Alef Logo
يوميات
              

في دارةِ أمّ العبد 2

ناديا خلوف

خاص ألف

2011-05-09

اقتصاد


يعملُ أبو العبد سائقاً على سيارةٍ حكوميةٍ تنقلُ العمال من القامشلي إلى حقلِ الرميلان .يعرّفُ عن نفسِهِ : أنه مرتبطٌ بالأجهزةِ الأمنيةِ ، لكنَّ هذا ليس صحيحاً . رغبتُه بذلك تبوء دائماً بالفشلِ ، ولا أحدَ يعطيه أهميةٍ . المكانةُ هي لزوجته . كلُّ ما استطاعَ فعلَه هو شراءُ مسدّسٍ وترخيصه . يضعُه على خاصرته متباهياً .
في إحدى المراتِ كنتُ مع زوجي في طريقِنا إلى المكتبِ. في الشارع المقابل لنا عربياتٌ عليها ثيابٌ داخلية وجوارب . اشترى أبو العبد ما يقاربُ ربع الأشياء الموجودة على إحدى العربيات . كنّا نراهُ كيف ينتقي . عندما نزلنا من السيارةِ
- قالَ البائعُ متشكياً : لقد أخذ رزقي لأسبوعٍ كاملٍ . ماذا سأطعمُ أسرتي.
- سألَه زوجي: من هو ؟
- ذلكَ الشخص .عنصرٌ من الأمنِ السياسي .
- لا تصدّقْه إنّه يضحكُ عليك .
- أحقّاً !
- نعم . نعم . اركض خلفه واجلبْ بضاعتك ولا تخفْ .
ركضَ البائعُ إليهِ . أمسكَه من ياقته . أجبرَه أن يعيدَ الأشياءَ وهو يهدده . " سأذهبُ إلى الأمن السياسي لأشكوك " شاهدنا ذلك من شرفةِ مكتبنا .
لم يكنْ أحدٌ في الحيّ يتعاطى مع أمّ العبد إلا بالتحيةِ فقط . لكنّها هي من كانتْ تهبُّ على الدوام لمساعدة أبناءِ الحيّ ونجدتِهم ، ومن بابِ الأدبِ لا يمنعونها . يدفعون بعدها الثمنَ غالياً ، وبالمالِ أحياناً . ثم يقاطعونها . أما أنا فلم أقاطعْها . أحياناً أجلسُ لدقائقَ معَ النسوة أمامَ باب ِ دارها المفتوح على مصراعيه وكلما أتاها زبون – عفواً موكل – تتهامسُ النسوةُ ، وتبقى الجلسةُ مستمرّةً .
برنامجُ أمّ العبد اليومي يبدأُ في السادسةِ والنّصفِ صباحاً ، حيثُ تزورُ بيت "أبو أيهم" المسؤول في الأمن السياسي قبلَ أن يخرجَ الرجلُ من منزله . وبعدها بدقائق تكونُ قد أخذتْ منه موعداً لرجلٍ ، أو لعدةِ رجال قد يكون أبو أيهم متبرعاً بمساعدتهم من أجلِ سيدةٍ طرقتْ بابَهُ .هو في جميعِ الأحوال لم يكن يفهمُها . أما هي فتحاسبهم على خدمةِ خمسة نجوم دائماً . في الساعةِ العاشرة صباحاً . لها موعدُ معَ سوق الخضار حيث يأتي أبو العبد ومعه سيارةُ العمل " ليس كلّ يوم " يذهبا في جولةٍ صباحيةٍ إلى سوقِ الخضارِ . يعودان بعدها بالغنائمِ محمّلةً .
همسَ زوجي بأذني : هيا أسرعي !
- ما الأمرُ ؟
- سأشرحُ لكِ فيما بعد . عندما وصلنا إلى سوق الخضار سألتُه :
- لماذا نحنُ هنا؟
- من أجلِ أن تتعلمي كيفَ تقومينَ بالغزوِ مثل جارتك .
كانتْ تتحدّثُ معَ البائعِ :" الرائد أبو ثائر يرغبُ ببعضِ الخضارِ والفواكهِ الطازجة " تنتقي الخضارِ ، والبائعُ يقفُ لا حولَ ولا قوةَ لهُ . وليس للرائدِ علمٌ بهذا الأمر ،لأنّ ما تأتي به يدخلُ إلى منزلها ولا يخرجُ .
- هل جلبتني فقط من أجلِ أمّ العبد ؟
- نعم . أليس ذلكَ أفضلَ من أن تجلسي إلى التلفاز . أقدّم لكِ مسرحياتٍ من الواقع . ستكونُ أمّ العبد السببَ الأوّلَ في انهيارِ الاقتصاد المحلي ، ثم العالمي .
رآنا أبو العبد، وكانت سيّارتنا على وشكِ الانطلاق .
- كيف حالك يا أستاذ ؟
- أهلاً وسهلاً . " يلعن أبو اللي يحبك "
- لقد سمعكَ الرجل !
-هل تسمينَ هذا رجلاً ؟ يا حيف !
كم خجلتُ من الموضوعِ . خفتُ أن يكون قد سمعَ هذه العبارةِ !
بعدَ أيام أتت أم العبد لتستعيرَ حذاءً من أحذيتي ، لأنّّها ستسافرُ مع زوجها إلى العراق . لترى أخت زوجها على حدّ قولها .
- في العراقِ حربٌ ! كيفَ تغامرينَ بحياتك ؟
- لا . الوضعُ آمنٌ في المكان الذي سنذهبُ إليهِ بعدَ أن اصطادَ أحدُ الفلاحين طائرةً أمريكيةً !
أعطيتُها الحذاء : هو لكِ لا تعيدينهِ .
استعارت من سيدة بدوية ثوباً بدوياً ثميناً، سامحتْها المرأة به . ذهبت مع زوجها إلى العراقِ لمدة أسبوع .
عندما عادت جلبت لي بعضَ التّمر، وضعتُه على الفور في سلةِ القمامة . بناء على نصيحةِ زوجي . يقول أنّها قد تضعُ لنا السمّ !
أتت أختُها لزيارتِها بعدَ أيامٍ . همستْ في أذني : يقالُ أنّ أمّ العبد وأقاربها سطوا على بنكٍ في الموصل .
- أنتِ تمزحين !
-لا .لا. اليوم قالتْ لي : أنّ لديها بعض الوفرةِ في المال ستشتري بهِ ذهباً تخبئهُ لوقتِ الحاجةِ .
فعلاً . بعدَ أيّامٍ امتلأت يدا أمّ العبدِ بالأساور الذهبية ، وصلتِ الأساور حتى الكوع . كانت تكفكفُ أطرافَ أكمامها لتغطي الذهبَ خوفاً من الحسدِ . من يومها أيضاً قاطعتْ بيت أبو أيهم . وبدأتْ بحملةٍ وطنيةٍ طالت بها أبا أيهم وزوجته . نقلتْ نشاطها إلى مرتبةٍ أعلى بعد عودتها من العراق .
سألتني أمّ أيهم : من أينَ لأم العبدِ تلكَ الأساور .
- من عرقِ جبينها !
سمعتْنا نتهامسُ . عرفتْ أن الأمر يخصُّها . تجاهلتْ ذلك . قالتْ لي أمام أم أيهم : خلعتُ الليلةَ الفائتةَ جميع أساوري أعطيتهم لحمزة . فزعتُ لهُ .
.
- ومن هو حمزة ؟ سألتْ أمّ أيهم ؟
-هل هناكَ أحدٌ لا يعرفُ الشيخ حمزة ؟ هو من شيوخِ طي .
لم تتحملْ أمُّ أيهم الكلام .
- أنتِ تفزعين للناس ! أعطيتِ الذهبَ على أخضرَ ، بالسلفِ .
انسحبت أم أيهم وذهبت إلى منزلها .
- إنّها تغارُ مني . نعم أعطيتُ الذهبَ على أخضر . استشرتُ الشيخُ، وقالَ لي يجوزُ ذلك . بيعُ السلفِ غيرُ محرّم . هل نعرفُ نحنُ أكثرَ من الشيخ ؟ أبو العبد لا يأكلُ مالاً حراماً ! !


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow