Alef Logo
يوميات
              

من الذاكرة

معتصم دالاتي

2011-01-22

أمنيات خارج التغطية


في نزهة بحرية على يخته الفخم، قال الملياردير أوناسيس مشيراً إلى الخادم الشاب الممتلئ حيوية: هذا الخادم يحسدني على ثروتي. سأله أحدهم: وأنت على ماذا تحسده؟ أحاب: أحسده على شبوبيته. ومن المعروف أن أوناسيس كان فقيراً أيام الشباب.
الموظف يتمنى العودة إلى دوام الست ساعات السابق، مع الحفاظ على عطلة يومي الجمعة والسبت. والمواطن الذي له شغل في الدوائر الرسمية يتمنى العودة إلى عطلة اليوم الواحد في الأسبوع مع بقاء الدوام الطويل على حاله.‏
رجل الأعمال يتمنى أن يدفع الضريبة التي كانت تجنى في أعوام الخمسينيات، مع بقاء أرباحه على حالها. وصاحب الدخل المحدود يتمنى أن يحافظ على دخله الحالي وعودة الأسعار كما كانت في الستينيات.‏
صاحب السيارة يتمنى تقنين السيارات والتخلص من الأزدحام وشارات المرور، مع حفاظه على سيارته الخاصة، والأب يتمنى التفوق لابنه في شهادة البكالوريا دون أن يتكلف المال للدروس الخصوصية والغني يتمنى الطعام للفقراء، ولكن ليس من مائدته، والمرؤوس يتمنى أن يجاهر برأيه صراحة في رئيسه دون أن تقع الكارثة على رأس هذا المرؤوس.‏
الصحفي يتمنى نشر كل ما يكتب دون حذف أي كلمة، على أن يتحمل رئيس التحرير ومعاونوه وحدهم مسؤولية النشر. ورئيس التحرير يتمنى تجاوز الخطوط الحمراء في النشر لتكون صحيفته الأكثر مبيعاً وقراءة وانتشاراً، على أن لا يتسبب له ذلك بوجع الرأس.‏
القادة يتمنون الحصول على الأوسمة دون خوض المعارك.‏
العرب يتمنون زوال إسرائيل دون بذل أي مجهود.‏
الأنظمة العربية تتمنى لبلادها التقدم دون أن تؤمن لأفرادها العيش الكريم وحرية التفكير والتعبير.‏
نحن نتمنى لمجتمعنا التقدم والتفوق دون أن نتخلى عما نحن فيه من راحة وسكون وموروث والذي يردد المثل الشائع «فخار يطبش بعضه» يتمنى أن تسلم فخارته وحدها من التطبيش.‏
الكل يتمنى أن يحصل على كل شيء دون أن يفقد أو يقدم أو يتنازل عن أي شيء.. يا سلام على هيك أمنيات.‏


امتحان الرسم


كان سحبان سواح الطالب في الصف الحادي عشر أدبي في ثانوية عبد الحميد الزهراوي بحمص يجلس صافناً أمام ورقة الرسم أثناء امتحان الفصل الأخير من العام الدراسي.
سألته عن سبب صفنه وشروده وقد مرَّ زمن لا باس به من الوقت المخصص لتلك المادة؟. وقد كنت آنذاك مدرّس المادة في تلك المدرسة. قال: أستاذ أنا لا أعرف أن أرسم. قلت: عليك المحاولة. فالورقة البيضاء تأخذ علامة الصفر، وهذا قد يؤثر على المعدل العام. قال: أنا أتذوَّق الرسم، لكني لا أجيده، فأنا شاعر.. ألا تؤمن بعلاقة الفنون ببعضها البعض؟
قلت في ذهني، هذا الولد، ربما سمعني في أحد الدروس أستعرض فهمي وأتباهى بشطارتي في معرفة باقي الفنون، ومنها الشعر بالتحديد.. ولعل هذا الولد أخذ عن أبيه قدرته على الصيد والقنص، فهو ابن الصحفي الشهير أحمد نورس السواح، صاحب جريدة الفجر. والصحفي الناجح هو صياد ماهر، وقنَّاص للفكرة والمشهد والموقف والحدث، يقتنص كل هؤلاء ليوظفها كما يشاء في الوقت المناسب. وقد برع أحمد نورس السواح في ذلك.
كانت جريدة الفجر صحيفة يومية تصدر في حمص. وأذكرها جيداً في فترة الخمسينيات من القرن الماضي، إبَّان مرحلة النهوض القومي والوطني والمد اليساري في الشارع الديني المحافظ. تلك المرحلة التي شهدت وصول أول زعيم شيوعي من العالم العربي إلى البرلمان السوري، بالإضافة إلى عددٍ وافر من أفراد حزب البعث إبان النضال السلبي، وكان لهم دور متميز في ذلك البرلمان الذي كان يدعى المجلس النيابي ثم مجلس الشعب حالياً.
في تلك المرحلة نجح تكتل اليسار في حمص بإيصال أثنين من مرشحيه إلى المجلس النيابي وهما أحمد الحاج يونس، ثم كمال كلاليب، وهما شخصان مغموران بالنسبة لمنافسيهما مرشحي اليمين الذي كان على رأس السلطة ويدير البلاد من خلال أحزابه وأبناء العائلات. وقد كان لجريدة الفجر مساهمة فعَّالة في تلك الحملة الانتخابية لصالح مرشحي اليسار.
كانت جريدة الفجر ذات النهج اليساري التقدمي هي الصحيفة المنافسة والمناوئة لصحيفة السوري الجديد الحمصية أيضاً لصاحبها فيضي بك الأتاسي أحد زعماء حزب الشعب اليميني عضو البرلمان الدائم والوزير في معظم الوزارات. وكان أهل مدينة حمص يتلقفون كل ما يُنشر في جريدة الفجر، وتحديداً الافتتاحيات التي يكتبها أحمد نورس السواح صاحب تلك الصحيفة، والتي لم تكن تخلو من تناول وزراء ومدراء ومسؤولين وحكام سوريين وغير سوريين بأسلوب رشيق يتميز بالسخرية اللاذعة والحبكة المرة القاسية.
أعود إلى سحبان سواح الطالب في ثانوية الزهراوي الذي كان يصفن شارداً أمام ورقة الرسم في الامتحان لأنه لا يجيد الرسم وأنه شاعر كما أدعى. وأحسست أنه يساومني على شيء هو مقايضة الشعر بالرسم. فانقدت وراء تلك المقايضة وقلت له: لا بأس. أكتب خلف ورقة الرسم واحدة من قصائدك، وخربش بموضوع الرسم كما تريد، وسوف أضع لك العلامة المناسبة للقصيدة عوضاً عن موضوع الرسم.. لكن إياك أن تغشني وتنتحل قصيدة ليست لك، فأنا قادر على اكتشاف ذلك، لأنني أيضاً أتذوق الشعر.
وإذا كان الصحفي أحمد نورس السواح رحمه الله قد حصل على سمعة جيدة، واحترام شديد من قبل أهل حمص من خلال جريدته الفجر المعارضة للسلطة لأنها أي الجريدة كانت تتبنى رؤية وخطاً تقدميين وتتصدى للسلطة اليمينية الحاكمة بجرأة واضحة، فإن ابنه سحبان سواح في امتحان مادة الرسم قد خربش بالألوان، ورسم بالكلمات، وحصل على علامة جيدة.. وضحك على ذقن الأستاذ.
++++
من مقالات الكاتب في الصحافة السورية




تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ثم وحدي سكرت

29-شباط-2020

ثم وحدي سكرت

01-شباط-2020

الحب هو سيد الموت

14-كانون الأول-2019

السارق المسكين

27-نيسان-2019

حوار مع النفري

23-آذار-2019

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow