Alef Logo
يوميات
              

حكايات سادت ثم بادت "2"

ناديا خلوف

خاص ألف

2011-12-05

من القامشلي . قامشلو . بيث زالين .
ثلاثة أسماء لمدينةٍ واحدة هي على الترتيب : تركية معرّبة . كردية سريانية
"بيث زالين " السريانية . تعني بيت القصب، نسبة إلى القصب المنتشر حول نهر الجغجغ المار بالمدينة . سميتْ فيما بعد "بالقامشلي" وهي تتريك لمعنى الكلمة السريانية ، حيث تعني كلمة "قامش" باللغة التركية القصب .
أجملُ ما في المدينة التنوع البشري حيثُ يمكنك سماع لهجاتٍ ولغاتٍ محليّة ربما لا تفهمها . لم يكنْ هناكَ تعصّبٌ قوميٌّ ، الأمرُ تغيّرَ وأصبحَ الانغلاقُ القومي أكثر من الماضي .والعزلةُ الاجتماعية سمةٌ جديدةٌ .
في الحي الذي نعيش فيه عاشت عائلات سريانية ، وبعض العائلات الآشورية . وفيما بعد باعَ المهاجرون بيوتهم فتغيّرت تركيبة السكّان .
- كانوا يقولون لي : أنتِ منّا . لذا يحيوني ب" شلومو " وأردّ عليهم ب " بشينو " ثم نبدأ بتحدّث العربية . جميعهم يجيدون العربية ، ودائماً يذكّرونني باختلافهم عن العرب ، وأنّهم قوميةٌ أخرى جذورها في بلاد ما بين النهرين ، وأنّ اللغةَ السريّانية هي أمّ اللغات ، والعربيةَ مشتقّة منها . طبعاً لم أكن أهتمّ للتفاصيل .اللغة وسيلة تفاهم . لم أشعر مرةٌ أنّني لست منهم .
لرأس السنة الميلادية له طعمٌ خاص في المدينة .وبخاصة في حيّنا " الحيّ الغربي " . حيثُ ما زالت بعضُ العائلاتِ تعيشُ في منزلٍ كبير ويتزوّجُ الأبناءُ ويبقون في المنزلِ نفسه أحياناً .
الاستعداد لأعياد الميلاد يبدأ قبل بدء موسم البردِ ، حيثُ تقومُ النساءُ بأعمالِ تنظيف البيوتِ بدءاً من السقفِ ، وانتهاءً بالكراسي والكنبات . عملية تنظيف مرهقة . بعدها يتمّ تحضيرُ الطعام ويستغرقُ تحضيرُه عدّة أيام ، وربما يكون ما يوضعُ على مائدة العيد صالحاً لكلِّ موسم الشتاء . يتمّ الاحتفال بعيد الميلاد عائلياً . يأتي رجالُ الدين للمباركة للناس وتمجيد الرب .
أتى " أبونا " إلى منزلنا مرةً .يباركُ لنا أيضاً.
قالَ : جئتُ لتقديم الشكرِ نيابةً عن المسيحيين الذين أنقذهم جدّكم من القتل في المجاذر التي تمّت في ماردين .
أخرج كتاباً. قرأ فيه أسماءً ساهمت في حماية المسيحيين، أتى على ذكر اسم : "عبد الرزاق الجلبي دباغ المعروف بابن الويل" كان مسؤولاً في ولاية ماردين، وساهم في حقن دماء المسيحيين من المجاذر في تركية ، شرح القسُّ لنا : دباغ هو لقبٌ ينسبُ إليه أفراد العائلةِ بسببِ مدبغة الجلود التي يمتلكونها في ماردين ، وكنيتهم هي الويل ، ولقبهم العثماني هو جلبي ، وهو لقبٌ يمنح، أو يشرى . مرتبة تعطى للأغنياء . كنيتهم ." الويل " لم تعدْ موجودة .
القدّاسُ يقام من أجل أرواح هؤلاء الذين ساعدوا المسيحيين
وعبد الرزاق ساعدهم .ومن بين الذين ساعدهم . أحد رجال الدين " بطرك " فداه بليراتٍ ذهبية ، وهرّبه من ماردين إلى العراق ثمّ لبنان ، هذه الأشياء مثبّتة في الفاتيكان . .
تحدّث القسُّ عن المجاذر التي اقترفها الأتراك بحق المسيحيين . يعجز أي كاتب مهما بلغ من البلاغة أن يصفها ، لبشاعتها ، من قطع للرؤوس بالسيف ، وحرق الناس أحياء ، أو تهشيم الرؤوس بالحجارة والفؤوس ، رمي الناس في الوديان من مرتفعات عالية ، رمي النساء ، والأطفال في الأنهار، اغتصاب النساء ثم بيعهم كعبيد وغرس المسامير الحديدية في الأجساد .
تحدّث عن عائلته التي كان أفرادها يعيشون في ماردين ونصيبين ، وكيف قتل منهم عشرون شخصاً ذبحاً . معدّداً أسماءهم وطريقة قتلهم .
انصرفَ القسُّ . بدأتُ أفكّرُ بالفرق . بين عائلاتنا اليوم ، وأجدادنا .
من نفس تلك العائلات. ما الذي تغيّر حتى عاد البشرُ إلى الوراء ؟
ما أشبهَ الأمس باليوم . نفسُ الأساليب ، ونفس الطّرق في الإبادة . لن يرحمَ التّاريخ من لا يفعلُ كما فعلَ هؤلاء الرجال الذين عدّد القسُّ أسماءهم كلّهم على مسامعنا ، وهو يشكرهم باسم المسيحيين . والتاريخُ لم ينسَ من هم أيضاً .
شيء يدعو للاعتزاز والخجل بنفس الوقت .
الاعتزازُ بأجدادٍ فاقونا إنسانيةً
والخجل من أنفسنا ، لأنّنا لسنا بمستواهم الإنسانيّ
الخجلُ من قتلِ الأبرياء تحتَ مسمّياتٍ واهية . .
الخجلُ من عدم انتمائنا إلى الحضارة
الخجلُ من عجزنا عن وقف نزيف الدم .
تغيّر الزمانُ والمكان في مدينة على الحدود
تغيّر الشبّان والصبايا . رحلوا إلى أملٍ خلف المحيطات
مازال الجميع يبحثُ عن " بيث نهرين " الوطن الأمّ
ويعشقُون الخابور الذي هو " رفيق الأرض " خا. بور
في الشمال كان بدء الخليقة وكانتْ سفينة نوح ، وأجدادٌ تركوا إرثاً كبيراً .
تغيّر حيّنا . قبلَ أن أهجره .
لم تعدْ الأبوابُ مفتوحة ، والسهراتُ عامرة ، والأطفالُ يلعبون على الرصيف .
لم يعدْ للأعياد طعم العيد .
هناك قامشلي أخرى في السويد . في كندا . ألمانيا . وكل أنحاء العالم .
أغانيهم الميردلية تصلنا وهي قاسمٌ مشترك لكلّ سكّان المدينةِ ، كأنّهم لم يغادروا المكان ، وكأنّنا نعيشُ فيه . وعندما نعودُ في زيارة . نغمضُ أعيننا كي لا نرى بيوتنا التي تحوّلت إلى أطلال . نرحلُ سريعاً عائدين . لم يعد للمكان طعم المكان .
ما زالوا لم ينسوا حبّهم لنا . يرسلون لنا حفلاتهم على شكل فيديو إلى عناويننا الالكترونية .
تكادُ لا تخلو حفلةٌ من أغنية صبيحة ، وهي أغنية تراثية ميردلية في مقدمتها :
صبيحة كل سكرتِ . . . قومي طلعي نامي
مونام ، ومونام ضلال . . لا موتكون في احضاني
لي لي لي صبيحة . . .

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow