Alef Logo
يوميات
              

عن الاستقلاق والصداقة

معتصم دالاتي

2011-04-26

عيد كل السوريين


في مذاكرة تحريرية لصف من طلاب المرحلة الإعدادية كان السؤال يتعلق بعيد الجلاء، قلائل هم الطلاب الذين قاربوا الإجابة عن الموضوع والأغلبية كانت إجاباتهم ملتبسة أو بعيدة
عن فحوى السؤال وأحد الطلاب أجاب إنه يوم عطلة رسمية لا نذهب فيه إلى المدرسة وجميع الأوراق خلت إجاباتها من أسماء مثل سلطان باشا الأطرش أو الشيخ صالح العلي أو ابراهيم هنانو وسواهم من قادة الثورة السورية الذين ساهموا بتحقيق الجلاء، وهل يمكن إغفال الرئيس شكري القوتلي والشاعر بدوي الجبل وفارس الخوري مندوب سورية لدى الأمم المتحدة آنذاك؟ غير أن القصص والروايات الشعبية هي الأبقى في الذاكرة لأنها تجعل القلب يصدح بالموسيقا.‏
كان الثائر نظير النشيواتي مطارداً من قبل إحدى دوريات العسكر الفرنساوي، حيث التجأ إلى أحد البيوت التي كانت كلها ذات فسحات سماوية، ولم تجد صاحبة المنزل وسيلة لحمايته سوى أن تطلب منه الجلوس ووجهه إلى الحائط، وتجلس هي إلى عتبة الغرفة، بعد أن أحضرت الماء والصابون لتأخذ وضعية المستحمة، ففي تلك الأيام كانت عتبة الغرفة هي مكان الاستحمام، وحين أصبحت دورية العسكر في فسحة الدار كانوا على ثقة من وجوده فيها، ففتشوها شبراً شبراً ولم يعثروا على الرجل ولم يبق أمامهم سوى تلك الغرفة التي يتدفق من عتبتها الماء والصابون، ولما هموا باقتحامها صرخت بهم تلك المرأة من خلف الباب: ألا تخجلون من أنفسكم؟ إني استحم ثم شقت الباب قليلاً لتريهم شعرها وجزءاً من كتفها المبللين بالماء والصابون. وهنا تراجعت الدورية وخرج أفرادها من المنزل وهم يتساءلون أين اختفى ذلك الجني؟ ولم يخطر ببالهم أن تقوم سيدة في بلد محافظ بعمل عظيم كهذا لحماية ثائر من بلدها ضد الاحتلال.‏
ارتدت المرأة ثوبها وانتظرت حتى تأكدت من مغادرة الدورية وأن الوضع أصبح آمناً فطلبت من الرجل الخروج، أما هو فكان آنذاك مطأطئاً رأسه استحياء أمام تلك المرأة، وهو الشامخ الرأس أمام جبروت الفرنسي المحتل، وحين همّ بالمغادرة، دون أن يرفع رأسه إليها قال: الله يخلي لك ولادك يا أختي أم الياس، ولعلها تمتمت بالعبارة المتداولة على لسانها: «العدرا تحميك».‏
كان من عادة بعض الصبية بعد انصرافهم من المدرسة أن يرشقوا مصابيح الحارة بالحجارة للتمرين على إصابة الهدف بغية التسلية، وأثناء اصطفاف أولئك الصبية في تحية العلم الصباحية بعد الجلاء دخل إلى المدرسة خيرو الشهلي وكان من الثوار وطلب من المدير أن يقول لهؤلاء التلاميذ كلمتين، قال المدير: تفضل يا خيرو، قال خيرو للتلاميذ: يا أولادي كنا نكسر مصابيح الكهرباء بالحجارة أيام الفرنساوي وهلق بعد الاستقلال صارت كل هالمصابيح إلنا كلنا يعني لكل السوريين.‏
أصدقاء بلا حدود


رن جرس الموبايل وأنا في دمشق. كان صديقي الشاعر عبد الكريم الناعم قال: ماذا جرى معك عند الدكتور؟ قلت:أعطاني إبراً وحبوب حديد ويعود خضاب الدم إلى طبيعته. وغداً أعود إلى حمص وأتصل بك. قال: احكِ لي الآن بالتفصيل.
أعرف أن الكلمة أو الحرف أو النفس بعد الدقيقة في شركتي الخلوي كانت تحسب دقيقة كاملة.‏
قلت: لا بأس فأنت المتصل وأنت من يدفع ثمن مكالمة الموبايل. قال: أولست صديقك؟.‏
منذ مدة ذهبت إلى المشفى لزيارة صديقي عبد الكريم الناعم إياه حيث أجرى عملية جراحية.‏
في الكوريدور وعلى باب الغرفة وداخل الغرفة كانت زوجته وأولاده الشباب والبنات وكناينه وأصهرته وأحفاده وهم يشكلون قبيلة كاملة العدة والعتاد.‏
سألته: كيفك يا أبو اياد؟ أجاب: والله موجوع. أردت التخفيف عنه فقلت إن الألم عابر ويزول. المهم ما أنت محاط به من الأهل والأصدقاء فهم الدائمون.‏
وعندما خرجت من الغرفة رافقتني ابنته سراب أم عيسى.. كنت أفكر بالوحدة التي أعيشها ولا أشتكي أو أعاني منها فذكرت لها ما قلت لأبيها. أجابت: والله ياعمو.. بس تقول آخ حتى تلاقينا كلنا عندك. قلت: تسلمي يا عمو. قالت: نحن أولادك عمو أبو نوار. وهممت بالرد لكن صوتي اختنق وعجزت عن حبس دمعتين كانتا كبيرتين بحجم فرحي آنذاك.‏
هي لم تقل نحن مثل أولادك بل قالت نحن أولادك.. لم ألتفت إليها وتركتها مسرعاً لأنني لا أريد أن تراني وتنقل لأبيها وإخوتها صورة العم القوي وهو في أقصى حالات الضعف.. ضعف شخص هبطت عليه هبة أكبر من أن يقوى على حملها.‏
قديماً قالوا: رب أخ لك لم تلده أمك ولعله أيضاً رب أولاد لك لم تلدهم زوجك، وسمعت مرة من صديقي الشاعر عبد الكريم أيضاً أن الإنسان هو جنة أخيه الإنسان.‏
وأعرف أن الأولاد يحملون من آبائهم محبته لأصدقائه، وأذكر قول المسيح ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وقد يرى البعض أن الخبز يحتاج إلى بعض الإدام من لحوم وخضار وطبيخ.‏
ويرى آخرون أن الخبز يجب أن تتوافر معه الكرامة وهذا وذاك صحيح.‏
ولعل السيد المسيح كان يقصد المحبة مع الخبز لأنه القائل الله محبة، والمثل الصيني يقول: إذا كان لديك رغيفان فبع أحدهما واشترِ بثمنه وردة.‏
الوردة هي الجمال والجمال هو المحبة والمحبة هي شهية الحياة.. والخبز بلا محبة هو طعام بلا شهية ولا حياة.‏
ليعذرني الإخوة الصينيون إذ أضيف بأن الوردة التي اشتريتها بثمن الرغيف الذي بعته.. لا تحتفظ بها لنفسك بل قدمها لأول شخص قد تصادفه في الطريق.‏
عن جريدة الثورة




تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ثم وحدي سكرت

29-شباط-2020

ثم وحدي سكرت

01-شباط-2020

الحب هو سيد الموت

14-كانون الأول-2019

السارق المسكين

27-نيسان-2019

حوار مع النفري

23-آذار-2019

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow