Alef Logo
يوميات
              

من دفتري

معتصم دالاتي

2011-03-29

الروبــــــــوت

أول كمبيوتر نزل إلى السوق كان بحجم غرفة متوسطة الحجم وكانت عملياته محدودة ويصرف من الكهرباء ما يعادل استهلاك حارة كاملة ولعل كل من شاهده تمتم بصوت مسموع:
سبحان الله علم الإنسان ما لم يعلم ولو أتيح الآن لمخترع ذاك الجهاز أن يرى ما آل إليه اختراعه من طاقات هائلة وحجم لا يزيد على دفتر أبو العشرة لوقف أمامه وهو مدهوش من منبت شعره حتى أخمص قدميه ومن المؤكد أن الحبل على الجرار في تطوير الكمبيوتر الحالي إلى أقصى درجات الخيال.‏
الكمبيوتر قد أفرز الروبوت الذي يقوم ببعض الأعمال الحركية التي يقوم بها الإنسان ولهذا أطلقوا عليه اسم الإنسان الآلي.‏
أحاول الآن استباق الزمن وأتخيل تطور هذا الروبوت ويشط بي الخيال لأراه مجموعة من الترانزستورات وكمبيوتر وأسلاك وبطارية مكسوة باللدائن المتطورة التي تشبه الجلد واللحم والشعر الذي يحظى بها الإنسان وأيضاً بالأطوال الكاملة المختلفة للإنسان وكل روبوت مختلف عن الآخر بالشكل، فمنها الوسيم والقبيح ومنها الأصلع ومنها العصبي والرايق والمبتسم والعابس والمهذب والوقح والذكي والغبي وبأشكال رجالية ونسائية وشيوخ وسن محير وتجيد الكلام وتتمتع بردود أفعال كأي واحد من البشر وقد ارتدت الثياب المشابهة لثيابنا وأطلقها أصحابها في الشوارع والدكاكين والمؤسسات وهي جميعها لخدمة صاحبها الذي يشتريها من أي سوبر ماركت أو مول وبأسعار مختلفة تتناسب مع نوع وجودة البضاعة.‏
من المؤكد أن هذه الروبوتات ستدخل البشر عالماً جديداً من الرفاهية، وستحل محل الخادمات المستوردة وستتعرض للضرب والإهانة لفش عقد النقص عند البعض إضافة إلى كثير من الأعمال التي توكل إليها غير أن شيئاً واحداً قد يربك الناس في هذه الروبوتات التي تشبهنا تماماً من حيث الشكل والمظهر، حيث سيقع الناس في حيص بيص في اكتشاف من الروبوت، ومن الشخص، من الحقيقي ومن المزيف؟‏
أتراجع الآن عن هذه الفكرة الأخيرة لأنني للتو تذكرت أننا في حياتنا المعيشة الآن، كم من الزمن لزمنا لنكتشف أن كثيراً من الأشخاص الذين نتعامل معهم على أنهم بني أدميين وهم مزيفون لا يملكون أي صفة من الصفات التي يجب أن تتوافر في الإنسان.‏
إذا تحقق الحلم بالروبوت المشابه للإنسان فلن يتغير الأمر كثيراً، فالمزيفون أكثر من الأزمات في كل زمان ومكان.‏
اختلاف الأزمان
والدي رحمه الله، الذي توفي في ثمانينات القرن الماضي لم تتح له مشاهدة التلفزيون إلا بضع سنوات أواخر حياته، حيث كان هذا التلفزيون مقتصراً على قناة سورية واحدة بالأبيض والأسود ودون شريط أخبار،
ولم يكن باستطاعته تغطية هذا الكم الوافر من أخبار العالم كما هو الآن، ومع أنه أي والدي عايش الحرب الكونية الثانية إلا أنه لم يكن يتلقف من أخبارها إلا الجزء النزير، لأنه لم يكن يملك راديو، حتى إن حارتنا بأجمعها لم يكن من بيت يمتلك حظوة ذاك الامتلاك، أما أخبار الحرب العالمية الأولى فبالكاد كان يحصل على بعض منها، وبأزمنة متباعدة من بعض الفارين من السفر برلك.‏
أما جدي الذي توفي قبل ذلك، فقد عايش بعض المعارك التي كانت تحصل في مدينته بين حارة وأخرى بالسلاح الفردي الذي هو المقلاعة والتحجير، حيث الإصابات محدودة ولا تخلف شيئاً يذكر من الخدوش أو الرضوض، أما الحروب والمعارك التاريخية فقد كان يتلقف أخبارها من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة آنذاك والتي كانت تنقل حصرياً من أقنية المقاهي الشعبية، حيث كان المذيع الوحيد، الذي يحمل اسم الحكواتي ينقل لمشاهديه ومستمعيه الكرام تفاصيل حرب داحس والغبراء، والزير سالم والبطولات المذهلة لعنترة من شداد، وتصديه للأعداء يقطع رؤوسهم في الكر والفر، فهو كان- أي الحكواتي- لا يختلف عن معظم وسائل الإعلام المختلفة في عصرنا الحالي والتي تعرف بوصلة انحيازها من طريقة عرضها للخبر.‏
الحكواتي كان وسيلة إعلام خاصة، غير أن للدولة آنذاك إعلامها الرسمي المتمثل بشخص يجوب الأحياء والساحات، وهو ما يمكن أن نطلق عليه صفة «المراسل» وقد كان يحمل طبلة ينقر عليها بضع نقرات بما يشبه الشارة الموسيقية للإذاعة والتلفزيون، ثم يقرأ الخبر الصادر عن السلطنة والسلطان، ويختمه بالشارة الموسيقية ذاتها، ثم يتابع طريقه مكرراً الحالة نفسها حتى انتهاء الدوام الرسمي،‏
ما يجري الآن، ولو في أبعد نقطة من العالم، يصلنا مباشرة من وسائل إعلام لا حصر لها مع الصوت والصورة والتحليل، ونحصل على خبر مفرح، وآخر حيادي، والكثير مما يملأ القلب بالسواد، فالعالم يزداد بؤساً رغم ما يمتلك من رفاهية ووسائل الاستمتاع بالحياة..‏
ومازلت محتاراً هل أغبط نفسي على جحيم المعرفة، وأرثي لجدي نعمة الجهل؟ أم أرثي لنفسي، وأغبط جدي؟.. والله محتار.‏

أبجــــد هـــوز جريدة الثورة
معتصم دالاتي


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ثم وحدي سكرت

29-شباط-2020

ثم وحدي سكرت

01-شباط-2020

الحب هو سيد الموت

14-كانون الأول-2019

السارق المسكين

27-نيسان-2019

حوار مع النفري

23-آذار-2019

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow