصيح ‏"‏ - ونفْس المحرج لا يُقام لها وصولة الحليم المتأني لا بقاء بعدها‏.‏
فبيَّنَّا الحجّة في اطِّراح الغيرة في غير محرَّم ولا ريبة ثم وصفْنا فضل النعمة علينا ونقضْنا أقوال خصمائنا بقولٍ موجزٍ جامعٍ لما قصدْنا‏.‏
فمهما أطنبنا فيه فللشَّرح والإفهام ومهما أدمجنا وطوينا فليخفَّ حمله‏.‏
واعتمدنا على أنَّ المطوّل يقصَّر والملخَّص يختصر والمطويَّ يُنشر والأصول تتفرع وبالله الكفاية والعون‏.‏
إنّ الفروع لا محالة راجعةٌ إلى أصولها والأعجاز لاحقةٌ بصدورها والموالي تبعٌ لأوليائها وأمور العالم ممزوجة بالمشاكلة ومنفردة بالمضادَّة وبعضها عِلَّةٌ لبعض كالغيث علَّة السَّحاب والسَّحاب علَّة الماء والرُّطوبة وكالحبّ عِلّته الزَّرع والزَّرع علَّته الحبّ والدَّجاجة علَّتها البيضة والبيضة علَّتها الدجاجة والإنسان علّته الإنسان‏.‏
والفلك وجميع ما تحويه أقطار الأرض وكلُّ ما تُقلُّه أكنافها للإنسان خولٌ ومتاعٌ إلى حين‏.‏
إلاّ أنّ أقرب ما سُخِّر له من روحه وألطفه عند نفسه ‏"‏ الأُنثى ‏"‏ فإنّها خُلقت له ليسكن إليها وجُعلت بينه وبينها مودّة ورحمة‏.‏
ووجب أن تكون كذلك وأن يكون أحقَّ وأولى بها من سائر ما خُوِّل إذْ كانت مخلوقةً منه‏.‏
وكانت بعضاً له وجزءاً من أجزائه وكان بعض الشيء أشكل ببعض وأقرب به قُرباً من بعضه ببعض غيره‏.‏
فالنساء حرثٌ للرجال كما النبات رزقٌ لما جُعل رزقاً له من الحيوان‏.‏
ولولا المحنة والبلوى في تحريم ما حرَّم وتحليل ما أحلّ وتخليص المواليد من شُبهات الاشتراك فيها وحصول المواريث في أيدي الأعقاب لم يكن واحدٌ أحقَّ بواحدةٍ منهن من الآخر كما ليس بعض السَّوام أحقَّ برعْي مواقع السَّحاب من بعض ولكان الأمر كما قالت المجوس‏:‏ إن للرجل الأقرب فالأقرب إليه رحماً وسبباً منهنّ‏.‏
إلا أنّ الفرض وقع بالامتحان فخصَّ المطلق كما فعل وكلُّ شيءٍ لم يُوجد محرَّماً في كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمباحٌ مُطلق‏.‏
وليس على استقباح الناس واستحسانهم قياسٌ ما لم نخرج من التحريم دليلاً على حسنه وداعياً إلى حلاله‏.‏
ولم نعلم للغيرة في غير الحرام وجهاً ولولا وقوع التحريم لزالت الغيرة ولزمنا قياس من أحقُّ بالنساء فإنَّه كان يقال‏:‏ ليس أحدٌ أولى بهنَّ من أحد وإنَّما هنَّ بمنزلة المشامّ والتُّفَّاح الذي يتهاداه الناس بينهم‏.‏
ولذلك اقتصر من له العدَّة على الواحدة منهنَّ وفرَّق الباقي منهنَّ على المقرّبين‏.‏
غير أنّه لما عزم الفريضة بالفرق بين الحلال والحرام اقتصر المؤمنون على الحدِّ المضروب لهم ورخّصوه فيما تجاوزه‏.‏
فلم يكن بين رجال العرب ونسائها حجابٌ ولا كانوا يرضون مع سقوط الحجاب بنظرة الفَلْتة ولا لحظة الخُلْسة دون أن يجتمعوا على الحديث والمسامرة ويزدوجوا في المناسمة والمثافنة ويسمَّى المولع بذلك من الرجال الزِّير المشتَّق من الزيارة‏.‏
وكلّ ذلك بأعين الأولياء وحضور الأزواج لا ينكرون ما ليس بمنكر إذا أمنوا المنكر حتّى لقد حسك في صدر أخي بُثينة من جميل ما حسك من استعظام المؤانسة وخروج العذر عن المخالطة وشكا ذلك إلى زوجها وهزَّه ما حشّمه فكمنا لجميلٍ عند إتيانه بثينة ليقتلاه فلما دنا لحديثه وحديثها سمعاه يقول ممتحناً لها‏:‏ هل لك فيما يكون بين
الرِّجال والنساء فيما يشفي غليل العشق ويُطفئ نائرة الشوق قالت‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ ولم قالت‏:‏ إنَّ الحبَّ إذا نكح فسد‏!‏ فأخرج سيفاً قد كان أخفاه تحت ثوبه فقال‏:‏ أمّا والله لو أنْعمت لي لملأته منك‏!‏ فلمَّا سمعا بذلك وثقا بغيبه وركنا إلى عفافه وانصرفا عن قتله وأباحاه النظر والمحادثة‏.‏
فلم يزل الرِّجال يتحدثون مع النساء في الجاهلية والإسلام حتَّى ضُرب الحجاب على أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصَّة‏.‏
وتلك المحادثة كانت سبب الوصلة بين جميلٍ وبثينة وعفراء وعُروة وكثيِّر وعزَّة وقيسٍ ولُبنى وأسماء ومقِّش وعبد الله بن عجلان وهند‏.‏
ثم كانت الشرائف من النساء يقعدن للرِّجال للحديث ولم يكن النظر من بعضهم إلى بعض عاراً في الجاهلية ولا حراماً في الإسلام‏.‏
وكانت ضباعة من بني عامر بن قُرط بن عامر بن صعصعة تحت عبد الله بن جُدعان زماناً لا تلد فأرسل إليها هشام بن المغيرة المخزوميُّ‏:‏ ما تصنعين بهذا الشَّيخ الكبير الذي لا يولد له قولي له حتّى يطلِّقك‏.‏
فقالت لعبد الله ذلك فقال لها‏:‏ إنِّي أخاف عليك أن تتزوَّجي هشام بن المغيرة‏.‏
قالت‏:‏ لا أتزوّجه‏.‏
قال‏:‏ فإن فعلت فعليك مائة من الإبل تنحرينها في الحزورة وتنسجين لي ثوباً يقطع ما بين الأخشبيْن والطواف بالبيت عُريانة‏.‏
قالت‏:‏ لا أطيقه‏.‏
وأرسلتْ إلى هشامٍ فأخبرتْه الخبر فأرسل إليها‏:‏ ما أيسر ما سألك وما يكرُثك وأنا أيسر قريشٍ في المال ونسائي أكثر نساء رجل من قريش وأنت أجمل النِّساء فلا تأبَّيْ عليه‏.‏
فقالت لابن جُدعان‏:‏ طلِّقْني فإنْ تزوجت هشاماً فعليَّ ما قلت‏.‏
فطلَّقها بعد استيثاقه منها فتزوَّجها هشامٌ فنحر عنها ماءةً من الجُزُر وجمع نساءه فنسجن ثوباً يسع ما بين الأخشبين ثم طافت بالبيت عُريانة فقال المطَّلب بن أبي وداعة‏:‏ لقد أبصرتها وهي عُريانةٌ تطوف بالبيت وإنِّي لغلامٌ أتْبعها إذا أدبرتْ وأستقبلها إذا أقبلت فما رأيت شيئاً مما خلق الله أحسن منها واضعةً يدها على ركبها وهي تقول‏:‏ اليوم
يبدو بعضه أو كلُّه فما بدا منه فلا أُحلُّه كم ناظرٍ فيه فما يملُّه أخْثم مثل القعْب بادٍ ظلُّه قال‏:‏ ثم إنَّ النساء إلى اليوم من بنات الخلفاء وأمّهاتهن فمن دونهنَّ يطفن بالبيت مكشّفات الوجوه ونحو ذلك لا يكمل حجٌّ إلا به‏.‏
وأعرس عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نُفيل وكانت قبله عند عبد الله بن أبي بكر فمات عنها بعد أن اشترط عليها ألا تتزوَّج بعده أبداً على أن نحلها قطعةً من ماله سوى الإرث فخطبها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأفتاها بأن يعطيها مثل ذلك فأقسمت لا تنفكُّ عيني سخينةً عليك ولا ينفكُّ جلدي أغبرا فلما ابتنى ب
ها عمر بن الخطاب رضي الله عنه أولم ودعا المهاجرين والأنصار فلمَّا دخل عليُّ بن أبي طالب عليه السلام قصد لبيت حجلتها فرفع السِّجف ونظر إليها فقال‏:‏ فأقسمت لا تنفكُّ عيني سخينةً عليك ولا ينفكُّ جلدي أصفرا فخجلت فأطرقت وساء عمر رضي الله عنه ما رأى من خجلها وتشوُّرها عند تعيير عليٍّ إياها بنقض ما فارقت عليه زوجها
فقال‏:‏ يا أبا الحسن رحمك الله ما أردت إلى هذا فقال‏:‏ حاجةٌ في نفسي قضيتها‏.‏
هذا‏.‏
وأنتم تروون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أغير الناس وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ ‏"‏ إني رأيت قصراً في الجنة فسألت‏:‏ لمن هذا القصر فقيل‏:‏ لعمر بن الخطاب‏.‏
فلم يمنعني من دخوله إلاّ لمعرفتي بغيرتك ‏"‏‏.‏
فقال عمر رضي الله عنه‏:‏ وعليك يُغارُ يا نبيَّ الله‏!‏‏.‏
فلو كان النظر والحديث والدُّعابة يُغار منها لكان عمر المقدَّم في إنكاره لتقدُّمه في شدَّة الغيرة‏.‏
ولو كان حراماً لمنع منه إذ لا شكَّ في زهده وورعه وعلمه وتفقُّهه‏.‏
وكان الحسن بن علي عليهما السلام تزوَّج حفصة ابنة عبد الرحمن وكان المنذر بن الزُّبير يهواها فبلغ الحسن عنها شيء فطلَّقها فخطبها المنذر فأبت أن تتزوَّجه وقالت‏:‏ شهَّرني‏!‏‏.‏
وخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتزوَّجها فرقَّى المنذر عنها شيئاً فطلَّقها وخطبها المنذر فقيل لها‏:‏ تزوَّجيه ليعلم الناس أنَّه كان يعضهك‏.‏
فتزوَّجتْه فعلم الناس أنَّه كذب عليها فقال الحسن لعاصم‏:‏ لنستأذنْ عليها المنذر فندخل إليها فنتحدَّث عندها فاستأذناه فشاور أخاه عبد الله بن الزُّبير فقال‏:‏ دعهما يدخلان‏.‏
فدخلا فكانت إلى عاصمٍ أكثر نظراً منها إلى الحسن وكان أبسط للحديث‏.‏
فقال الحسن للمنذر‏:‏ خذ بيد امرأتك‏.‏
فأخذ بيدها وقام الحسن وعاصمٌ فخرجا‏.‏
وكان الحسن يهواها وإنمَّا طلَّقها لما رقَّى إليه المنذر‏.‏


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow