Alef Logo
يوميات
              

مقابلة فوق السطوح ج 1

ناديا خلوف

خاص ألف

2010-11-19

قالتْ لي صديقتي : إنني مريضةٌ . قصدتكِ لأشربَ معكِ قهوتي . وندردشَ لبعضِ الوقتِ فقد أرهقني البقاءُ في المنزلِ . فطالما أنا موجودةٌ فيهِ عليَّ أن أؤلفَ قصائدي . فأصنعُ من الخبزِ لحماً، ومن العدسِ حليباً . ثم أقرأ ما ألفتُ كي أقتنع بهِ الجميعَ . أقنعُ أولادي بأنّ ما نملكُهُ يحسدُنا عليهِ الناسِ ، لكنني أراهم قد بدؤوا يستيقظون من الوهمِ . تحدثت لي صديقتي عما يدورُ بينها وبينَ نفسها من أحاديثٍ . ومن أحاديثها التي استوحيتُ منها ما أكتبه . حديثها وهي فوق السطوحِ ، وحديثها وهي تحتَ السطوح . سأكتبُ هذه المحادثةِ بصيغةِ المفردِ المتكلمِ كي تكون مفهومةً من قبلِ القارئ .
أجريتُ هذه المقابلة مع نفسي عندما كنتُ أضعُ الجبس ، والإسمنتَ الممزوج بالبيض على الثقبِ الموجودِ في خزان الماء فوق السطوحِ . كنتُ أشعرُ أنني مقبلةٌ على عملٍ كبيرٍ يستحقُ العناء والمغامرةِ . لذا لم أشأ أن يضيعَ مني شيءٌ من هذه المشاعر . أجريتُ هذه المقابلة ، كي أتعلمَ الحفاظِ على المشاعرِ . إليكم نصّ المقابلةِ :
السؤال الأول : لماذا أضفتِ البيض إلى الجبسِ والاسمنت . من أجلِ عمليةِ الترقيعِِ ؟
ج- أعرفُ أنهُ عندما تكسرُ رجل إنسانٍ أو يده . إذا لم يتوفرْ لديه ثمن طبيب عظمية . يذهبُ إلى طبيب عربي يقوم بعمله متبرعاً كصدقةٍ . تنجحُ المهمةُ . في مرةٍ كسرتْ يدي فأخذتني جدتي إلى امرأة وضعت البيض والصابون على المكانِ المكسورِ . بعدَ أيام شفيتْ . أراها اليوم أفضل من اليدِ الأخرى .
- لكنّ هذا خزانٌ . هو من معدنٌ ، وليس بشراً !
- لاشيءَ في الحياةِ دون جوهرٍ ومضمون . ارتبطتُ بهذا الخزانِ زمناً طويلاً . أخذ من روحي وقلبي الكثيرَ من الوقتِ . للمكانِ والأشياءِ طاقةٌ . وطالما تعاطفَ معي فانتقلتْ طاقةُ الماءِ والجمادِ إليَّ . قبل أيام كنت أشاهد فيلماً سينمائياً عن امرأة وقعت في حب رجلٍ آلي . أيقنتُ بعدَ رؤيتِهِ أنّ الحبَّ يصنعُ المعجزاتِ . ولد للرجلِ الآلي أحاسيس وروح . صدّقتُ ما شاهدتُ . لأنَّ هذا ما أراهُ الآنَ على الواقعِ معَ هذا الخزانِ . أشعرُ أنّني مرتبطةٌ به بقصةِ حبٍّ كبيرةٍ .
- هل جننتِ ؟ أم تتحدثين وأنتِ بكاملِ قواك العقليةِ ؟
- بكاملِ قواي العقلية، وأجدُ نفسي متألقةً جداً !
- ما هو مكانُ ولادتك ؟
- لا أتذكرُ اسم المكانِ. أعرفُ أنهُ كانت هناك أغنامٌ ودوابٌ وأبقارٌ . أتيت من هناكَ . من تلكَ الحقولِ التي يقولونَ أنّها خضراءَ ، لكنني رأيتُها كالأرضِ اليبابِ .
- هل يعني هذا أنك أتيتِ من وراء الدواب؟
- يا لكِ من ذكية ! اخترتِ التعبير المناسب .
- هذا يعني أنك تحبين الحيوانات وتستطيعينَ تأهيلها وترويضها .
- أحبها نعم ، لكنني أخافُها .فقط أمي استطاعت أن تروّضُها .
- هل لك أن تذكرين حادثةً ما ؟
- نعم . كلبنا " بيوض " كان مثالَ الرقيِّ والتهذيبِ . استطاعت أمي أن تجعلَ منه أكثرَ من كلبٍ . يمكنُني أن أطلقُ عليهِ " المخلوقُ ذو المشاعرِ العاليةِ " ولا أكونُ قد بالغتُ .
- لكنهُ في النهايةِ كلبٌ ليس إلا .
- هذا في رأيكِ الشخصي ، وليس في رأيِّ من عاشرهُ .
-. هل يمكنُ لكِ أن تصفيهِ . شكلُه . طباعه . أبرز ما تميزَ بهِ .
- إنني لا أعرفُ كثيراً بأنواعِ الكلابِ لكنهُ كانَ أبيضَ اللونِ . في نظرتِهِ عمقٌ وذكاءٌ ومحبة.
يجيدُ الابتسام ، كما يجيدُ استقبال الضيوفِ والاعتناءِ بأطفالِهم . ولا يأكلُ إن لم يكنْ الطعامُ معتنى بهِ .
- كأنكِ تتحدثينَ عن إنسانٍ وهو مجردُ كلبٍ .
- نعم . لكنهُ نالَ قسطاً من التربيةِ المثاليةِ الحديثةِ فتجاوزَ عقدة أن يكونَ كلباً ، أو ربما اعتبرَ أن اسم كلبٍ هو أجملُ اسم في العالم . هو في الحقيقةِ اسمه بيوض.
- كيف استطاعت والدتك أن تربي الكلبَ – عفواً بيوض – بتلكَ المواصفات العاليةِ من التمدنِ .
- كانَ الموضوع بسيطاً . هو تعويضٌ عن النقصِ . بذلتْ أمي كل جهودها من أجلِ تربيتِنا ، ولم نستوعبْ إرشاداتها وداخلها المضيءِ . رأتْ أنها فشلتْ معنا . جربتْ مرةً أخرى ، ونجحتْ معَ الكلبِ . هذا كلُّ ما في الأمر .
- ألم تعاتبُكم ؟
- أبداً . كانتْ تؤمنُ أنّهُ لابدَّ أن نتغيرَ وننتمي إلى العالمِ الجميلِ الذي اختارتهُ لنا .
لكنّني عاتبتها . قلتُ لها : لماذا أحسنتِ تربيةِ الكلبِ ، ولم تحسني تربيتنا ؟ عرفتْ أنني جادةٌ في معرفةِ إجابتِها .
- قالتْ لي : لم أكنْ أنا من ربيتكم . اشتركَ معي أكثرُ من شخصٍ في تربيتِكم وكانوا أحياناً يرغمونني على التنحي عن أمومتي ليصححوا لي مسيرَ الأم . نشأتْ لديكم اضطرابات وتمردتُم عليَّ وعلى الذين ربوكم . لكنّني كأمٍّ أستوعبُ ذلكَ وأسامحُكم .
كيفَ تنظرين لأمك كإنسانٍ ؟
- أمي أتتْ مثلي من الحقول . لكنّ حقولَها كانت دائماً مزهرة . هي أنثى أنيقةٌ جميلة في حضورِها . احتفظتْ على الدوام بجمالها .
لها ثلاثةُ مواعيدِ لتبديلِ الثيابِ في اليومِ . مرآتها لا تفارقُها . وبنفسِ الوقتِ ترغبُ أن تكونُ مميزةً في كلِّ ما تعملُ . إبرتها كانتْ تطرزُ بواسطتها الورود على وسائدنا بألوانِ كلِّ الفصولِ . طعامُها بنكهةٍ مختلفةٍ . خبزها لا ألذَّ منه .
- وأنت ّ ألم تكتسبي من طباعها شيئاً ؟
- لا . عشتُ في عصرِ تحررِ المرأة الذهبي . اعتقدتُ أن طباعَها لا تصلحُ لزمني .
- وما رأيك بالتحرر ، أو تحرّرِ المرأةِ ؟
- أوه ! إنه أمر رائع . تصوري أن الفوارقَ زالت كلياً بيني وبين الرجل فلم أعد أعرف نفسي إن كنتُ أنثى أم رجلاً .
- لماذا أنتِ متمسكة بالخزان العتيق ؟ الخزاناتُ البلاستيكية ملأت الدنيا وهي أسهلُ في التعاملِ ، وأجمل .
- هي قضايا مبدئية . أؤمن بالتراثِ . دائماً أحافظُ على الأشياءِ التراثية
- مثل ماذا ؟
-هذا القدرُ المثقوبُ . إن استعملتُه للماءِ أسدُّ الثقبَ بعلكةٍ . إن استخدمتُه للطبخِ . أسدّه بالوحلِ فتجففه النار .
- أجيبي بجملةٍ واحدةٍ على كلّ تعبيرٍ أقولهُ لكِ :
- ما معنى الأسرة؟
امرأةٌ كادحةٌ وأطفال محرومون .
- الحبُّ
- قرأتُ عنهُ في الكتبِ
- الوفاء
- أن تسمحَ المرأة لزوجها بالخيانةِ
- الشعارات
أن تقولين أنني امرأة سعيدة
- الانترنت
- لم أسمعْ بهِ
- العولمة
- قد تكونُ جيدة لأنّهم جميعاً ضدها .
- هل أنت متزوجة ؟
- تقريباً
- هل لديكِ أطفال
- ليس دائما
- هل أنتِ وزوجكِ على علاقةِ ودٍ وتفاهم أم أنكِ امرأةً مهملةٌ للزوجِ ؟
- بالعكس . إنني امرأةٌ مهتمةٌ بكلِّ الأمورِ . ونحنُ على علاقةِ ودٍ . فأنا لم أرهُ منذ تشرينِ الفائت . عندما يأتي أكون نائمةٌ . ليس بيننا مشاكل على الإطلاق . هو راضٍ عن أدائي . يطلبُ مني الاجتهادَ من أجل حياةٍ سعيدةٍ
- يا لكِ من محظوظة ! معنى هذا أن زوجكِ يوفرُ لكِ الحياةَ المرفهة .
- مسكين . هو يعمل ليل نهار من أجلنا . لكنه حتى اليوم لم يوفق في أن يجلبُ لنا أي مبلغ . يقولُ لي دائماً : "هل تعتقدينَ أنني ألعبُ ؟ أحاربُ من أجلكم "
- ماذا يعملُ ؟
- ليس عندهُ الوقتَ ليقولُ لي . هو يتناولُ طعامهُ . وعندما آتي لأتحدّثَ معه يكون قد رحل .
- ما هو دخلكِ الشهري ؟
- لم أفهم .
- كم يأتيك من نقود في اليوم أو الشهر أو السنة ؟
- الحقيقةُ أنّه أصعبُ سؤالٍ . لا أستطيعُ الإجابة .
- هل تجيدين الغناء ؟
- نعم . هناكَ أغنية كتبتُ كملماتها ولحنتها وغنيتها في حفلةِ أقمتُها مع نفسي قلتُ فيها :
ويلي من العمر كله ضاع
ومن الدهر ما فيه إلا الأوجاع
ويلي من الصبر ومن الفقر
ومن كل لحظة بها العمر
بتمر وما فيها لا حب ولاسمر
ولا حبيب ولا ضو من القمر
- إنها أغنيةً لا تحملُ الفرحَ ، والأدبُ المقبلُ هو أدبُ الفرحِ .
- أنتِ تعرفينَ أن القضيةَ تبكينا . نعبّرُ عنها بأغانينا العميقةِ . أم أنكِ تريدينَ أن يقولونَ عني بأنني غيرُ عميقةٍ . لا . لن أفرحَ كي لا أكونُ سطحية . أدبُ الفرحِ يكونُ أحياناً مملوءاً بالعويلِ .
- منزلكم يبدو وكأنّ جدرانَه تتكئ على بعضها . هل تطمحون لصيانته .
- أبداً . فهنا كانَ ماضينا وسيكون مستقبلنا . هنا كتبنا الشعرَ وهناك زرعتُ وردة واحدة على مقاس المكانِ ثم ماتت .
- يحتفلُ العالمُ الإسلاميُّ بالعيدِ . ما هي أضحيتكِ في هذا العيد .
- إنّني لا أحبُّ النحرَ والذبحَ والقتلَ . عندما أسمعُ بهذه الكلماتِ . أخافُ وأعتقدُ أنّني الخروفُ الذبيح .
- لم تجيبي عن سؤالي عن العيد .
- هل تريدين الصدق؟
- طبعاً .
- جدتي كانت تغني لهُ : "يا عيد ! مر من فوق السطوح وروح " لم أكن أفهم معنى ما تقولُ . كبرتُ . تزوجتُ الآن فهمتُ معنى ما قالت جدتي .
- أيضاً لم تجيبي .
- أجبتُ بصراحة . لكنكِ تبدين كمذيعةٍ قادمةٍ من فضائيةٍ عربيةٍ . لا تجيدُ الضحك . كانَ من المفروضِ أن تضحكي على إجابتي، أو تبكي لا فرق .
نادية خلوف

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow