Alef Logo
يوميات
              

في دارة أم العبد 10والأخيرة

ناديا خلوف

خاص ألف

2011-07-04

محاماة
قال السنهوري عن المحامي: " يعيشُ أميراً ويموتُ فقيراً"
نطقَ السنهوري بالحقيقة ، لأنّ هواجسَ المحامي . تجعلُهُ أحياناً يدفعُ من مالهِ الخاص كي يكملَ قضيةَ حقٍّ اقتنعَ بها . إضافةً إلى أنّ شروط المهنة هي المكتب اللائق ، والمظهر اللائق ، وهذا له ثمنٌ أيضاً . أقولُ هذا عن المحامي، وليس عن من لديهِ شهادة حقوق . سجّلَ بها في نقابةِ المحامين . ثم أصبح سمساراً . وتحتَ ذريعة التواضعِ لا يكونُ مظهره لائقاً . جميل دباغ كان محامياً بدرجة امتياز ، يشهدُ على ذلكَ الكمُّ من النساءِ والرجالِ الذين دافع عن حقوقهم إلى النهايةِ ، وكسبَها . كانتْ تلك الشهادات في خيمةِ العزاءِ ، أغلبُها أتى من أشخاصٍ لا يرتدونَ البذلةَ الرسمية وربطةَ العنقِ . أناسٌ بسطاء من جميعِ أطيافِ هذا الشعب المظلومُ ، في بلدةٍ ليس للإنسان فيها أيةَ حقوقٍ إن لم يدفعْ أثماناً ، ورشوةً ليس لها نهاية ، كانَ بعضُ الموكلين لا يملكونَ ثمنها .
توفيَ جميل دباغ في مكتبه . لا نعرفُ في أيّ ساعةٍ كانتِ الوفاة . تقديرُ الأطباء : أنّه توفي قبل يوم من اكتشافنا لذلك . ولن أدخلَ في الحديث عن المشاعرِ والعواطف الإنسانية . سأدخلُ في حق الإنسان على أفراد أسرته ، وعلى زملائه في المهنة ، أو تحديداً أعضاء النقابة . لأنّ النقاباتِ تستطيع فعلَِ ما تريد . وقد وجدتْ للدفاعِ عن أعضائها ! !
خلالَ وجودي في الإماراتِ . التقيتُ بعدةِ قانونيين من الجزيرة . لم يمارسوا المهنة أبداً . بل سجلوا فقط في سجلاّتِ النقابةِ واستفادوا منها . تمت التغطية عليهم من قبلِ كلِّ أعضاء فرع النقابة في الحسكة ، وهم لم يدخلوا المحاكم إلا للزيارة . ولستُ معنيةٌ بقولِ أسمائهم . هناكَ الكثيرُ من الموظفين في الدولةِ والذين هم مسجلون في فروع نقابات سورية أيضاً ، وأكثر مما أقولُ بكثير .
بالنسبةِ لي : كنتُ في الإمارات . بعدَ وفاةِ زوجي فكّرتُ بالعودة جدياً . عدتُ لأكملَ دفتر الممارسةِ الخاص بي ، ولأرى الأمور عن كثبٍ ، لكن
عندما قال لي رئيس فرع النقابة : نحن نعرفُ كلَّ شيءٍ عنكِ ، أنتِ في الإمارات ، عليكِ إما تقديم الاستقالة ، وإما ترقين القيد . اعتقدّتُ أنني أمام رجلِ أمن . وشككتُ بنفسي للحظةٍ . ماذا يعرفُ عني هذا الرجل ؟ هل فعلتُ فعلاً شنيعاً دون أن أدري ؟ غيّرت رأيي بلحظةٍ واحدةٍ في البقاء . قدمت استقالتي . حذفوا ممارسة السنة التي كنتُ خلالها في الإمارات . القانون هو القانون . كلّنا تحتَ مظلّته . حتى لو طبّقَ علينا بصرامة . وهو يطبّقُ علينا ، وعلى أمثالنا فقط ، بصرامة كبيرةٍ .
لم أكن في وضعٍ أحسدُ عليه . كلّ ما يعنيني . الحصول على الحقوق التقاعدية لزوجي ، كي أستطيعَ أن أكملَ الرسالة.
عند مراجعةِ الفرع . قالوا أنّه علينا مراجعة النقابةِ المركزيةِ في دمشق
عند مراجعة النقابة المركزية . تبين أن جميل دباغ ليس محامياً . ليس لديهم اسم ، ولا دفتر الممارسة . بعد عدة مراجعات ، قالت النقابة المركزية . يبدو أن الاسمَ قد ضاع بين نقابة حلب ودمشق عندما كانتا نقابتان منفصلتان . ثم طلبوا منا أن نثبت أنّه كانَ محامياً . جلبنا لهم عن كل سنة خمسة عشر دعوى من المحاكم موقعة من القضاة ، ومرفقة بكتابٍ من فرع نقابة الحسكة تقولُ فيه: أنّهُ مارس المهنة منذ عام 1975. لكنّ النقابةَ المركزية لم تأخذْ بهذا الكلام . وبعدَ أن أنهكتنا المراجعات . توقفنا . عرفنا أنّ في الأمر إشكالٌ .
لمن علينا أن نلجأ ونحن في أمسّ الحاجةِ للمبلغ ؟ لجأتُ إلى بعض من يدّعون أنّهم يهتمونَ بحقوقِ الإنسان ، ولديهم مواقع مرخصة ترصد هذه الحقوق ، وتقولُ لاءاتٍ من كلّ شكلٍ ونوع . لم يجبني أحدٌ منهم . بل إنّ بعض المواقع الموالية لم تنشر مقالة أرسلتها في هذا الخصوص ، وقد تحوّل الموقع إلى معارضة بقدرةِ قادر ، لكنني من يومها لم أكتب له . بعدها لجأتُ إلى المتنفذين من الأقارب وذوي السلطة . وعدوا خيراً ، عندما سألتُ الجميع عدة مراتٍ على الهاتفِ . لاحظتُ تهرباً من الموضوع . قال لي أخوه : أنّ الظرف في سورية غير مناسبٍ للحديث الآن . معَ أنّه مناسبٌ جداً . الظرفُ المناسبُ لمحاسبة من يتصرفون على هواهم . طبعاً لم أعاودِ الاتصالَِ به .
بالنسبة لي أرى أنّني الأعلى مرتبةً ، ومهما كبرتِ المناصب الحكومية . تبقى المناصب المكتسبةِ بالجهدِ والعملِ بذهنٍ منفتحٍ هي الأكبرُ ، والتي ربما لا تزول بعد الموت . على الأخ أن يتعاملَ بتواضعٍ ، ويسألُ عن أبناءِ أخيه . حتى لو كانَ لا يعرفُهم . لو فعلَ هذا . كان سيكبرُ بنظرهم ، فلكلٍِّ زمنٍ شخوصه ، وستتغيّرُ الدائرةَ، فلا شيء في الحياةِ إلى الأبد . نحن نسامحهم لأنّهم تخلوا عنا في ظروفنا القاسيةِ هذهِ .
أما المحامون . فقد ساعد جميل دباغ أكثرَهم عندما كانَ أمين سر فرع النقابةِ . وصل البعضُ ممن ساعدَهم إلى قيادة الفرع . لكنّهم أهملوا حقّه وكان عليهم أن يتولوا أمرَ إحقاقِه أمام النقابةِ المركزيةِ . لو فعلوا هذا . لاستطاعوا أن يمثّلوا المحامين . لكنّهم لم يفعلوا ، ولا أعتبُ عليهم . لا يريدُ أن يفرّط أحدٌ بمصالحه الشخصية من أجلِ جميل دباغ .
أما الأقارب الذين هم في مناصب كبيرة .سواءً في الدولة ، أو من ارتدى منهم عباءة الدين وكانَ يمارسُ الشعوذةِ في الإمارات عن طريقِ معالجة السرطان بالأدعية ، بينما تخلى عن شهادته الجامعية ، ويدّعي مساعدةَ الناس . نسوا أن يقدموا العزاء لنا في منزلنا المتواضع. كي يبعدوا عنهم شبهة الأخوة والقرابةِ المرتبطة بأشخاصٍ من عائلتهم كانوا مع المظلومين والفقراء .
أتوجه الآن بالحديثِ عن التكريم . كرّمَ جميل دباغ من بعضِ أفراد عائلته ، وبعض المواقعِِ العربيةِ والكردية المعنية بحقوق الإنسان ، وفي موقع نقابة الحسكة للمحامين .تمّ نعيه على الصفحاتِ الأولى لهذهِ المواقع
. لم يأخذ حقه من التكريم من النقابة . رغم أن أمين سرها ألقى كلمة تأبين في عزائه . وقعَ الظلمُ عليه عندما تغاضوا عن حقه التقاعدي، وعندما تجاهلوا أنّه محامٍ . كما أنّ بعضَ الأقاربِ ومن الرجال فقط . أتوا إلى العزاء ليتأكدوا من الأمر الذي راهنوا عليه كثيراً ، وعملوا جاهدين من أجله: أن لا تنتهي تجربة عائلتنا بالنجاح . كانت ضحكاتهم تصلُ إلى أذني . لم يكن أحد يعتبُ عليهم فيما لو لم يأتوا ! لكنّها في النهايةِ خيمة عزاء !
أهالي ريف عامودا ، وعامودا . كانوا من أوائل من وقف معنا .
أتوجّه لهم بالشكر ، وأقولُ لمن يقرأ كلماتي أن يوصل رسالتي له . أن يشعلُ شمعةً على قبره . ففي الثامن من تموز تمّ دفنه . أقولُ لأهل عامودا : ما نسيتكم أبداً .
وفي هذه المناسبة أقولُ له : أفتقدُك . . .
لديّ قضيّةٌ واحدةٌ الآن . هي تكريمك من خلالِ الوصول إلى حقوقكَ في النقابةِ .
لم يعد لديّ قضايا إلا هذه .
سآتي قريباً لأقيم دعوى على نقابة المحامين
وربما غيرها من الأشخاص الذين أسهموا في هذا الأمر
توصلتُ إلى أسماء بعضهم .
لم أصلْ لكلّ الدائرةِ
أمسكتُ بخيوطها الأولى فقط . سأنتهي من ذلك ، وأنا أعملُ بجدٍ وسعي حثيثٍ .
لكن لديّ بعضُ العتابِ :
لماذا ضعفتَ أمامَ ذلك المجتمعُ الذي تتهاوى قيمه ، وانسحبتَ إلى الموتِ كنوعِ من الحلّ ؟
لماذا لم تكنْ كما عرفتُك أوّل مرة . تصارعُ من أجلِ الحياةِ ؟
إنني حزينةٌ على ضعفكَ ، هو الوحيدُ الذي يثيرُ شجوني . كم تمنيتُ في لحظاتٍ : أن تعودَ إلى روح الفكاهةِ التي طبعتْ جلساتك سواء في المنزل أو مع الأهل والأصدقاء .
أما عنّي
فسأبقى كما قلتَ لي يوماً : " أحببتُك لأنّكِ بريّة لا تنصاعين لقوانين البشر "
مازلتُ كما أنا. بريّةً بامتياز . ولي أظافر تمكّنني من الدفاع عن بقائي ، برية مجبولة برائحة الكروم والزيتون . بمشاعر سامية تتجاوزُ مشاعر الكثير من البشر ،
سأكمل رسالتي التي لن تنتهي إلا بوفاتي كما كلّ الرسائل .
فقط لي بضع كلماتٍ
لا تلاحقني بعد الآن . أرغبُ أن أعيش حياتي بشكلٍ طبيعي . أضحكُ وأبكي ، وأسهرُ . أن أتحرّر منكَ ، سيطر شبحك على كلّ حياتي
كتبتُ هذا كي أتحرر من الآلام . هل ستحرّرني هذه الصفحات العشر
من يومياتٍ اختصرتُ فيها علاقتنا معَ زمانٍ ومكانٍ كانتْ قيمه نازفةً كالجروح . أما حياتنا معاً فستبقى هي السرُّ الذي لم ولن أبوحَ به لأحدٍ . هي علاقةٌ خاصةٌ بامتيازٍ . عبّرتَ عنها أنت عندما كنتَ تناديني "ماما ". وطالما اعتبرتكَ طفلاً يحتاجُ للرعايةِ . هكذا كنتَ . عشتَ طفلاً ومتّ طفلاً
أسألُ اليوم : هل يمكنني أن أضحكَ في ظروفٍ أرى فيها كلَّ شيءٍ ينزف . أتمنى أن أسرقُ نفسي من نفسي في إجازةٍ قصيرةٍ . أتخلّصُ خلالِها من عقلي الباطنِ وأتصرفُ دون قيودٍ . أعيشُ الحياةَ كما هي اليوم . دون أن يلاحقني الماضي ، ودون أن يحضرني التفكير في المستقبل .

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow