Alef Logo
يوميات
              

ملضوم وكبة نية

ناديا خلوف

خاص ألف

2011-03-21

أسيرةُ العقلِ


كتبتُ البارحةَ في مذكراتي عن العقولِ الأسيرةِ . أعترفُ بأنّ ذهني أسيرٌ . أبدأ بكتابةِ فكرةٍ ما . يهيّأ لي أنّ جنيّاً خلفي يكبرُ، ويسحبُني من شعري إلى مكانٍ مجهول. أموتُ من الفزعِ وأتسمرُ في مكاني . أعيدُ العبوديةَ إلى ذهني وأجدُ نفسي أبكي من الظلمِ . عن ماذا أكتبُ إن كانتِ المحرّماتُ تدخلُ إلى غرفِ النوم وتنتهكُ خصوصيتنا ؟ الكتابةُ حريةٌ وترفٌ فكريّ ملوّنٌ بالفرحِ والألم . إن لم يتحرّرْ عقلُنا لن نبدعَ .
غنيتُ اليومَ أناشيدَ الحريةِ . عدتُ بذهني إلى الماضي . عندما اعتقدتُ نفسي حرةً . أردتُ أن أكتبُ عنها لكنّني غيّرتُ رأيي . مسافاتٌ طويلة تفصلُني عنها . ربما أنتم تعيشونها فرحاً - أعني الحرية - ! !
أرغبُ أن أجعلكم تشمّون روائحَ الطبخِ بدلاً من أن أخيفكم بالجنّ . الطبخُ فنٌّ له لغةٌ يتحدُثُ بها من خلالِ روائحه وطعمه ولغة جسده .
مثلٌ منتشرٌ بينَ سكانِ الجزيرةِ السوريةِ العليا " يخصُّ أهل ماردين "يا سعد من حماته ميردليه "
لماذا ؟ لأنّها تجيدُ تحضيرَ الطعامِ .
بالنسبةِ لي : أستطيعُ أن أصبحَ ميردلية . لكنّني لن أتمكنَ من إجادةِ صنعِ الطعامِ مثلَهم .
من أكلاتِهم اللذيذةِ والتي يتبارون في صنعِها "كتل كبار" لا داعي أن أقولَ لكم بأنّ " للكتلِ الكبار" قدرٌ وقيمةٌ . يحتاجُ صنعها إلى مقدارٍ من اللحم المدقوق ، وآخر من اللحم المفروم . ومقدارٌ من البرغل الناعم . لا يقلُّ كلّ مقدارٍ عن كيلوغرام واحد . أنتم ترغمونني على الحديث في السياسةِ . لا. لستُ أنا من تحدّث عن سعرِ اللحمِ . أنتم أخبرتموني بأنّكم لم تعودوا تأكلون لحماً . حالي مثل حالكم . لذا أجدُ أنّه ليس من الضروري أن تتعلموا الطبخة . بإمكانكم أن تتفاعلوا معها عندما تخرجُ ساخنةً من القدرِ الذي تسلقُ فيه، و تكتبوا فيها قصيدة شعر لو شئتم !


ذكرياتٌ تحضرُني


ذكرياتٌ من حياتي الشخصيةِ مازالتْ تحاصرُني .في الماضي عندما كنتُ أعيشُ بينهم – أعني الميردلية - كنتُ أقولُ لهم : أنتم بشرٌ لاحمون . هم يحبّون اللحم والدهن والدسم . درجَت تسميةُ اللحم بينهم بالدولارِ الأحمر . كان زوجي أوّل من أطلقَ هذه المبادرة.
البارحة تذكّرتُ بعضَ المواقفِ : عندما كنتُ أستفزُّ مشاعرَ زوجي لألفتَ انتباهه أنّني غاضبةٌ . أمتنعُ عن أكلِ اللحومِ ، وأصبحُ نباتيةً لفترةٍ ما. كانَ هذا يثيرُ قلقهُ . يخشى على الأولاد أن يقلدونني فتعتلّ صحتهم .
يطلبُ مني في بعضِ الأمسياتِ بعدَ أن ينامَ أطفالُنا أن نتمشى في الحيّ أمام منزلنا كي يعالج هذا الموضوع أو غيرهِ . أشترطُ أن أبقى في ثيابي . أتدثّرُ بشالٍ كبيرٍ . أضعُ يديّ خلفَ ظهري بينما يسردُ عليّ طرائفَ من تأليفه وألحانه . يعدّلها فيما بعد لتصبحَ نكتةُ الموسمِ.ويبقى مصراً على التعليقِ والتأليفِ إلى أن أضحكَ .بعدها ندخلُ إلى المنزل .


نكذبُ على بعضِنا


عندما نكون في حالةِ توافقٍ أكثر من عاديةٍ قليلاً . يقولُ لي : تعالي نخرجُ كي نكذبَ على بعضنا البعض . يعني بذلك أن نتحدّث بحديثٍ ناعمٍ فيه بعضُ الرقةِ والمديحِ الخفيف النكهةِ .
- ليس لديّ مانعٌ أن تضحكي عليّ في بعضِ الأحيانِ . أشعرُ برغبةٍ في ذلك . قولي لي كلماتٍ رقيقةً ، ولو لم تكن صادرةً من داخلكِ . إنّني أحتاجُ لكلماتكِ دائماً . أتفاءلُ بها .
ضحكتُ ساخرةً : تعالِ حبيبي نحتفلُ بيومِ حبّنا .
دخلنا . ذهبَ إلى المطبخِ . أحضرَ سفرةً كاملةً من الطعام على صينيةِ وضعها أمامي بينما أشاهدُ التلفازِ . . . "إنّني مستعدٌ للاحتفال " !
في مرةٍ أتى ملهوفاً بيده وردة حمراء .
- آسف حبيبتي .تأخّرتُ عليك . كل عام وأنتِ بخير .
- لم أكن أعرفُ أنّ لدينا مناسبة .
- اليوم أوّل نيسان "عيدُ المحامين " ! !
ابتسمتُ نصف ابتسامة : " بايخة " ممنوع المشروب والاحتفال !


في أيّامِ الجمعةِ


كان يتبرّعُ بصنعِ الطعام . هو يجيدُ صنع كلّ أنواعِ الطعامِ . طعامه المفضل هو الملظوم" كما تلفظ الضاد في الجزيرة " والكبة النية ، والملضوم يجوز أن يكون من الباذنجان أو البطاطا . هو يحبّ الباذنجان . يقلي القطع ويتبّلُ اللحم الناعم . ثم يضعه بين كل قطعتين فتبدو مصفوفةً في الصينيةِ . يضعها في الفرن ويطبخ الأرز إلى جانبها . يضعها على الطاولة . يمنعنا من الاقتراب .حتى ينجزَ كلّ شيء .
يجلبُ البرغل واللحمة المدقوقة ويصنع الكبة والأولاد يحومونَ حولَه يصيحون : بابا " لا يجي شعر إيدك فيها . بابا جعنا . بابا عجّل " ونجتمعُ على المائدةِ ويتصدرُ المجلسَ. ينسى نفسه بينما يبتكرُ القصص الطريفة والأولادُ يضحكونَ . أتسلّلُ إلى غرفةِ المعيشة . أجلسُ أمامَ التلفازِ ِ أستمتعُ بالأغاني قبلَ أن نتنافسَ على جهاز التحكم .


الحياةُ جميلةٌ


مرتْ حياتنا بسرعةِ الضوء . لم أكن ساعتها أشعرُ بالسعادةِ . ربما كنّا مرهقينَ من النضالِ من أجلِ القضية . القضية وكفى ! . عندما اكتشفنا أنّنا لا نعرفُ عن أيّ قضيةٍ نتحدّثُ. كان قد مرّ العمرُ . تحضرُني هذهِ الذكريات . أنظرُ في اللاشيء . يغسلُ وجهي الدمعَ . أعرفُ قيمة تلك اللحظاتِ الجميلة .الحياةُ تستحقُّ أن نعيشَها . علينا أن نتعلمَ فنّ العيش قبلَ أن تغادرنا .














تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow