Alef Logo
يوميات
              

لقد عادَ

ناديا خلوف

خاص ألف

2011-02-07

قالَ لي حبيبي : إنّني مقيدٌ بسلاسلِ تسحبني إلى الأسفلِ . الأملُ ميئوسٌ منهُ . لا يمكنُ أن أستمرَّ حتى أصلَ إليه . غاضبٌ من كلِّ الأشياء التي تحدثُ حولي . تتحدثين عن القوةِ الداخليةِ . عادتْ إلي حبيبتي. أريدُ تحطيمَ كلّ الأشياء . أشعرُ أنني أستطيعُ فعلَ ذلك .
سأحطّمُ زجاجَ منزلنا . أوكارَ أرانبنا . وبعدها أحطّم نفسي . ساعديني أرجوكِ . اقتليني . سأجلبُ لك سكيناً . أكتبُ على ورقة ضعيها قربي أقولُ فيها : طعنتُ نفسي حتى الموت.
ما هذا حبيبي؟ هل ألمّ بك جنونٌ . أم تشعرُ بالسخونةِ تجتاحُكَ .
إنّكَ تهذي في يقظتكَ أيّها الفارس . كيف تتحدث بأمرٍ وتنسى وجودي ؟ لا تتركْني للأيام . أنسيتَ سنواتِ حبّنا كيفَ كانتْ مملوءةً بالأمل .. كنتُ أراكَ في كلّ يومٍ مراتٍ ومراتٍ . لم أعدْ أراكَ منذ زمنٍ . لم تقبّلْني قبلةََ الصباح ولا قبلة المساء .
لماذا حبيبي تمرُّ الحياةَ من قربِ وسادتكَ بالهمسِِ ؟ لا توقظُكَ . تنامُ ملءَ جفنيك . تركضُ من حولكَ حماماتُ السلام كي تحرسك من الأيام . مازلتَ نائماً منذُ ألف عامٍ . وأنا أنتظرُ قربَكَ .أفكّرُ بوعودِكَ . هل كانتْ نوعاً من الكذبِ، أم صادرتك الأيام. أتجاهلُ حاجاتي ، نداءاتِ جسدي . خبتْ النداءاتُ . لم يعدْ لدي رغباتٌ . جردتَني من كلّ شيْ يربطني بالحياةِ . أنادي الصمتَ . وتخنقني العبراتِ . حبُّ الأمسِ باتَ مقتولاً على يديكَ . لماذا حبيبي تملأ قلبي بالآهاتِ ؟ تخيفني بتكسيرِ النوافذِ. تثيرُ في الرعبَ أكثر من رعبِ السلطاتِ .
حبيبي استيقظْ . أرغبُ أن تشتري لي بعض الحاجاتِ . ربطةُ خبزٍ وبعضُ السكّرِ وأشياءَ أخرى تلزمُ من أجلِ حياتنا . كيفَ كنتَ قبلي تعيشُ الحياةَ ؟
- حبيبتي . استيقظتُ من سكرتي . أرغبُ ببعضِِ السجائرِ من أجل صحوتي . أعطِني الآن مئة ليرة . سأعيدُها لكِ بعد يومين اثنين . أنتظرُ مبلغاً ضخماً كسبتُه من تجارةٍ شريفةٍ . سأشتري لك بيتاً ونسافرُ معاً إلى أماكن الحياة . فقط أرغبُ بمئة ليرةٍ الآن . سأعيدها هذا الأسبوع . لن تكون مئةًً بل مئات الآلافِ .
- أعطيته مئة ليرةٍ. لم يجلبِ الخبزَ ولا السكّر ولا أيّ طعام .
رحلَ حبيبي من أجلِ أن لا يجلب شيئاً . كنتُ أقضمُ أظافري من الغضبِ . لم أنمْ في تلكَ الليلةِ إلا عندَ الصباحِ . قمتُ متثاقلةً كأنّي عدتُ مع معركةٍ خاسرةٍ . رأيتُه يشخرُ قربَ وسادتي وعلى ملامحه عدمُ الإحساس ، وورقة يانصيبٍ كتبَ عليها " الأملُ ميئوس منه " كتبَ الكلماتِ ليستدّرَ عطفي وأنسى أمرَ الخبزِ . أردتُ أن أطلبَ الطلاق . أطلّقُ من ؟ هل هناك رجلٌ حتى يكونَ طلاق ؟ هل أترك المنزلَ إلى الأبد ؟
قبلَ أن أقدمَ على أي أمرٍ قمتُ باستشارةِ ذوي العلمِ ومن بينِهم " إمام "
- الأمر يحتاجُ إلى إثبات . ليس عندك إثبات .
هل أتزوجُ الإمام ؟ هو رجل حنونٌ يعتمرُ في صدرِه الإيمان . يعدلُ بين زوجاته . جميعهنْ أهدينَ إليه من قبلِ أنفسهنَّ . هو من قالَ هذا . إنهُ لبقٌ يعرفُ قيمةَ الهديةِ . إذا أهديتُهُ نفسي لن يطلبَ منّي إلا أن أكونَ متألقة في سمائه . أكونُ له في بعضِ اللحظاتِ والأيامِ عندما يختارُني . هو قادرٌ على إثباتِ كلّ الأشياء . وجههُ نضرٌ لا ينقصُه الغذاء . تبدو عليه النعمةُ ملفوفة بالإيمان .
فكّرتُ كثيراً أن أهربُ من حبّي الذي اخترتُ لأنّه نائمٌ لا يشعرُ بي على الدوامِ . ماذا في الأمر لو كنتُ زوجةًَ ثالثة أو رابعةً . ألا يكفي أنّني لن أحتاجَ لمالٍ أوطعامٍ ؟
تقولون: ليس لدي إحساس ! عرفتم وجعي . هكذا هو الأمرُ . تبلدتْ أحاسيسي . أرغبُ في نسيان ذلكَ الحبّّ . أرغب بالانتحارِِ ، لكنّ ابنتي الصغيرةِ تتشبّثُ بي كلّ يومٍ تقولُ : اشتري لي عرنوس ذرة . كل رفاقي في المدرسة يشترونه . ألا تستحقُّ أن أستبدلَ والدَها بآخر يشتري لها ما تريد ؟
كانَ هذا مجردُ نقاشاً بيني وبينَ نفسي بعدَ استشارةِ الإمام . مقارنةً بين حبيبي الفارس الذي كبا ، وذلكَ النضر الوجه والذي مازالَ فارساً . الدليلُ على فروسيته أنّ لديهِ ثلاثةَ نساءٍ !
لا . لن أخونَ من أحببتُه . لن أتركَه . سأحافظُ عليه . هو زوجي والدُ ابنتي . ربما غيّره الفقرُ . ربما نسيَ علومَه الجامعيةَ بسببِ ضيقِِِ الحالِ . سأكونُ لهُ عوناً على مدى الأيام . هي ضائقةٌ ستمرُّ عليّ بالصبرِ " الصبرُ مفتاحُ الفرجِ " ومعَ أنّني أرغبُ بحذفِ هذهِ العبارة من حياتي . كانَ الصبرُ لا يجلبُ إلا نفسه على مدى الأيّامِ . سألتزمُ بقيمي التي آمنتُ بها . سألتزمُ بالحبّ الذي اخترتُهُ كيفَ لي أن أخونَ مثلي العليا وأضحكُ على نفسي ؟
بعدَ أيامٍ
وصلتني ورقةُ طلاقٍ تعسّفيّ من حبيبي ، ومعها ست مئةِ ليرةٍ خمسُ مئة منها مؤخّرُ الصداق ، ومئة كان قد أخذَها مني . اشترى بها بدلاً من الخبزِ ورقةَ يانصيبٍ خاسرةٍ .
عندما تمّ عقدُ الزواجِ كانَ ثورياً أقنعَني بأن المهرَ يشبه البيع والشراء . لا يصلحُ للإنسان . يصلحُ ل . . . . . .
قالتْ لي أمي يومها : الفتاةُ التي مهرُها كيس بصلٍ . تساوي كيساً من البصلِ . سخرتُ من رأيها الرجعيِّ. حبيبي الغالي لا يقدّرُني بالمالِ !
اليومَ أرسلَ لي خمس مئةٍ ليرةٍ ثمن عدةِ كيلوغراماتِ من البصلِ فقط . لو كانَ مهري ذهباً لتريّثَ . معَ هذا لا أؤمنُ بالمهر . ليرحلْ أينما أرادَ .
تزوجَ حبيبي من فتاةِ ليلٍ . يراها أجملَ مني . هو لا يفارقُها .وتمضي بهِ الأيامُ كما يريدُها .
سمعتُ منذُ فترةٍ أنّها ضاقتْ ذرعاً بهِ لأنّهُ يبدّدُ كلَّ دخلها .
وابنتي !
ابنتي تحبّني . تعاتبُني . لأنّني لم أكتبُ مهري بالذهبِ . جارتنا قالتْ لها: إياكِ أن تكوني مثلَ أمّكِ . من يكونُ مهرُها ذهباً تساوي ذهباً . أصبحتْ لا تؤمنُ بالحبّ بل بالذّهبِ . أردتُ أن أقولَ لها أنّ الحبَّ هو الأساس . منعتني من الكلامِ . قالتْ : عن أي حبّ تتحدثينَ ؟ هل أقبرُ نفسي في الحياةِ ؟ لستِ ناجحةً في حبُّكِ يا أمي! كيف تقنعيني بخوضِ تجربةٍ مصيرها الزوال ؟
بعد سنواتٍ
نسيتُ أمرَ الرجالِ والأزواجِ . حياتي من أجلِ ابنتي فقط مثل حياةِ الكثير من النساءِ . بدوتُ في الستين من عمري بينما لازلتُ دونَ الأربعين . رأيتُ متسوّلاً يقرعُ البابِ . بيدهِ كيسٌ عليه بقعُ زيتٍ وربطةَ خبزٍ . الكيسُ مملوءٌ بأقراصِ الفلافلِ الساخنةِ .
- حبيبتي : آسفٌ لتأخّري عليكِ . كنتُ مشغولاً لبعضِ الوقتِ . جلبتُ طلباتكِ الآن . هل تسمحينَ لي بالدخولِ . أنتِ رائعةٌ على الدوام .
حبيبتي . خفتُ عليكِ . أرجو أن تكوني بخيرٍ . أرغبُ أن أطمئنّ على صحّتكِ .أنتِ حبّي الذي كان . قلقتُ كثيراً من أجلكم . ماذا تريدينَ أن أفعلَ ؟ إنّني على استعدادٍ .
عطفتُ عليه : ادخلْ . ستبقى غرفتُك بعيدةً عن غرفتي . لا تلمسْني . أصبحتُ أرتجفُ من لمساتِ الرجالِ !
مازالَ حبيبي يجيدُ استعمالَ الكلماتِ . كما عرفتُه أوّلَ مرةٍ . كلماتٌ حفظها يستعملُها عند الضرورةِ .
حبيبي تابَ . عادَ إلينا بريئاً . نظيفاً بعد أن فقد المأوى والطعام . أمي قالتْ لي سيعود . طلبتْ مني أن أصبرَ . عادَ وكأنّ وحشاً علكهُ بينَ فكيهِ وقذف بهِ إليّ . استهلكتهُ الأيام .
بشّرتُ أمّي بعودتِهِ
قالتْ : ليته مات !
لماذا يا أمي عندما يرحلُ تحثيني على الصبرِ ؟ وعندما يعودُ تتمنينَ لهُ الزوال ؟
أسألُ النساءِ : هل تابَ حبيبي فعلاً ؟
أتتِ الإجابةُ من الجميعِ " أنتِ مغفلةٌ عليكِ أن . . . "
النساءُ ماكراتٌ ظلمنَ حبيبي . يقلنّ : لا تصدّقيهِ . لم يتغيرْ . إنّها توبةُ الجبان !

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow