Alef Logo
نص الأمس
              

حول فصل المقال لابن رشد بقلم : محمد عمارة

ألف

خاص ألف

2011-07-27

في ( فصل المقال ) و ( ضميمة العلم الإلهي ) عرض ابن رشد لثلاث من القضايا الرئيسية التي دار حولها الخلاف بين الفلاسفة و المتكلمين :
1 – العالم ، و هل هو قديم أو محدث .. و معنى القدم و الحدوث.
2 – العلم الإلهي ، و هل هو محيط بالجزئيات ، أو مقتصر على الكليات.
3 – المعاد ، و هل هو مادي أو روحي.
و لك قصد ابن رشد لم يكن ، في هذا النص الذي نقدم له ، إلى هذه القضايا في الأساس ، لأنها أكبر من أن يوفيها حقها من البحث في هذا الحيز الضيق و النطاق المحدود ، هذا ، إلى أنه قد وفاها حقها عندما ناقش فيها المتكلمين في كتابه ( مناهج الأدلة ) ، و عندما رد على الإمام الغزالي في ( تهافت التهافت ) ، و إنما كان تعرضه لهذه القضايا هنا من باب ضرب الأمثلة و تقديم النماذج التطبيقية التي يوضح بها مقصده من هذا النص ، و الذي هو أساسا إثبات إخاء الحكمة ( الفلسفة ) للشريعة ، و تقديم المنهج الذي نصل باستخدامه إلى الإيمان بهذا الإخاء..
فهذا النص أقرب إلى أن يكون حديثا في المنهج منه إلى أن يكون ساعيا إلى دراسة هذه القضايا الثلاث التي عرض لها بالإشارة و التمثيل .. و من هنا تأتي أهميته بين نصوص ابن رشد المؤلفة ، التي اشتملت على وجهات نظره الخاصة أكثر مما اشتملت عليها شروحه على كتب أرسطو.
و من بين عناصر هذا المنهج الذي قدمه ابن رشد في هذا النص ، يبرز لنا عنصران :
1 – التأويل – 2 – و اختلاف مراتب الناس باختلاف طباعهم و تفاضلها في التصديق :
التأويل : و هو أمر يراه ابن رشد ضروريا لأهل النظر أكثر من ضرورته للفقهاء ، لأنهم أقدر عليه ، و أحق باستخدامه ، و لأن دواعيهم إليه لا تقاس بها دواعي الفقهاء في هذا المقام.. كما يراه السبيل إلى نفي ما يبدو من تعارض و تناقض بين ظواهر بعض النصوص و بين الحقائق اليقينية التي تجيء ثمرة للبرهان عند أهل النظر و العاملين بصناعة الحكمة .. و هو يقطع بصلاحيات التأويل في كل المواطن و المواقف التي يبدو فيها مثل هذا التعارض بين ظواهر النصوص و معطيات البرهان.
و معنى التأويل عنده : " هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية ، من غير أن يخل ذلك بعادة لسان العرب في التجوز " و ذلك مثل أن يسمى الشيء " بشبيهه أو بسببه أو لاحقه أو مقارنه " إلخ إلخ..
و العلة في لزوم التأويل لأهل النظر أكثر من لزومه للفقهاء ، نابعة من الفرق بين نوعية القياس عند كل فريق ، فإذا كان جائزا للفقيه الذي يستخدم القياس الظني أن يؤول " فكم بالحري أن يفعل ذلك صاحب علم البرهان .. و عنده قياس يقيني "؟.
و وحدة الحقيقة ، مع اختلاف طرق الوصول إليها ، و تفاوت النسب بين المقادير التي يعيها منها الناس ، دليل على لزوم التأويل ، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لإزالة التعارض الذي يبدو احيانا بين ظواهر بعض النصوص و بين معطيات البرهان ، و من هنا كان حكم ابن رشد و قوله : " و نحن نقطع قطعا أن كل ما أدى إليه البرهان ، و خالفه ظاهر الشرع ، أن ذلك الظاهر يقبل التأويل على قانون اللتأويل العربي ، و هذه القضية لا يشك فيها مسلم ، و لا يرتاب بها مؤمن ...".
بل و أكثر من ذلك يذهب ابن رشد إلى أن في " الألفاظ " الشرع ، و ظواهر نصوصه ما يشهد للتأويل في كل موطن يحتاج التوفيق بين الحكمة و الشريعة فيه إلى التأويل ، و في ذلك يقول : " إنه ما من منطوق في الشرع ، مخالف بظاهره لما أدى إليه البرهان ، إلا إذا اعتبر تصفحت سائر أجزائه ، وجد في ألفاظ الشرع ما يشهد بظاهره لذلك التأويل ، أو ما يقارب أن يشهد ..." فكأنما قصد الشرع إلى ذلك قصدا.. و ذلك لغرض " تنبيه الراسخين في العلم على التأويل " الذي يجمع بين ظواهر الانصوص و بين ما يعارضها من حقائق البرهان.
***
و الأمر الذي يتميز به حديث ابن رشد في هذا االتأويل ، و ضرورته ، و قواعده إنما يتعلق بتطبيقه لقواعد هذا المنهج على القضايا الثلاث الأساسية التي دار من حولها الخلاف بين الفلاسفة و المتكلمين ، فهو عندما يشير إلى أن الأشعرية قد أولوا بعض النصوص ، و المعتزلة قد أولوا الكثير من النصوص ، و عندما يستشهد بالغزالي الذي تحدث في ( فيصل التفرقة بين الإسلام و الزندقة ) عن المراتب الخمسة للوجود : الذاتي و الحسي و الخيالي و العقلي و الشبهي.. فكأنما يريد أن يقول لنا : إن العبرة ليست في التسليم بجواز التأويل أو وجوبه ، و لا في تعداد مراتب الوجود التي لا يكفر المصدق إذا تصور شيئا من أمور الآخرة مثلا على أي مرتبة من هذه المراتب ... إن العبرة ليست في ذكر ذلك و الحديث عنه ، و إنما هي في تطبيق هذا المنهج على الفقضايا الرئيسية التي شغلت الكثيرين بالجدل و الخلاف.. فالغزالي برغم إيمانه بهذا المنهج إلا أنه أخطأ في تطبيقه عند ما كفر الفلاسفة لمسلمين بصدد هذه القضايا الثلاثة : العالم و المعاد و العلم القديم..
فلو تأول الغزالي ظواهر النصوص التي وردت في المعاد ، مثلا ، لما كفر الذين صدقوا و آمنوا بوجود السعادة الأخروية و الشقاء الأخروي ، بسبب تأولهم للتفاصيل و الجزئيات التي جاءت بها ظواهر بعض النصوص في هذا المقام .. لأنهم لم ينكروا وجود المعاد. و إنما تأولوا ظواهر بعض النصوص دون الخروج عن مراتب الوجود التي عددها الغزالي نفسه في هذا الباب. و مثل ذلك قائم في غير قضية المعاد من قضايا الخلاف بين الغزالي و فلاسفة المسلمين.
مراتب الناس : و انطلاقا من هذا الموقف المؤمن بوحدة الحقيقة ، و اختلاف طرق الوصول إليها ، و تفاوت درجات الناس و حظوظهم في تحصيلها ، قال ابن رشد : إن هناك مستويات ثلاثة للناس إزاء التصديق " و ذلك أن طباع الناس متفاضلة في التصديق ، فمنهم من يصدق بالبرهان ، و منهم من يصدق بالأقاويل الجدلية تصديق صاحب البرهان بالبرهان ، إذ ليس في طباعه أكثر من ذلك ، و منهم من يصدق بالأقاويل الخطابية كتصديق صاحب البرهان بالأقاويل البرهانية ".
فجمهور الناس و عامتهم ، الذين هم مقصد الشرع الأول ، إنما يأتي لهم اليقين و يتحصل لهم الإطمئنان بواسطة الأقاويل الخطابية و الوعظية و الشعرية ، و هي و إن تكن غير كافية لإقناع أهل الجدل ، و غير صالحة لإقناع أصحاب البرهان ، إلا أنها كافية لتحقيق يقين العامة و إيمانهم ، و وصولهم إلى التصديق بل إنه يجب أن لا نتعدى بهم هذا النطاق ، لأن الدخول بهم في ميدان الجدل ، أو حقائق البرهان ، و ذاهب بإيمانهم ، دون أن تكون لهم القدرة على استخدام هذه الأدوات ، و من ثم فلا يستطيعون أن يحصلوا بواسطتها أي نوع من أنواع التصديق و اليقين.
و المرتبة التي تلي الجمهور ، صعودا ، هي مرتبة أهل الجدل ، الذين لم يصلوا إلى مرتبة أهل البرهان ، و إن كانوا قد ارتفعوا عن دائرة العامة و الجمهور .. و هؤلاء لهم الأقاويل الجدلية سبيلا إلى التصديق و اليقين. و هم إذا طلب إليهم التصديق بالأقاويل الخطابية لم يتحصل لهم يقين ، و إذا سلكوا للتصديق طريق البرهان لم تتيسر لهم هذه الأدوات ، و من ثم لا تتحصل لهم ثمرات استخدامها..
و في القمة يأتي أهل النظر ، العارفون بصناعة الحكمة ، و السالكون إلى التصديق طريق البرهان ، و هم الفلاسفة الذين يجب أن يصونوا صناعتهم هذه عن أهل الجدل ، و عن الجمهور ، و ذلك حفاظا على التصديق الذي تحصل لكل فريق من السبيل لذي هيئ له وفق ما لديه من إمكانيات..
- من فصل المقال لابن رشد . تحقيق محمد عمارة. دار المعارف بمصر. 1969

تعليق



سفيان الحداد

2014-04-13

موضوع قيم أخي بارك الله فيك

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow