Alef Logo
الغرفة 13
              

"سلمية" تصدّر الشعراء والبصل المجفف

مصطفى علوش

2006-04-04

"سلمية" تصدّر الشعراء والبصل المجفف
أكثر من 200 شاعر في العراء

علاقة سلمية مع الشعر تشبه ذكرى القبلة الأولى بكل دفئها وخلودها في الوجدان، وهي أيضاً علاقة مفتوحة على السؤال بكل شغبه المرتجى وخلخلته للساكن والراكد في الحياة. والأدب في هذا المدينة معجون بالغيظ من سماء لم تمطر كفاية، أدب قادم من نوافذ مزينة بصوت فيروز ومارسيل خليفة وحِكَم الأغاني العراقية المسربلة بالحزن والانتظارات.
ومشكلة الشعر والشعراء تشبه مشكلة سلمية التي تعيش حسب الماغوط على تخوم البادية وتخوم المدينة وتخوم الريف، وإذا كانت حياة الريف مستمرة فيها حتى الآن فإن السؤال المحرج ما زال مؤجلاً لأنه يتعلق ببروز وشهرة وانتشار مجموعة من الأسماء الشعرية مثل (محمد الماغوط، فايز خضور، على الجندي، أحمد الجندي، سليمان عواد..) على مستوى سورية والعالم العربي. بينما بقيت الأجيال اللاحقة من الشعراء والأدباء مطفأة من نور الشهرة والانتشار إذا قيست بتلك الأسماء مثل (عبد الكريم دندي، محمد مصطفى درويش، خضر عكاري، نصر علي سعيد، حسين هاشم، أحمد خنسا، منذر شيماوي..) وبقيت هذه الأسماء حبيسة جدران المدينة وآفاقها المحدودة.
رغم خروج بعض هؤلاء من المدينة للعيش في دمشق مثلاً. ربما يحتج على السؤال عشرات من كتّاب الشعر وسبق أن أحصى الشاعر الراحل محمد نصر الدين سيفو وجود 205 شعراء في المدينة. وقد تأتينا أجوبة عنيفة، تشبه في قسوتها دعوة الشاعر فايز خضور الناس البسطاء لزراعة آلاف الألغام في مفترق الطرقات، وفي الشرفات، بدل الأصص الشمعية وذلك احتجاجاً على دناءات تقترف باسم مبادئ الحرية. وذلك في قصيدته "آداد".
ولعل بعضاً من الإجابة يكمن في قول الماغوط: "إن السلطات المتعاقبة فكرت جدياً في تقطيع المدينة كالحية هي وكهولها وشبابها ومقابرها ووضعها داخل كيس ثم قذفها إلى الجحيم". فهل نجحت هذه السلطات فيما فكرت فيه؟ وبالتالي تقطع الشعر وتشظى وغاب؟
لقد تمكنت تلك الأسماء الشعرية المشهورة من احتلال مقاعدها في عالم الإبداع لأنها ملكت وفاء كبيراً للأدب وساندها موهبة متقدة وتمرد ضروري للكتابة مستمد من الجذور الجمعية لمدينة تعتبر معقل القرامطة والمتنبي. كما أن الأحزاب في ستينات القرن قد ساعدت الشعراء والمنتسبين إليها وفتحت لهم طرق الشهرة ومدت لهم جسوراً لتخطي حدود الخوف واحتضنتهم في بداية مشوارهم، لكنهم صاروا بعد ذلك أكثر إبداعاً من أحزابهم. كما أن الزمن ذاته "الستينات" بفضاءاته السياسية وتجلياتها الثقافية وتلك الأحلام والآمال الكبرى قد سمح لهؤلاء وأمثالهم بالبروز، والتحليق في عالم الإبداع. فكان الطريق إلى عالم الشهرة الأدبية مفتوحاً، وعراقيله سهلة التخطي.
كان الشعر يستمد شغبه وألقه من الأحلام الكبرى المراد تحقيقها، رغم اشتغاله أيضاً على تلك النداءات الصارخة لضمير جمعي عذبه الفقر والقهر.
كما أنه ليس مطلوباً من المدن أن تنجب شعراء كما تنجب الأطباء والمهندسين.
"في سلمية مئة ألف طالب وطالبة، وخمسة آلاف معلم ومدرس، و1200 قانوني، و600 مهندس، و300 طبيب" حسب احصاءات الباحث إبراهيم فاضل 1998 الذي يكتب الشعر أيضاً.
ومن طرائف مهرجانها الشعري السنوي المستمر منذ أكثر من عشرين عاماً أن الملاحظات ذاتها تعاد وتنشر كل عام مع العلم أنه لا يوجد أي دعم مادي لهذا المهرجان، حتى المكافآت الرمزية التي تعطى عادة للمشتركين غائبة عنه. وما زالت لجنة انتقاء المشاركين تخضع لمزاجية عدد محدد من الأسماء. ومن عجائب هذه اللجنة أنها سمحت لأحد جامعي الأموال من المشاركة في مهرجان الشعر، بعد انقضاء محكوميته، بينما اعتذرت أكثر من مرة عن مشاركة بعض الأسماء بحجة أنهم شعراء شباب مع أن بعضهم دخل في سن الأربعين. وفي هذا المهرجان المستمر يتم مدح المدينة بطريقة تدعو للتوقف، فيصاب السامع بالنشوة المجانية. ويختار مقدمو الشعراء أبياتاً حصرية لمدح المدينة وطبعاً ما زالت الأنا تحلق معلنة أنانيتها المطلقة. فالكل غير راض عن المهرجان، والكل مشارك فيه، وكأن النقمة والنقد والنق ميراث جمعي يشترك فيه الجميع.
الكثير من الأسماء اللاحقة لذلك الجيل الشهير جاءت إلى عالم الشعر من باب الإحساس بالفراغ والرغبة في الحصول على مركز اجتماعي فقد طبقياً ويراد التعويض عنه إبداعياً. فظهرت أسماء خدم أصحابها في سلك القوات المسلحة والشرطة وتمكنوا من نظم بعض القصائد في هجاء الفقر والخوف رغم أن ثروات بعضهم مصدرها الفساد. وأفضل تلخيص وتوصيف للأنا المتمردة في هذه المدينة ما قاله منذر شيماوي:
ومدجج بالصمت لو نطقا
سيظل دهراً يأكل الفلقا
وفي الحديث عن دفاتر الشعر في سلمية يتحدث البعض عن أشعار رائعة مخبأة في دفاتر أصحابها، ولهؤلاء نقول ما الفائدة من كنز لا نعرفه. الأكيد أن تلك الأشعار ستموت في دفاترها إذ لم تر النور والنشر، فالغرف المغلقة مرتع خصب للموت والنسيان.
ثمة مجموعة من الأسماء الشعرية تنتمي شعرياً إلى جيل الثمانينات اشتغلت على تجديد الشكل الشعري فقدمت محاولاتها في فضاء مليء باليأس والحزن فلا الأحزاب احتضنت هذه الأسماء ولا ايديولوجيات ولا مرحلة فيها بعض الأمل. فجاءت أشعارهم غاصة بقلق الأنا المتخمة بالانكسارات والضياع، أنا عارية وجدت تعبيرها في شتلات دالية شعرية بعضها مؤهل للنمو وبعضها أكمل دورته العضوية وانتهى. وضمن هذه الأسماء تقع تجارب خضر الآغا، أكرم قطريب، علي سفر، فاتح كلثوم، مخلص ونوس.. ويمكن أن نصف هذا الجيل شعرياً بأنه جيل أبناء الحرام، لأن جيل الستينات لم يعترف بهم شعرياً والمؤسسات الثقافية الرسمية تعتبرهم معارضة ثقافية بائسة. والعقل التقليدي الشعري يحاربهم في كل مناسبة.
فطار كل شاعر من هؤلاء باحثاً عن ملجأ فردي، في وقت لا خرائط فيه تحدد الجهات والمواسم والمدارس.
أبناء الحرام هؤلاء حفروا في الصخر باحثين عن مجد مؤجل وشهرة ابتلعها الجيل الستيني. وما زالوا على اختلاف درجات وفائهم للشعر يحاولون، ويحاولون.. فمرة يرجمون جيل الستينات بحجارتهم النقدية ومرة يلعنون الزمن الرديء الذي لا يعترف بهم.
ويمكن تسجيل ملاحظة تخص هذا المدينة المتخمة بالقلق تتعلق بغياب شبه كامل للأسماء الأنثوية الشعرية، إن الأمر يستحق وحده مقالة منفردة.


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الاعلام السوري: ديكور السلطة الفاسد

18-نيسان-2011

السلمية منارة الثقافة في سورية.. لماذا هذا الهجوم عليها

06-أيار-2006

فساد التلفزيون العربي السوري

23-نيسان-2006

ماذا لو وقع ماركيز في قبضة رقباء اتحاد كتاب العرب؟

08-نيسان-2006

من الفساد الثقافي إلى الإفساد الثقافي

08-نيسان-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow