Alef Logo
يوميات
              

أجيالنا الشعرية

بشير عاني

خاص ألف

2010-12-18

منذ أيام قليلة، وفي مدينة الحسكة، وعلى مدرجها الخاص، أقامت كلية الآداب بجامعة الفرات ملتقى نقديا أدبياً جاء بعنوان (التحولات الوطنية والقومية في الأدب السوري المعاصر)، وقد كنا بين من دعي إليه من الأدباء والنقاد والباحثين السوريين، وكانت مشاركتنا متمثلة بنص شعري إضافة إلى هذه الشهادة الخاصة المصنوعة خصيصاً لهذه الندوة:
((لم يكن أمامنا، نحن الأجيال الشعرية التي تأملت بعد منتصف الثمانينات الهزائم الأخيرة لآخر مقالع الشعارات الكبرى بما تمثله من واجهات ايديولوجية وعقائدية، لم يكن أمامنا، وحتى هذه اللحظات، سوى النكوص إلى الذوات أكثر فأكثر، وهو نكوص لا ندعيه، فما نحن إلا بقلٌ في أصول نخلٍ طوال، فهو قد تمظهر واستشرى في الشعر السوري منذ نهاية الستينات بعد الهزائم القومية والوطنية التي رافقت عام 1967.
نكوصنا اليوم، كأجيال شعرية، لا يتشابه دائماً مع نكوص الأجيال التي سبقتنا وإن تشابهت عوامله وظروفه وأسبابه، ففيما اتسم جيلا الستينات والسبعينات بالسوداوية والفجائعية، وبدى جيل الثمانينات حائراً، منشدهاً، هارباً من تحديد أبوته الشعرية، كان جيل التسعينات يعيش تناقضه وانفصامه الشعري..
فهو، وإن تظاهر بالاحتفاء بالحياة وإعادة كتابتها بروح وتقنيات مغايرة إلا أنه لم يتمكن من الإفلات من حزنه وتألمه وإحساسه بالعجز والحيرة، وبهذا ظلت السمة العامة للشعر السوري عموماً، وهي السمة التي تلاحقه حتى اليوم، هي ما يمكن وصفه بشعر الخيبات والآلام والفجيعة.
لكن لأجيالنا الشعرية، ورغم سماتها العامة التي أشرنا إليها، خصوصيات عديدة أظن بأن النقد سينتبه إليها مطولاً في وقت قريب، خصوصاً بعد تعالي الأصوات المستنكرة إهماله لها طوال كل هذه السنين، ومن هذه الخصوصيات أخص في هذا المكان ما يتعلق بتلك التي لها علاقة بهذا الملتقى وأعني تحولات الموضوع الوطني القومي.
فهي، وأعني أجيالنا الشعرية، ستتخفف إلى حد كبير من تلك الثنائية التي عرفها الشعر السوري طوال عقود وأعني إلقاء وزر الهزائم على الاستعمار ثم على السلطات المحلية في بعد.
كما ستتفحص جيداً ما حولها ليتأكد لها أكثر أن الهزيمة تاريخية، وهي هزيمة طويلة وطويلة جداً ولا يجوز تحميلها للاستعمار أو الأنظمة فقط، ومن هنا بدأت هذه الأجيال تعيد اشتغالها على النص الشعري كمشروع لإعادة بناء الذائقة التي هي أساسية في التشكيل الجمالي الذي لا بد منه لإعادة بناء الإنسان.
في زحمة هذا التفحص والسعي لتكوين الذائقة حصل الطلاق النهائي بين إرادة الشعر كـ (فن) ومحاولات البعض تحويله إلى بيانٍ وشعار ومقولة سياسية، وهو ما تميز به العديد من الشعراء الشيوعيين والبعثيين بشكل خاص، كما تم أيضا هجر فكرة تحويل السياسة إلى أدب كما كان هذا حال العديد من الشعراء السوريين القومين خصوصاً في تغنيهم الكثيف عن البيئة الطبيعية.
من جهة أخرى فقد ساهمت أجيالنا الشعرية في إعادة الهيبة إلى موضوعه الحب والجسد بشكل جارف، وهي الموضوعة التي كانت مدفونة لعقود طويلة، وهو ما ساهم في انفتاح فكرة الشعر ورؤاها وفضاؤها كما شجع
عشرات الشاعرات السوريات على اقتحام المشهد الشعري السوري، وهو ما كان نادراً في العقود الماضية.
أيضاً فإن أجيالنا الشعرية قد جففت تماماً البرك والمستنقعات الايديولوجية والعقائدية في الشعر السوري وطاردت فلولها ليس في نصوصها فقط بل وفي نصوص الآخرين ومن هنا لم يعد الوطن حزباً أو فئة أو دكاكين وهذا ما ساعد على إعادة التوازن لشخصية الشعر التي كان يبدو عليها كثيراً من أعراض الشيزوفرينيا من خلال قصائد العديد من شعراء الأجيال السابقة.
رغم هذا لا يمكن القول أن الاتجاهات الشعرية وإنجازاتها تمثل اليوم تياراً أو شكلاً فنياً ناجزاً ومستقراً، فالشعر السوري المعاصر هو اليوم تراكمات يحاولها الشعراء ولا يمكن القول إنها مذاهب خالصة أو تيارات فنية خالصة الهوية، ونرى أن الممارسة الإبداعية في الميدان الأدبي هي الكفيلة بتقديم الإجابات الصحيحة عن حجم التحولات الحاصلة في الموضوع الوطني والقومي، والشعر بشكل خاص معني دوناً عن الأجناس الأدبية الأخرى، كالرواية والمقالة والمسرح، بدور أكبر في التقاط هذه التحولات نظراً لعراقة تراثه على عكس الفنون الأخرى التي تعتبر حديثة العهد في بلادنا.
وعليه، فمهما حاول الشعراء أو النقاد أن يجمعوا مسارات الشعر وتحولاته فإنهم سيفاجئون بأنهم يتحدثون عن فن لا يمكن التدخل جوهرياً باتجاهاته وحركته العامة التي تصنعها باستمرار، وعبر كل العصور، التراكمات العفوية للذائقة والوجدان والأنساق المعرفية)).

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ما هي حظوظ الأصوليات الدينية في سورية..؟

12-آذار-2016

"خضر" والذين معه

21-تموز-2012

دم راشد بما يكفي

05-تموز-2012

آخرُ الأمر..

05-حزيران-2012

وجوه عديدة لـ (صحّاف) واحد

24-آب-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow