Alef Logo
يوميات
              

نوباتُ الهلعِ

ناديا خلوف

خاص ألف

2011-04-18

الاكتئابُ ! ما هو سببُ حدوثه ؟ يقول الأطباءُ أن سبّبه خللٌ في إفرازات الدماغ . لن أستندَ إلى رأيٍّ طبيٍّ . لذا فإنّ كتابتي غيرُ موثّقةٍ بدليلٍ علميٍّ وكما أنّ بعضَ المحللين . يحلّلون كيفما اتفقَ . سأكونُ اليوم مثلهم . وأبدأ من عامودا :
تلك البلدةُ الرائعة التي سكنتُ فيها لعدةِ سنواتٍ حيث كان رفاقي وأصدقائي. في عامودا تكثر المقاهي والجوامع ، وبين كل جامع وآخر جامع ثالث . مدينةٌ معروفةٌ بمقاهيها حيث يسهرُ الرجال إلى ما بعد منتصف الليلِ، ثم يعودون إلى بيوتهم مثل طلاب المدارس . هناك نسبةٌ لا بأس بها من المجانين أيضاً. يزدادُ جنونهم في فصلِ الصيفِ. أستطيعُ أن أحسبُ نفسي عليهم اليوم ! . أذكرُ منهم " أحمد دين " هو معروفٌ . كم اشتقت لرؤيته ! لا أدري إن كان حياً . كان يبيعُ قلاداتٍ للنساءِ كتبَ عليها "الله " أو "محمد". تعودتُ أن أشتري منه كلّما أتى إليّ قلادةً . ثمنها ضئيلُ ، والحديثُ معه يستحقُّ الثمن.
- أسأله: كم بعتَ اليوم ؟
- بعتُ خمسةً" الله " وأربعةَ "محمد "
الجميعُ يسألُه نفسَ السؤال، ربما يغيّرون في طريقته ، فيسألون: كم محمدا بعتَ اليوم. هو يعرفُ ما يقولُ. يعتبرُه جزءاً من التسويق .
أغلبُ أفراد عائلةِ زوجي كانوا يذهبون إلى الدكتور "جمال الأتاسي" في دمشق. هم دائماً يتذكّرون حقوقهم على أنفسهم. يدلّلونها ويعتبرون أنّ زيارةَ الطبيبِ النفسيّ هو نوعٌ من الترفِ. يتمتّعون بلحظاتِ جنون جميلةٍ، وربما بلحظاتٍ مجونٍ في دمشقَ. لمَ لا ؟ ثمنُ الموسمِ بين أيديهم . كلّهم يدّعون الاكتئاب . أحياناً يلتقون بالصدفةِ هناك. يتبادلون أدويةَ الاكتئاب كما السجائر . ويتذرعون بالجنونِِ عندما تزيد طلباتُ الأولادِ والزوجات .
نحنُ لم نذهبْ أبداً - أعني أنا وزوجي - لم نكنْ نحتاجُ الأدويةَ لندّعيَ الجنونَ . الموضوعُ لدينا حقيقيٌّ . لا يحتاجُ إلى ادعاءٍ . بعدَ خلافٍ نراهنُ فيه على مقدرةِ كلّ منّا على إثباتِ جنونه . يبتسمُ زوجي قائلاً : صحيحٌ نحنُ مجانين ، لكنّ جنوننا " حلو " وإلا كيف أحبّتنا كلّ تلك النسوة .
أحبُّ أهلَ عامودا . هم أيضاً يحبونني . هناكَ رفاقٌ لي سموا أسماء بناتهم باسمي . طبعاً " كان يا ما كان في قديم الزمان "
بقيتُ أنتمي لهم بجنوني !
ليلُ البارحةِ كان موحشاً . شعرتُ أنّ نوبةًً من الفزع تجتاحُني . مشيتُ بينما كنتُ نائمةً . نزلتُ إلى الشارعِ حافيةً القدمينِ . عرفتُ بعدَ دقائق أن الموضوع ليس طبيعياً . عدتُ إلى سريري . ربطتُ نفسي بملاءةٍ كبيرةٍ أدخلتها تحتَ السريرِ . كنتُ متسلطةً كثيراً عليها . عندما عقدتُ الملاءةَ قلتُ لها أعني "لي" : نامي أيتُها المجنونة . لكنّني رأيتُ نفسي بعد دقائق أمشي ، والسرير يصطدم بالبابِ . استيقظتُ ثمَّ ذهبتُ إلى الصالةِ .
في الصالة . شاهدتُ الأغاني على محطّاتٍ هابطةٍِ . أحبّ الأغاني الهابطةِ ففيها يطول الغمز واللمس . حزمتُ خصري .
- ارقصي أيتها الدعيّةَ. الحياةُ لا تستحقُّ العيشَ . كانت لي رقصةٌ طويلةٌ معَ الفزعِ . شاركني فيها خيالاتُ الأشباح . كلّهم جاهزون من أجلي . صفّقوا لي . انحنيتُ لهم كما تنحني الراقصات .قلتُ : شكراً .
في لحظةِ ما رأيتُ المسيحَ يصلبُ ، ثم يقومُ . رأيتُ الحلاّجَ يبتسمُ وهم يقطّعون يديه . كنتُ المجدليةَ في تلك الليلةِ . شهدتُ على قيامةِ المسيح . . المسيح ُ قااام.حقاً قااا م
أسمعُ صوت الحلاج ينشدُ :
"كفرتُ بدين اللهِ والكفرُ واجبٌ
لديَّ وعند المسلمين قبيحُ "

لم ينته الليلُ المفزعُ . شعرتُ بنفَسي يضيقُ . ضرباتُ قلبي تزدادُ . كما شعرتُ بحاجةٍ للهروب . استيقظتْ ابنتي وكأنّّها أحستْ بألمي .
- لم تنامي جيداً . هل تشعرين باكتئابٍ ما ؟
- أكثر قليلاً ؟
- ماذا تقصدين ؟
تجتاحني نوباتُ الذعرِِ . أربطُ نفسي إلى السرير . أرى شخصاً بيده قيودٌ يبتسمُ . يوثقُ يديّ . يسخرُ مني : هل مازلتِ على قيدِ الحياة ؟
لا . لا اختفى ذلك الشخص .
رأيتُ الحلاّجَ . . المسيح . . الحسين . . رأيتُ . . . رأيتُ ! !
- منذُ متى شعرتِ بهذه الحالة ؟
- منذُ أن ولدتُ حبيبتي . لا تفكري بالأمر كثيراً. نوباتُ الذعر هي هوايتي . منذ الطفولةِ الأولى طاردتني الجنيّة والقرينةِ . أمّي كانت تطلبُ مني أن أبسملَ . لكنّهم اليوم يأتون إليّ وقد غيروا هيئاتهم . عندما أبسملُ يزدادون تألّقاً . يبتسمونَ . يمتلئ قلبي بالرعبَ والدمارِ . لم يعودوا يرحلون من عالمي . أصابُ بالهلعِ على الدوام حبيبتي . لا تسألي عنّي . كوني لنفسك فقط . فأنا قد عفا عليّ الزمان .
- كيفَ أكونُ لنفسي . أنتِ أمي التي أراها في داخلي . ويصيبني ما يصيبها من الهمّ والنوباتِ . نوباتُ الهلعِ قدرٌ علينا يا أمي. داخلُكِ الضعيف الخائفُ الهاربُ ملأنا به . أصبحنا هشّين كالزجاجِ . نتهشّمُ بسرعةٍ. اهدئي ، فبعدَ كلّ ليلٍ صبح . تعالي نامي قربي . . علنا ندفأ ونشعرُ بالحياة ! !

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow