Alef Logo
يوميات
              

في دارة أم العبد 4

ناديا خلوف

خاص ألف

2011-05-23

ثقافة
العصرُ الحاليُّ هو عصرُ العلمِ والثقافة . عندما تشبعُ معدةُ المرءِ يلتفتُ إلى القيم التي تخلّده ، كالنبل مثلاً . بعضُ الناسِ يتجاوزُ طموحُهم النبل . يرغبون في إثباتِ أنفسهم في مجالاتٍ إبداعيةٍ تنقصُهم . أمّ العبد لديها وثيقة إتمام المرحلة الابتدائيةِ ، وكذلك زوجها . زوجها لم يعدْ يرغبُ بالوظيفةِ . وهل تريدونه أن يعملَ طوالَ حياته سائقاً ؟ المرأةَ أيضاً لم يعدْ يناسبُها أن تكون زوجةَ سائق .
في أحدِ الأيامِ جلبتْ لنا صحناً كبيراً مملوءاً بالكوارع ، والكرشة المطبوخة . لم أعرفْ ماذا سأفعلُ بالطعام . أخجلُ أن أعيدَه. لابدّ أن آخذَه وأعيدَ الصحن مملوءاً . ليس عندي ما يملؤه . عائلتي صغيرة . أشتري حلويات مثلاً أملؤه بها ، أو أضعُ فيه نقوداً . في هذهِ المرةِ حلفتْ أم العبد يميناً أن لا أعيده إلا فارغاً ،يميناً تكرّره في اليومِ ألف مرةٍ ولا تعملُ بهِ ولا مرة . طبعاً قلبتُ الطعام فوراًُ في القمامة . حاولتُ أن أبقيه لأعطيه لأحدهم ، لكنّ زوجي رفضَ : قد يكون مسموماً فتقتليه !
في اليوم التالي أتت مع زوجها إلينا في سهرةٍ دون سابقِ إنذار . طلبا بعضَ الدقائقِ منّا . كانتْ زيارةُ عمل . تحدّثَ أبو العبد مالئاً وجوهنا بتفاتيفه .
- قالَ : أنّ الجميعَ يجلبُ شهاداتٍ جامعيةٍ من روسيا .
عدّدَ بعضَ الأسماء التي حصلتْ على دكتوراه من هناك .
- هم لا يحملون حتى ثانوية . هؤلاء ليسوا أحسنَ مني . سوفَ أترشحُ لرئاسةِ البلديةِ لو استطعتُ جلبَ هذه الشهادة .
- ومن سيجلبُها لكَ ؟ قالَ زوجي.
هناك شخصٌ في الحزب الشيوعي السوري مقيمٌ في موسكو هو من يساعدُ الناس في تحقيق أحلامهم . لن ننساكم إن تمّ الموضوعُ على خير . وقفتُ في مكاني دونَ حراكٍ . اهتزتْ صينيةُ القهوةِ وانقلبَ جزءٌ من القهوةِ الساخنة على ثيابي . لم أصدّقْ أذنيّ في البدءِ . لكنّني أعرفُ الكثيرَ ممن اشتروا شهاداتهم من هناك . فوجئت فقط باسمِ السمسار الذي يقيمُ في موسكو، ولهُ مرتبةً عاليةً في قيادةِ الحزب !
سألَه زوجي ثانيةً : تريد شهادة جامعية !
- ولمَ لا ؟ إنّني أستحّقها . بسببِ الفقر لم أتمكنْ من أخذها .
- منذ اليوم سأعلنُ الحربَ على الشيوعية . هيا اخرجْ من بيتي . أنتَ وزوجتك . صحيح اللي استحوا ماتوا .
دوماً نحنُ الخاسرون . عندما ذهبَ أبو العبد إلى موسكو . وأتى بالشهادةِ وزعوا الحلوى على الجيرانِ . لم يكنْ لنا في الطيب نصيب !
جرت انتخاباتُ البلديةِ أيضاً . لم تقبلْ شهادة أبو العبد لأنّه ليس لديه شهادة ثانوية ،حصلَ على واحدة من روسيا فيما بعد ، وتمّ تعديلها بطريقةٍ ما . لم يعدْ يرغبُ في البلدية . يرغبُ الآن في أن يكونَ في منصبٍ سياسيّ هام .
أم العبد تؤمنُ بالمساواةِ : تقولُ لي على الدوامِ : أنّها أذكى من زوجها . عليها أن تحصلَ على شهادةٍ أيضاً . الشهادةُ الإعداديةُ كافية . هي ليست طمّاعة . بدأتْ تغرّبُ وتشرّقُ إلى أن أعلنت أنّها ستذهبُ إلى دمشق لتزور أختها وتقدّم امتحان الإعداديةِ . أخذت معها إحدى الشابات اللواتي حصلن حديثاً على الثانوية ، دفعت لها عشرة آلاف ليرة وألبستها لباسها . قدّمت الامتحان ونجحتْ بمعدلٍ جيد تمكنتْ بعدها من الحصول على وظيفة في مكتب الحبوب .
أم العبد تؤمنُ بمبدأ الجار إلى سابع دار ، ومع أنّني ألقي عليها التحيةَ بمزاجي . أحياناً أقرّرُ أن لا ألقي التحية عليها لمدة أسبوع ، دون أن أبدو متعمدة ، لكن هيهاتَ أن تكونَ مثلي ! تقولُ السلامُ لله . هي متسامحة لطيفةٌ وبخاصة عندما أقاطعُها .
أتتْ إليّ البارحة : إنْ كان يلزمُكم مساعدة في مكتب الحبوب .
- مثل ماذا ؟
- تسلِّمون قمحكم دون دور . ونعطيه درجة أفضل .
لكنّ دائرتنا ليست هنا .
- قولوا لنا أين هي . سنقومُ بالواجب .
لم أهتمّ لكلامها ، لأنّ شركاءنا في الأرض اشتروا أشخاصاً يفوقون أم العبد درجةً في مكتبِ الحبوبِ ، وهم يسيّرون الأمورَ ، ولسنا نحنُ .
أتى زوجها في اليوم التالي .قالَ لزوجي :
- بإمكانكَ أن تسلّم القمحَ إلى أبو محمد في مركزكم . ضع يا أستاذ في بعضِ الأكياس حصى إن شئت !
- كلامك على راسي . لكن لا يوجدُ في الجزيرة حصى على حدِّ علمك . إنّ الأراضي التي نزرعُها طينية سوداء ليس فيها حصى . لذا تكرّم واذهب في الحالِ قبل أن أستدعي الشرطة ! !
- أنتَ متكبِّرٌ . أردنا أن نخدمَكَ . عليكَ أن تعرفَ أنّ المستقبلَ لنا . سيأتي يومٌ تأتي إليَّ لأنّكَ ستحتاجُني . إنّكَ لا تمّثلُ الفقراءَ . والدكَ كانَ غنيّاً . عليهم أن يسقطوا عضويتك في الحزبِ . لأنّكَ لا تمثلُ العمالَ والفلاحين !
- قالَ له زوجي وهو يفتحُ الباب : أنتَ على صواب . فقط عليك أن تغادر . أغلقَ البابَ بلطفٍ ، وهو يقولُ لهُ مع السلامة . ثمّ ضحكَ وقالَ لي :
أيّتها الخائنة للقضيةِ . امسكي بيدي . اشتقتُ أن تحدثيني ونحنُ نتمشى في الشارعِ أمام بيتنا . ابقِ كما أنتِ . أشعرُ بمزاجٍ جيد بعد أن طردتُ أبو العبد . في الغد سأطرّدُ أم العبد . أتدرين لماذا ؟ لأنّهما سيكونانِ السببَ في الكارثةِ الأخلاقية التي تعمُّ الوطن العربي . كما أنّ دورهم سيساعدُ على انهيارِ القيمِ في العالمِ كلّه . ألا ترين أنّي على حقٍّ ؟
- نعم . أرى أنّك مجنونٌ بامتيازٍ ، وأنا معجبةٌ بذلكَ الجنون ! !

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow