Alef Logo
ضفـاف
              

ماذا نقرأ عن السياسة السورية ؟ عن مجلة الفورين أفيرز ـ ترجمة

ألف

خاص ألف

2011-06-22

بالنسبة لمعظم الأمريكيين تعتبر سوريا مكانا مجهولا و غامضا. و موقفهم تجاه سوريا تأثر بنصف قرن تقريبا من المواجهة و الحروب و العداء المتبادل ، و لم يقطع تلك السيرورة غير فترة قصيرة من التفاهم القلق. و حتى مع دخول دمشق و واشنطن في مرحلة جديدة من العلاقات تحت إدارة أوباما ، ارتبطت اللغة المتزمتة و التوقعات البطيئة و المحدودة مع التقارب الديبلوماسي. و يتذكر الأمريكيون غالبا الملف السوري ليس بسبب أهميته الاقتصادية و الاستراتيجية و لكن بسبب حظه السيء فعلا لعلاقاته مع إيران. و بسبب قدرته في اختلاق الأزمات للدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط.
و إن الفهم الغريب و غير المنتمي للسياسة و المجتمع في سوريا قد دخلت في عنق الزجاجة بسبب الصفات التسلطية لنظام حزب البعث و مكر دوائر الشغل في الداخل.
و مع اقتراب الذكرى الأخيرة لتولي الرئيس الجديد للسلطة لا تزال السياسة في سوريا تحمل بصمات الأب حافظ الأسد ، الذي نجح في تأسيس نظام مستقر للحكم في بلد شديد الاشتعال سياسيا و معروف بتعاقب الانقلابات العسكرية فيه.
مؤخرا صدرت أربعة أعمال أساسية تلقي الضوء على زوايا مختلفة من سوريا خلال حقبته الطويلة.
الأول و الأهم للكاتب الألماني و المحلل السياسي فولكير بيرتيس الذي ركز على أساليب الأسد في تحقيق التوازن السياسي داخل الجهاز الحاكم و تأمين قبضة قوية على السلطة و إعادة تأهيل الاقتصاد السوري.
يقول الكاتب : إن الدولة بعد 1970 كانت أبعد من أداة قاهرة تستخدم القوة. ففي سنوات حكم الأسد تطورت مؤسسات النظام و توسعت شريحة البيروقراطية و استطاعت الشركات ببنيتها القوية أن تطوي تحت جناحيها جزءا واسعا من المجتمع. و سريعا ما ظهرت في حيز الوجود دولة أبوية – بيروقراطية.
أما كتاب راي هينيبوخ المعنون ( سوريا : الثورة من أعلى ) فهو يطور نظرية بيرتيس بعدة أشكال. إنه يعود إلى الوراء بعجلة الزمن حتى ما قبل فترة الأسد ليستكشف الأصول الاجتماعية لحزب البعث و لتوسيع مجال الرؤية ، و هكذا وضع التجربة السورية في سياق حالات أخرى كانت الأنظمة المركزية و القوية فيها تفرض بواسطة " ثورة من فوق " تقوم بتحويل الدولة و المجتمع و الاقتصاد.
إن تفسير هينيبوخ يعيد إلى الذهن أن التسلط الأبوي الشعبي في سوريا لم ينجم ببساطة من الرغبة بالسلطة لدى حفنة من الضباط و لكن لحل مشكلة الانحرافات الاجتماعية و عدم التكافؤ الاجتماعي و الاستبعاد السياسي و عدم الاستقرار الدائم . و هو حل ( مهما كان يعاني من عيوب ) فقد حاز على الدعم الشعبي في حينه.
و لكن لم يعالج أحد مشكلة العلاقات السورية الأمريكية مثل باترك سيل في كتابه المفصل عن سيرة الأسد الأب. و هذا هو ثالث كتاب في السلسلة يعاد نشره مجددا. مع أن طبعته الأولى صدرت عام 1989 . فقد وضح موقف الأسد حول دور سوريا في العالم العربي . و استخدم في عرض المشكلة المعقدة مع إسرائيل مذكرات عدد من القادة الأمريكيين و الإسرائليين و العرب. و من هؤلاء كتاب رضوان زيادة عن محادثات سوريا و إسرائيل حول مرتفعات الجولان ( و هو كتاب ممنوع في سوريا لصراحته و جرأته و لأن الكاتب نفسه معارض و يقيم في المنفى).
الكتاب الرابع هو مذكرات إتمار رابينوفيتش و قد صدر بعنوان على تخوم السلام. كان رابينوفيتش رئيس فريق التفاوض مع سوريا في فترة رابين – شيمون من 1992 – 1996 ، و هذا أثر على نقده المتوازن و المسؤول لعملية المفاوضات.
و موجز رأي رابينوفيتش بخصوص فشل المفاوضات يعود إلى شخصية الرئيس الأسد. فهو يقول : من الصعب أن تفهم لماذا فشل الأسد بالرغم من شكه و تحفظاته و الكوابح المفروضة عليه في اتخاذ خطوات ينجم عنها اتفاقية على شروط يجب أن تكون مقبولة لديه".
* يؤكد رابينوفيتش أن فجر الإستقلال في سوريا عام 1946 كان عاجزا. فقد ولد الاستقلال " ضعيفا و مشلولا " و لا زال هشا و بحالة غير مؤكدة و هو يتراوح بين الادعاءات و بين الشعور بضغط القوى الكبيرة. و يتابع رابينوفيتش قائلا : إن لسوريا علاقات غير طبيعية مع كل جيرانها : تركيا و العراق و الأردن و لبنان و إسرائيل و الفلسطينيين. و إن القوميين في سوريا الذين ضمنوا لسوريا الاستقلال عن الامبراطورية العثمانية و السياسات الاستعمارية الفرنسية التي اتسمت بعدم الثقة و التلبك لم تكن صلبة و لا واثقة من التاريخ و أفعاله.
و هم في حالة ادعاء و تطلب يطال لبنان و تركيا و فلسطين. و إن مبدأ سوريا الطبيعية قد وضعهم تحت مظلته، و من هنا نشأت فكرة دمشق كمقر للقومية العربية . و قد ثبت أن هذه الفكرة لها مفعول المسكرات.
و مقابل ذلك يعلم السوريون جيدا ، كما يقول رابينوفيتش ، إن قرار عام 1948 غير قابل للنقض. فهم ليسوا أندادا لإسرائيل . و سريعا ما سوف يقلصون مطالبهم : و لا سيما بعد ضياع مرتفعات الجولان في حرب الأيام الستة عام 1967. و هكذا أصبحت الدبلوماسية السورية أمام تحديات حساسة : كيف يمكن فصل مشكلة 1967 ( مرتفعات الجولان ) من مشكلة 1948 ( السؤال الكبير الخاص بفلسطين ). و كان طريق القيادة السورية كما يلي : التبجح الإيديولوجي و البلاغي ممزوجا بالدبلوماسية غير العاطفية و الأنيقة. و ماذا أقوى من تخييم الصمت على السلاح و رقاده بعد حرب 1973 ؟. إنه اتفاق وقف إطلاق النار ثم ضمانات كيسنجر التي لم يخترقها أحد .
و الآن إن من يعرف سوريا ( و من لا يعرفها ) يمتلئ بالثقة و بالتوقعات بخصوص نوعية الدبلوماسية التي يمكن أن " تقشر " سوريا من الثيوقراطية الإيرانية و تحولها إلى أمة طبيعية مستريحة و على وفاق مع العالم. و إن الإدارة الأمريكية الجديدة متفائلة فيما يخص إعادة تعريف و ترتيب العالم. و قد تم التعرف على النظام في دمشق كهدف للحظ : فهذا النظام قد استبعد و أهمل لعدم الحاجة إليه و هكذا دخل في الفلك الإيراني و ساعد على ذلك رعونة جورج و. بوش. و لكن تم توظيف ليبراليي أمريكا ، و كذلك الفرنسيين ، بسبب معرفتهم الخاصة بسوريا و لبنان ، لتحقيق فكرة ضرورة التقرب من و " إشغال " النظام السوري. و بذلك يراهن رابينوفيتش على سلوك سوريا المشكوك به و طرق تبدله*.
على أية حال من مجموع الدراسات التي تناولت المسألة السورية نستطيع أن نلاحظ أن الرئيس الأسد الراحل ترك لابنه ( و هو الرئيس الحالي ) نظاما جاهزا ، مع قليل من الفرص للمناورة. و لذلك توجب عليه أن يعتمد على المزيد من البراغماتية عوضا عن النهج الإيديولوجي في حل القضايا العالقة. و لكن في نفس الوقت لم ير أحد أي إنجاز قريب ، مهما بلغت نسبته ، لمزيد من الإصلاحات الديمقراطية و تطبيع العلاقات مع واشنطن. إن الرئيس الأسد في نظر التوجه الأمريكي مشغول ، و غير متاح ، و هذا يعني بالنسبة لبعض الدارسين أنه يفرض يده على السلطة و يقلب صفحات من دفتر أمامه لإعادة تعريف الأحداث في المنطقة و الأحداث داخل البيت ، و لكن المشكلة أنه كقائد يتأثر بالأحداث و تيارها أكثر من صناعة رؤية مستقبلية لسوريا. إن الأحداث هي التي تدفعه للتحرك و ليس التصورات و المنهج و تفاصيل عن مستقبل واضح.
و يمكن أيضا التمييز بين قدرات الأسد على التعايش مع المحنة و إمكاناته ( أو إمكانات النظام الذي يقوده ) لمعالجة الاقتصاد و المجتمع و السياسة : و هو المثلث الذي أوشك على الانهيار، أضف لذلك التحديات الإستراتيجية التي تواجهه.
و مع أن هذه المؤلفات اقتربت من الصورة و تفاصيلها فهي ناقصة من ناحية عرض وجهة نظر شاملة للتبدلات العميقة التي لحقت بالبنية التحتية خلال سنوات العقد المنصرم و لا سيما النمو المتصاعد للدين في المجتمع السوري ، و الذي يضغط لتكبير الفجوة بين الطبقات مما سيؤثر لاحقا على اتجاه السياسة في سوريا.

* الترجمة بتصرف عن مجلة فورين أفيرز الأميريكة من مقالة لـ ( ستيفن هايدمان Steven Heydemann ) نائب رئيس معهد السلام و أستاذ مساعد في قسم الدراسات الحكومية بجامعة جورج تاون. ما بين نجمتين و في سياق عرض كتاب رابينوفيتش هي إضافة من قراءة أخرى لفؤاد عجمي و منشورة في نفس المجلة.
* الموقع غير مسؤول عن الأفكار الواردة في المقالة و هي تعبر عن رأي كتابها.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow