Alef Logo
يوميات
              

أمنيـات جـديـدة لرفيــق قــديـم

معتصم دالاتي

2011-08-06

كنت أتساير مع أحد الأصدقاء عن الرواتب وغلاء الأسعار وأوضاع البلد. وفجأة قال صديقي هذا بكل اتزان ما رأيك لو نؤلف حزباً سياسياً؟
سألته بدهشة ورعب هل قلت نؤلف حزباً سياسياً؟ قال نعم. قلت هل تعرف ماذا يعني تشكيل حزب سياسي؟ والله يسلخون جلدنا ويجعلونه (دربكات). ثم رويت له حادثة مفادها أنه في أحد العهود ضبط القائمون على الأمر، أحد التنظيمات السياسية. وكان عدد أفراد هذا التنظيم اثنين وعشرين شخصاً. وتبيّن فيما بعد أن واحداً وعشرين من هؤلاء مدسوسون على التنظيم من جهات مختلفة. وأن شخصاً واحداً هو الحزب.
وقد فرط ذاك التنظيم يومذاك، وذهب الواحد والعشرون من المدسوسين يبحثون عن لقطة جديدة. أما الشخص الآخر، فسبحان العليم. ثم ذكرت أنني في حياتي لم أشارك في أي نشاط من أي نوع سوى سهرات (بشمارية) كنا نسهرها مساء كل خميس على (صدر كنافة) وبعض الفواكه حين كانت رواتبنا تسمح لنا بذاك الترف.
أعود إلى الحزب الذي فاتحني هذا الصديق بتشكيله. وقد أثارت لديّ فكرته تلك، مزيجاً من الذعر والفضول. فأخذت أحاصره بالأسئلة قلت ألا نحتاج إلى مبادئ ومنطلقات نظرية وأيديولوجية؟ قال تكفينا بعض العبارات والشعارات الرائجة ونختار أكثرها إبهاماً وصعوبة على الفكر.
قلت والأشخاص؟ من أين نأتي بهم؟ ألا نحتاج إلى كوادر شعبية؟ قال أنا وأنت، اثنان! ونستطيع أن ندبّر اثنين آخرين أربعة، وهذا يكفي. قلت باستنكار حزب طويل عريض عدده فقط أربعة أنفار؟
قال نحن لا نريد حزباً طويلاً ولا عريضاً، ولا حتى متوسط المقاس، نحن نريد حزباً فقط. قلت مصراً أربعة أنفار لا يشكلون حزباً. قال إذا كان قانون الطوارئ والأحكام العرفية يحظِّران اجتماع ثلاثة أشخاص وما فوق، إلا بإذن مسبق، فهذا يعني أن أربعة أشخاص يكفون لتأليف حزب له أهميته عند الحكومة. قلت لا بأس. سأذهب معك حتى نهاية أفكارك لأرى ما يحمل عقلك من طبخات. هل تشرح لي الغاية من تأليف هذا الحزب؟ قال هنا بيت القصيد. اسمع يا رفيق. ناداني بمصطلح رفيق، قبل أن أوافق معه على أي شيء. ثم تابع شرحه بجدية واضحة
نؤلف أو نشكل الحزب. ثم (نطش) الأخبار في البلد. وقبل أن تتحرك أي من الجهات المعنية للقبض علينا، نتقدم بطلب انضمام إلى الجبهة الوطنية التقدمية. وعسى الله أن يوفقنا بالموافقة على طلب الانضمام. سألته وماذا بعد؟ أجابني عندئذ سنعامل كأي حزب من أحزاب الجبهة.
أخذت سحبة سيكارة طويلة وصفنة متوسطة، ثم قلت لماذا لا ندخل في حزب البعث، فالمكاسب وافرة. قال الطابور عندهم طويل.
قلت لكنه سريع. قال لن يصلنا الدور. قلت إذاً ندخل في أحد أحزاب الجبهة، فالطابور قصير بسبب قلة الكوادر عندهم. قال لكن الدور بطيء. وفي هذه الحالة أيضاً لن يصلنا الدور، أحسن شيء أن نعمل حزباً لحسابنا.
قلت نحن أربعة أعضاء. والفائدة تعود لاثنين منا فقط، وعلينا أن لا نكون وصوليين على حساب قواعدنا الشعبية، أقصد العضوين الآخرين، قال هذا صحيح. سنفكر بالأمر فيما بعد. قلت بعد أن نركب السيارات ونحتل المناصب لا نستطيع أن نفكر بأحد. ولذا أقترح أن نجد الحل الآن! وقبل أن يفكر صديقي، لمعت الفكرة برأسي. فصحت به محلولة. الاثنان الآخران يشكلان جناحاً ضدنا. ثم ينسحبان من الحزب، ويدخلان بجناحهما المعارض في الجبهة نفسها كحزب مستقل. وبهذا ينالان ما ناله رفيقاهما في الكار!
للحقيقة والتاريخ، هذه الحادثة قديمة جداً، ومنذ ذلك الوقت لم ألتقِ بصديقي هذا. ولعلني كنت أتجنبه خوفاً، وهو يتجنبني للسبب نفسه. فكلانا قد أصبح على حذر من أن يشي أحدنا بالآخر!
الآن ومع النية لتشكيل أحزاب غير تابعة لأحد أو مرتبطة بأحد، دون خوف أو مسؤولية، وإذا أعقبها أو سبقها تعديل الدستور، وإذا ألغيت المادة الثامنة منه، وإذا فرط العقد الفريد للجبهة الوطنية التقدمية، فإنني أحلم أن ألتقي بصديقي هذا لأعمل معه على إحياء فكرته القديمة، بتشكيل حزب سياسي. ليس من أجل كرسي الوزارة، ولا طلباً لمقعد في مجلس الشعب. لأن الأحزاب الجديدة في هذه الحالة ستكون مستقلة، لها الحقوق والواجبات والمقومات التي تحظى بها جميع أحزاب بلاد الدنيا التي تكرس حق المواطنة في العمل السياسي بعيداً عن أبوّة السلطة، والتي تمتلك حقها بالمعارضة وقول الـ (لا) بالقدرة نفسها على قول الـ (نعم)، ومرجعيتها مصلحة المواطن والوطن، ومسؤوليتها أمام الجماهير. وإذا حصل ذلك فقد يساعد بعض أحزاب الجبهة أو معظمها أو كلها على بلوغ سن الفطام والانتهاء من ثدي الحزب الأكبر. فالوطن بحاجة إلى راشدين منتجين أكثر من حاجته إلى تابعين.
أما موضوع النصاب البالغ ألف شخص لتشكيل الحزب، فالساحة متعطشة للعمل الحزبي والسياسي الحر، ومن المؤكد أن الآلاف يتلهفون لزمن يتيح لهم المشاركة الحقيقية الفاعلة المنتجة، ليأخذ كل فرد منهم دوره بعد عقود خمسة تعطل فيها المواطن عن أي عمل سياسي أو حزبي تنضوي فيه طاقات الجميع في مجتمع تسوده الحرية والعدالة والمساواة.
وبالله العظيم ثلاثة أقسم أنني إذا ما التقيت بصديقي هذا الذي حدثتكم عنه، ووفقنا الله بتشكيل الحزب، فأول شرط لي عليه أن لا يفكر أي منا بمنصب أو ميزة أو منفعة شخصية، أوَلا يكفي هذا الوطن ما عانى من مكسبجية ومصلحجية ومرتزقة ومنتفعين؟

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ثم وحدي سكرت

29-شباط-2020

ثم وحدي سكرت

01-شباط-2020

الحب هو سيد الموت

14-كانون الأول-2019

السارق المسكين

27-نيسان-2019

حوار مع النفري

23-آذار-2019

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow