قبلَ أن تعلنَ الحقيقةُ عن نفسها ، كانتْ تختبئُ في قلبِ الزمن. الحقيقةُ أيضاً يتملّكها الخوفُ من أن تضيعَ . عندما أصبح الحبُّ قدراً . وحبُّ الأرضِ وجعاً . أعلنتِ الحقيقةُ عن نفسها ، ورحّبتْ بميلادِ جلنارُ "الحورية "
عرّت الحقيقةُ نفسها من الزيف . تحدّثت عن الحورية :
في أرضِ ألفِ ليلةٍ ، وليلةٍ . عاشتْ حوريةٌ .
في الليلةِ الأولى من الليالي الألف . كان الجوعُ سمةً للحياةِ ، يتربّعُ على السّنابل الطريةِ . يخنقُها . ثم يتناولُ كأسَ الخمر منتشياً بموتها . يهزأ من الإنسانِ الذي غرسها . إنّها ألفُ ليلةٍ من الظّلم . وأكثر من ألف ليلة بكثير.
في الليلةِ الألف . قفزت جلنار عائدةً إلى البحر . لم يعجبْها العيشَ في عالمٍ من الخيال. رآها بحّارٌ على شاطئ مدينةٍ شاميةٍ نائمةٍ. فكانَ عشقاً أبديّاً بين بحّارٍ وحورية. تزوجا في ليلةٍ اكتملَ بها القمرُ. وسجلا صككَّ زواجهما على نجمٍ في السماء اسمه: " حرية "
ثم اخترعوا الأبجدية. أصبح اسم مدينتهم " اللاذقية "
أبناءُ ، وأحفاد الحوريةِ لا زالوا يسكنون المكان ، كلّما اكتملَ القمر. تأتي الحوريةُ من البحر. بحلّتها البهية. تنثرُ على الأبناءِ والأحفاد. قلوباً مصنوعةً من الوردِ والمحبة .
في الليلةِ الثانية بعد الألف
بدا القمرُ مهيباً مكتملاً. اعتقدت الحوريةُ أنّها ليلةُ القدر. هي ليلةٌ من شهرِ رمضان . لذا عادتْ ثانيةً إلى البحرِ . لتلبسَ ثيابَ العرس. بعدها قدمتْ إلى الشاطئ ،تجرُّ ثوبها خلفها.. الليلةُ لها موعدٌ مع البحار. سيجدّدون العهدَ على الحبّ .
في ذاك اليوم بدأت القضية: رأتْ الحوريةُ فلولاً من كائناتِ غريبةٍ قادمةً على صهوةِ قلوبٍ تلمعُ بالسوادِ. عرفتْ أنّ حبّها قد استهدفهُ التجار. صاحتْ :
تعالَ إليّ حبيبي. أخافُ على الأرض، والأبجدية
تعالَ. أسمعُ نداء الأبناء يصرخون: " الله أكبر "
ثوبي الطاهر تلوّثه أيدي تلك الكائناتِ الغريبةِ.
أبناؤنا. يصرخون مرةً أخرى: "حرية "
أتيتُ لأفديكم. أحرسُ أبوابَكم. أصرعُ الغزاةِ، وأحميكم.
لبيكِ لاذقيتي. جلنار. حبيبتي. عدتُ إليكم.
انقضّ على البحّار من الخلفِ مصّاصُ دماء.
في لحظةِ غدرٍ وقع صريعاً. سحبتهُ الحوريةُ . أتتها طعنةٌ خفية.
تعانقَ الجسدانِ معاً ، بينما أرواحهما ترتفعُ إلى السماءِ. ارتسمَ على السماء قوسُ قزحٍ في وسطه قلبانِ يتعانقانِ، ارتسمتِ الأضواءُ على الموجِ. عانقتْ روح البحر. روحيهما. في احتفالٍ أسطوري. أصبحت الأرواح الثلاثةُ تشكلُ ضمير البحرِ. أصبح اليوم للبحر ضميراً وقضية.
في اليوم الثالث بعد الألف:
بعد أن أصبح للبحرِ ضميرٌ. تشكلت لعنةُ ضمير البحرِ أيضاً.
أصابتِ اللعنةُ الفلولَ من الكائناتِ التي تسببت بالجرم. توزعتِ اللعنةُ عليهم. تطاردهم أينما حلّوا. هم الآن يركضون كيفما اتفقَ خائفين. يختبئون في الأماكن الطاهرة، وكلما ذهبوا إلى مكانٍ تحاصرهم اللعنة. تصغرُ أحجامهم، وتزوغُ عيونهم.
حلّ الصباح. نامَ البحرُّ مرتاحاً. لعنتهُ تلاحقُ كلّ مجرم ، و سفّاح !!