Alef Logo
يوميات
              

رنّاتٌ ، وآهاتٌ

ناديا خلوف

خاص ألف

2011-03-07

في صباحِ يومٍ ماطرٍ .تملكتني رغبةٌ قويةٌ في معانقةِ الحياةِ خرجتُ من المنزلِ أبكرَ من المعتادِ . مشيتُ تحتَ قطرات المطرِ الناعم . كانتْ أشبهُ بقبلاتٍ حبيبٍ انتظرَ الوصلَ لسنواتٍ . لم ألحظْ الليلَ عندما اختبأ في ثقبِ مظلتي . أمسكُها مغلقةً في يدي في الصيفِ والشتاءِ . أستعملُها عكازاً عندما يتعبُني الركضُ وراءَ الأحلام . أعتقدُ أنّني إن فتحتُها : سيزيدُ القيظُ في الصيفِ ويرحلُ الغيمُ في الشتاء .
عندما رنّ هاتفي :
ارتجفتْ يداي . سقطَ الهاتفُ إلى الأرضِ .أردتُ أن أتركَه وأمشي . لا يرنُّ هاتفي إلا على وقعِ الألمِ والندمِ والخوف . عندما سقطَ شعرتُ ببردٍ يجتاحني ، ثم دفٍ فغيبوبةٍ . استيقظتُ على صوتِ شعرٍ حماسيّ . كنتُ على استعداد لتلقي الخبر . ازدادَ هرمونُ الشجاعة في دمي . تعالَ إليّ . هل تعتقدُ أنّني أخافكَ ؟ التقطتُه من الأرضِ . أتوقعُ شيئاً ما مستعجلاً مطلوباً مني . لا يرنُّ هاتفي إلا عند حاجتِهم لبعضِ أجزاءٍ من جسدي أو عمري. البعضُ مني عليّ أن أعطيه في الحالِ . لم يكنْ الأمرُ كما توقعتُ . فقط عليّ أن أ دفعَ مبلغاً بسيطاً من المالِ يعادلُ دخلي لمدة شهرين . علي إذن أن . . . .
فتحتُ المظلةَ . أردتُ أن تتوقفَ السماء عن المطرِ .كنتُ غاضبةً . لماذا تمطرين أيتها السماء ؟ توقفي . حصلَ عكس ما تمنيتُ أبرقتْ السماءُ ورعدتْ . حلّت بها غيومٌ تشبهُ ّالليلَ . رأيتُهُ يخرجُ من ثقبٍ في مظلتي انتشرَ على كلّ مساحاتي . عتبتُ على الأيامِ . على حياتي . ذكرياتي .
قلتُ : آه . يا ليلُ . كيف مررتَ إلى صبحي ؟ تغلغلتَ في قلبي وجرحي .
يا ليلُ ! يكفيكَ ما سرقتَ مني من الحكاياتِ . أعدني إلى ضعفي . أرغبُ في البكاءِ أو الندبِ. كف عن ذبحي .
- من أجلِ مبلغٍ تافهٍ تتخلينَ عنّي ! البارحةُ كنتُ أطارحُكِ الهوى . نصطادُ معاً بيارقاً من الهزيمةِ والنوحِ . وُجدتُ لأجلكِ . أضيءُ دربكِ بأقمارٍ ليست من الدنيا ، وأفكارٍ هاربةٍ تحتاجُ لحبّكِ كي أضمُّها إلى بوحي . أنا وأنتِ ليلانِ يتداخلانِ . ضعنا معاً بعدَ دهورٍ من الذوبانِِ في الحبِّ .
- مهلاً يرنُّ هاتفي . خذهُ سأرقصُ معكَ رقصةََ الخوفِ . فماذا عساه يريدُ بعد . . . انتهيتُ من الارتجافِ . أعطني الهاتفَ الآن . إنّني مستعدةٌ لسماعِ الخبرِ الثاني . فقط عليّ أن أضعَ القطنَ في أذني . ألم أقلْ لك خذِ الهاتفَ ؟ مهما طلبتُه منكِ لا تعطني هاتفي بعدَ الآن .
أواه يا ليلُ . في كلّ يومٍ تفترسُ جسدي . تقطّعُ منه أجزاءً وترميها ، لأعطيها . سأرمي ذلكَ الجوّالُ في قهري . أغمضُ عيني ، وأضعُ القطنَ في أذني . أهربَ منكَ ومنهم وفي غفلةٍ إلى الهاويةِ أجري .
- أمورُكِ كلّها في قلبي تعيشُ عمراً جديداً. يلفّهُ سوادَ طهري . حسبتُها حبيبتي . تحتاجين لمئة عامٍ. تستطيعين بعدها الخروج من أزماتك الماليةِ والنفسيةِ . لا تعقِّدي الأمورَ . دعيها تجري كيفما تجري . مئةُ عام في عمرِ الزمنِ هي لحظةٌ تمرّ دون أن ندري .
- عانقني . أدفئني . بردُكَ في أوصالي يرتجفُ ، وفي عمري يقفُ . عالمُكَ ليلٌ أسودُ . عالمي يغبّ منكَ ، ولا يمتلئُ . غني لي عن الآهِ والليلِ أغنيةً حزينةً تجعلني أدقُّ على صدري وأحترقُ .
- غنيتُ لكِ في مكانٍ بعيدٍ ألحاني . قربَ داليةٍ في كرمِ من كرومِ أوطاني . عصرتُ كرومكِ . سكرتُ بها . مازلتُ في نشوةِ السكرِ . ضميني الآنَ لأصحو . معكِ ضيّعتُ لحظاتِ زمني ودهري .
آهٍ منكِ من أزمانكِ العتيقة . من أماكنكِ الخاويةِ من البشرِ
من حبكِ مضى هارباً إلى القبرِ .
من المهرجاناتِ والطبلِ والزمرِ. من العبادات . الخياناتِ . وكل نوائبِ الدهرِ .
تعالي إليّ نعتزلُ الدنيا . نامي على صدري . لنسرعْ . ليالي شوقٍ في انتظارِكِ ، وكلّي توقٌ لأسركِ في داخلي لتكوني سرّي .
أحببتُكِ يا هذهِ منذُ زمنٍ سحيقٍ ، وتهربينَ مني على الدوامِ . أكادُ أفقدُ صبري .
أهاتي رنّاتٌ تدقُّ على أعماقِ قلبي . تسافرُ في وخزٍ يؤلمني. أمسكُ من عصفكَ بيدي صدري .لا تعصفي بي بعدَ الآنَ . اتركيني كما أنا ليلاً بالسوادِ يسري .
- آه يا ليل . لماذا تخفي النجماتِ لما أرغبُ بها ؟ . تخبّئُ القمرَ خلفَ أبوابِ حياتي . تصنعُ من جسدي أرجوحةً تركبها تعبرُ بها إلى أحلامي تلوّنها . تسيطرُ على أنغامي، وتستوطنُ في نفسي . قيثاراتي حزينةٌ تبثك شكوايَ . نسيتَ أن تعطيني مفتاحاً لقلبٍ أردتُ أن يكونَ لي . في ليلٍ هو أنتَ . ما أصعبَ ليلي !
يا ليل عرّيني . حرّرني . واغمرني بحبٍّ من أعماقكِ لا يكويني . أناجيكَ وفي قلبي آهاتٌ منكَ . أعطيكَ دائماً وأفديكَ . أكتبُ بأقلامي البيضَ على سوادِك شعراً . أرسمُ نثراً فيه معانيكَ . تتركُهُ. تهربُ مني . من حياتي . ثمّ تعودُ متعباً . تحتلُّ كل مساحاتي . أضيقُ بك ذرعاً وأرحلُ منكَ. أراكَ قد تبعتَني . بكيتَ منّي . أحنُّ إليكَ .
أنا والليل والهوى نتعانقُ اليومَ . نبحثُ في الزوايا عن الماضي حيثُ لا هاتفَ ولا رنّاتٍ . سنبني صومعةً بينَ الحكاياتِ ونرحلُ إلى أثيرٍ مملوءٍ بعبقٍ من رائحةِ الدنيا . الليلُ لي . توّجني ملكةًً في يومٍ . هو مملكتي التي أجولُ فيها بأمانٍ . أحكمُ رعيتي بالعدلِ أحياناً. بالظلمِ أحياناً أخرى . أجلدُهم . أرعبُهم .وأهربُ منهم كي لا أقتلُ على يديهم . أستيقظُ وأراهم قد فرّوا من ظلمي . يبتسمُ الليلُ ويظهرُ لي ناباهُ . يبدو كمصّاصِِ دماءٍ .
- أنتِ الملكةُ وأنتِ المكانُ والرعيةُ . كنتِ ترعبينَ نفسكِ فقطْ . أستسلمُ لهُ . يحضنُني . يمصُّ دمي ، وأنتشي بالموتِ . يقذفُ بي فأرتمي . أستيقظُ فإذ مازالَ بي رمقٌ .
يرنُّ هاتفي : لم تموتي بعد. هيا قفي على قدميكِ . مازلتِ في عمرِ الشبابِ . لا تهربي !
أعانقُ الستينَ . من جديدٍ ينطلقُ مركبي . أشعرُ بالجمالِِ . بولادةٍ جديدةٍ . أبدّلُ الهاتفَ والرنّاتِ . هاتفي القديمُ لا يلزمني بعد الآن
بدأتُ من جديدٍ . في رحلةٍ جديدةٍ اسمُها الحياة .

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow