Alef Logo
مقالات ألف
              

إجابات

جبر شعث

2011-08-08

الشعر والثورة



الشاعر الحقيقي بطبيعته هو ثائر في المقام الأول ، يسعى من خلال نظرته الكلية للكون أن يغير ما يعكر صفو ونقاء هذا الكون من الظلم والاستبداد وتفريغ الإنسان من إنسانيته ، وهو لذلك يصطف دائماً مع الشعوب المطالبة بحريتها وكرامتها الممتهنة من قبل السياسي كحاكم والمجتمع كرقيب والمنظومة الدينية التي_ تتعسف في تفسير النصوص والأحكام وتحرفها عن وجهتها السامية _ وهي بنتاجها هذا تقف من حيث تدري أو لا تدري مع الحاكم المستبد الذي يستند إلى مسوغاتها الدينية الهشة المشوهة . لهذا كله ينبغي للشعر كمنتج معرفي بالدرجة الأولى أن يتناقض مع السياسي المستبد بكل إفرازاته المجتمعية المتواطئة والدينية المشرعنة لهذا الاستبداد .



وقد شكل الشعر – عبر معظم الثورات العظيمة رافعة معنوية وتحريضية للشعوب – وأذكر على سبيل المثال شعر أراغون الفرنسي الذي كان يوزع كمنشورات تحريضية على الفرنسيين إبان الغزو النازي لفرنسا.
وكذلك الشاعر الجزائري مالك حداد ، الذي شكل شعره الثوري الإنساني سنداً قوياً للثورة الجزائرية الرائدة ،ضد الاستعمار الفرنسي الاستيطاني للجزائر ، ولعل المفارقة هنا هو أن هذا الشاعر المتفرد كان يكتب بلغة المستعمِر ضد المستعمِر نفسه ، وقد كانت هذه غصة للشاعر لدرجة أنه اعتبر اللغة الفرنسية منفى له.
وفي هذا المقام نذكر أيضاً الشاعر محمود درويش الذي شكل شعره ، في مرحلته الثورية ، مقاومة ثقافية تلازمت مع المقاومة المسلحة ، وأضفت عليها المسحة الإنسانية ، وقد شكل شعر درويش وأدب غسان كنفاني الحاضنة الثقافية الإنسانية التي جعلت كل الشعوب المحبة للحرية والسلام في العالم، تتبنى وتناصر الثورة الفلسطينية ضد المحتل الإسرائيلي.



ونحن يجب علينا أن ننتظر بعض الوقت ، لكي نرى تأثيرات وتداعيات الثورات العربية التي نشهدها اليوم في الشعر العربي، لأن الشعر لا يستجيب آلياً للأحداث ، ولا يُكتب من قلب الحدث ، وإلا تحول إلى صراخ وزعيق وكلام يشبه- في أفضل أحواله - الأناشيد المدرسية .



النخبة والثورة



لطالما نظرت النخب العربية بمختلف مشاربها اليسارية والعلمانية ، وحتى الدينية المنفتحة المتنورة ، للتغيير العربي المرجو ، ولما يجب أن تكون عليه الأنظمة العربية الحاكمة في نظرتها لشعوبها ، المتطلعة للحرية والعيش الكريم ، والحقوق الإنسانية التي كفلتها الشرائع السماوية ، قبل الشرائع الوضعية ؛ كالحق في العمل والفكر والمعتقد والرأي والتعبير وغير ها من الحقوق المتعارف عليها . ولكن مشكلة النخب العربية أنها ظلت تتكلم وتنظر وتفسر وتؤول من أبراجها العاجية العالية ، مما أفقدها ثقة الجماهير التي لا تؤمن إلا بالفكر المطبق عملياً على الأرض . وعليه فعلى النخب العربية بجميع أطروحاتها ،إن أرادت لها موطئ قلم، في ثورات الشارع العربي أن تنزل من أبراجها إلى هذا الشارع الذي صنع الحدث وأنجز التغيير .


المشهد الشعري العربي



المتأمل للمشهد الشعري العربي اليوم ، يجده – للأسف - لا يزال يشغل نفسه بمعارك المفروض أن يتجاوزها مثل ثنائية الشكل والمضمون ، والحداثوي والتقليدي، والأشكال الشعرية المتعاركة، وهذا الوضع الغريب أنتج كمعادل له ، أحزاباً لا تتحاور فيما بينها ، وإنما تتنافر وتتقاذف التهم فيما بينها.
ولعل المسألة الأهم في هذا السياق ، هي قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة . وهذه مسألة برأيي قد حسمت ، فقصيدة النثر شرعنت جمالياتها الشعرية منذ الماغوط وادونيس وانسي الحاج وغيرهم ، وتقف الآن كشكل راسخ في الكتابة الشعرية ، لكن لا يجب أن نلغي الأشكال الشعرية الأخرى وخاصة قصيدة التفعيلة ، التي جاءت كتجديد
أو إن شئتَ قل : كثورة على الشكل الشعري الذي ظل طاغياً لقرون ممتدة المتمثل في القصيدة التقليدية أو العمودية . وأنا أرى أن الشكل مجرد الشكل لا يمثل قيمة جمالية للقصيدة ، مثلما لا يمثل الوزن مجرد الوزن حكم قيمة للقصيدة ، فلكل شكل جمالياته وتقنياته وتفرداته . لذلك دعوت دائماً إلى حوار الأشكال الشعرية وتجاورها ، والأهم عندي هو أن تكون القصيدة ذات رؤيا فكرية وإنسانية ، فالشعر قبل أي شيء هو حامل للفكر ، ومجاله الحيوي الإنسانية ، دون أية اعتبارات أخرى .
وعلى الشعراء العرب أن يخرجوا من هذه الدائرة المفرغة ، ومن هذه المتاهة التي ورطوا أنفسهم فيها ويلتفتوا إلى ما هو أعمق وأهم من هذه السفسطة التي لا غناء منها ولا فيها ؛ إلى الإبداع والإنتاج والتأثير في محيطهم الخاص ، ومن ثم في محيطهم الكوني .



المشهد الشعري الفلسطيني



أما التجربة الشعرية الفلسطينية الحديثة ، فبرغم خصوصيتها ، إلا أننا لا يمكن لنا أن نفصلها عن المشهد الشعري العربي ، فهي جزء أصيل منه ، تؤثر فيه ، وتتأثر به كذلك . ولعل الإنجاز الأهم للشعر الفلسطيني الحداثي ، تمثل في خروجه من السياسي / الأيدلوجي إلى فضاء الإنساني ، فالفلسطيني قبل أن يكون ثائراً صاحب قضية عادلة ، هو إنسان كسائر البشر يحب ويكره ويحزن ويفرح ويتقي ويأثم ويصيب ويخطئ. هو إنسان وليس ملاكاً ، ثائر ولكنه ليس نبياً ، ولا ينبغي للآخرين أن يحملوه ما لايقدر عليه ، وما لا طاقة له عليه . لذلك انطلق الشاعر الفلسطيني نحو التعبير وكتب عن الثورة والمرأة والحب والجنس ...
أي أنه تمرد على فكرة الغير المسبقة عنه ، التي كانت تحجمه في قمقم الثورة والمقاومة والنبوة .
إذاً ، لم يعد الشعر الفلسطيني شعر شعارات وصراخ وبكاء ورصاص ، كما كان بعد النكبة عام 1948
وبعد الثورة الفلسطينية عام 1965.
إن الشعراء الفلسطينيين الآن يكتبون في معظمهم قصيدة النثر ، كون هذا الشكل الشعري يستجيب لأفكارهم وآمالهم وتطلعاتهم ورؤاهم ، ونظرتهم الكلية للكون من خلال ذواتهم المتفردة .


جبر شعث
شاعر وناقد من فلسطين / غزة
[email protected]





















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نبي آخر

08-كانون الثاني-2015

الشاعرة آمال العديني : فيض الشعر وطزاجته

20-تشرين الأول-2014

الكلب

11-تشرين الأول-2014

ثلاث قصائد

03-حزيران-2014

شِعْرُ غزَّةَ المهاجرُ

07-أيار-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow