Alef Logo
يوميات
              

" تهت فيك َ حتى الضلال "

حبيب أحمد القصاب

خاص ألف

2010-10-22

قالَ المتنبي : إذا ما تأملت الزمان وصرفه / تيقنت أن الموت نوعُ من القتل
وعليه : قتل الشاعر الصحفي أحمد علي درويش لمّا غربته وشايةً , إحدى الكؤوس ، وما حفظت سره ، هو الأمين على الأسرار : (( كأس الخمر قالت لي / أنا من وشى بكَ / للحبيبة والأهل والأصدقاء / فانفضوا جميعا من حولك )) .. وما بقي له إلا الاغتراب القسري ، بعدما انفض السّامر ، وودّع الكرى أهداب عينيه ، عزّ عليه النوم ، وأجهز الموت على البقية ِ الباقية ليكتمل المعنى لـ (( جميعا )) .. واكتمل المعنى ، مات أحمد اغترابا ، مات قهرا .. أخيرا حسم الموت معركته مع الحياة ، أخيرا انهزم (( الجنرال )) وكان أحمد قلقا لانتصاراته في المعركة الأزلية ، لأنه مع انتصاراته ، كان منكّس الراية ، مكسور الروح .. عقله ، فقط عقله كان ... مصلوبا : (( الغيب قاهر المعرفة / عليه العقل يصلب )) .. أحمد درويش كان فيض حنان ، و مع كلّ هذا الفيض – ويا لسخرية القدر – ضننّا عليه ببعض من حنان ، لكم جاهد بحثا عنه وما وجده .. ضاع الحنان ، ومعه القيم جميعها ، في مجتمع جمع النقيضين بآن معا : (( زفة عرس وجنازة )) .. أما موئل الروح ، ( القلعة ) ، يا للألم ويا للأسف ، هي أطلال مهجورة ، أشباح لاتمنح الأمان ، ولربما كانت توحي له بشيء من الخوف .. كيف لا وتموزها ممهور بالصقيع : (( مررت على الدنيا / بوحشة وغربة / حتى لوجودي لم تنتبه / أمي )) .. ولاغرو وغربته وسعها وسع السموات والأرض ، أن يقول : (( إنني هيبة إخفاق / كللّت بالرجاء الممسوح / حدّ السخرية )) .. طعنا بنصال من حوله قضى (( الجنرال )) ، وكلنا حوله، مات .. وما علينا إلا الإستسلام للهزيمة .. للرحيل .. ما ترك لنا إلا أن نتألم ، لمّا لايردّ التحية ، عندما نغدو ونؤوب ، على الرصيف الباكي لغياب أروع الأصوات .. رحل دليلنا للفن الرفيع ، قطع صلتنا بنتاج روائع الشعراء ، ما عادت اللهفة تغزونا لنتابع أجمل السيمفونيات العالمية ، ولا بنا قدرة لتلقي شلالات النغم الفيروزي ، التي كانت تتزاحم لتغادر أجهزة الصوت ، من داخل محله ، لتحتل مسامعنا قسرا ، نحن المارة ، اللاهثون وراء اللاشيء .. وصّف مصيبتنا بفقدك يا أحمد ، من أصبنا بفقده – وما بين رحيلكما أقل من عشرة أيام – صاحب ( الشهداء ) : القصيدة الأم ، التي هزّت من ضمرت جذورهم الأخلاقية والوطنية ، قال (( مات في الظلمة لم يشعر به / حتى المساء / أيها الناس قفوا فالميت شاعر / كفنوه بالأزاهير وبالورد الندي / ... / انه قد ملّ ضوضاء المدينة )) .. يا أحمد .. رويدك ، فالضوضاء ابتلعتنا جميعا ، أغصّت بك وحدك يا صديقي ؟ ! أم أنت من غصصت بها !! ؟ هزمتنا يا أحمد ، ولا ندّعي نصرا مزيّفا ، لكن نقّر بالهزيمة ، ونعترف – ما يعرفه الجميع – أنّ حياتنا ليست سوى تقافز رصيد ، غصّ بالوعود الكاذبة والخيبات : ولربّما يكون جرحنا الجديد أقساها ، وما أقساها ، خيبة الفن الرخيص ، الذي امتدّ به العمر وطال .. وما قصر إلا بجميله ، الذي ومض كبرق ، وانقضى ، ومعه قضينا نحن الأبناء القتلى : (( كلّ يوم في ندم جديد / تصحو قليلا فتلطم الخدين / كأم فجعت بأبنائها القتلى )) .. رحل عنا أحمد – وكما وعد – عاقبنا جميعا .. هو يعلم أننا نحتاجه ، بأمس الحاجة إليه ،و لأمثاله – ويا لندرتهم – ولئن خنّاه ، لمّا لم نتمكن من تنفيذ وصيته ، المؤرخة في 16/2/2010م والقائلة : (( وصيتي نقلي إلى ما بين الجبال بدون مراسم دفن ، أو مجلس عزاء ، فقط زفة عرس وتهنئة )) وعذرنا معنا : أنه رحّلنا ، عذرنا قول المتنبي : (( إذا ترحّلت عن قوم و قد قدروا / ألا تفارقهم فا الراحلون هم)) ختاما أقول ، واعذرني لمعارضتك يا أحمد , أنت لم تعاقبنا ، أنت كافأتنا يا أحمد ، لمّا رحلت ومعك لاءاتك ، فنحن أدمّنا شقاءنا الأبدي .. شكرا لرحيلك يا أحمد ، ما عدنا نخشاك ، بل حّق لك الآن أن نحيّيك ، ونكرمك .. على عادتنا يا أخي .. إذ ندر أن ينصف المبدع وهو على قيد الخراب .. جمعية أصدقاء سلمية ، في منتداها الأسبوعي ، والمؤرخ يوم الخميس 30/9/2010م ، عنونت منتداها ب ( تحية إلى الشاعر الراحل أحمد درويش ) ، ومع تحفظي على من قصدوا التكريم ، وجنحوا عن المعنى قليلا , أشكر كل الشكر – وبدون تحفظ – القاص حسام عزوز , على نصه المنصف للأحياء الأموات , قبل إنصافه لمن خصّه به , وأقتطف بعضا مما جاء فيه : (( .. لم نسمعه حين تكلم , ولم نره حين تعرّى ببهاء .. صرخ .. وخز .. وقتل .. لكن لم نشعره .. دعانا ولم نفهم .. خرج من كهفه عاريا باكيا ضاحكا .. راكضا هاربا .. نبت له جناحان وطار .. تاركا لنا آلاف الشتائم وأقذع السباب .. لكن عجبا عندما تجاوزنا خوفنا , وتغلبنا على جبننا , خرجنا في الأزقة والشوارع , كنا آلاف المكهوفين .. نتكلم ولا نسمع , نسمع ولا نفهم .. نفهم ولا نفهم , وكل واحد منا يحمل كهفه على كتفيه .. ويركض ))

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow