Alef Logo
يوميات
              

حكاياتٌ سادت ثمّ بادت "3 "

ناديا خلوف

خاص ألف

2011-12-12

أمثالٌ ، وأشخاص
ذكرياتُ جدتي أمّ محمد تحضرني - محمد. هو والدي الذي لم تنجبْ غيره لأنّ زوجها ماتَ شاباً . اعتنتْ به. لم تتزوّج . عاشت معنا -
كانت تذهبُ خلال الحرب العالمية الأولى إلى مدينةِ حمص . بعربة يجرّها حصانان كي تهرّبَ القمح وتبيعهُ ، يحاصرُها الدرك على الطريق . تضربهم بالكرباج . عليهم ضربة ، وعلى الحصانين ضربة ، وفي كلّ مرةٍ تقطعُ الطريقَ سالمة ، وتأتي بالمال .
تعلّقتُ بها أكثر من أمي . عندما كانتْ تحاول أن تغفو في النهار على سريرها الحديدي . أجلبُ مشطاً وماء. أمشّطها وهي تشخرُ وتغطُّ في نومٍ عميق .
كان إخوتي يتباهون بأفعالهم ويتفاخرون أمامها .
- تقول : "تبيضون بيض الحباري ، من مؤخرة الدلون "
هي تعني أنّهم يبالغون .
كم أرى كلامها ينطبقُ على البشر الذين يبيعون المواقف . يدّعون الثورية ، ويتحدثون عن خروجهم في المظاهرات ،و الجميع يعرفُ أنّهم في بيوتهم ماكثون . مهنتهم الوحيدة هي بيع هذه المواقف لمبادلتها في يوم ما بمنصب ما .
الخالة "زمّة "
صديقة عائلة زوجي ، وربما قريبتهم . تقوم بالواجبات الاجتماعية على أفضل وجه . بعد أن تخرجُ تقلّدها الصبايا . اسمها زمزم . لكنّ الأسماءَ في الجزيرة تصغّر . فبدلاً من محي الدين مثلاً " محو "
في عامودة . كانت أغلبُ النساء تنسجنّ خيوط الصوف أو القطن ب"السنارة" الواحدة. كنتُ أحسدهنّ . صمّمتُ على تعلّم نسج " السنّارة " . بدأتُ أعملُ فستاناً أحمر من الصوفِ لا بنتي ذات الستّة أشهر . لم أكن أجيد الأمر كثيراً .
أتتْ خالة زمّة : ما شاء الله . ما شاء الله . كأنّ آلةً هي التي تنسج !
قرأتِ الفاتحةُ فوق يديّ ، كي لا أصابُ بالحسد ثمّ أتبعت
مو كل من طقطق قال : أنا حدّاد "مثل ميردلي "
في اليوم التالي أخذتُ الفستان ، والسنّارة إلى المدرسة . حيث كنّا جميعاً ننسجُ في الفرصة التي كانت كلّ ساعة ربع ساعة . تناولتُ نسجي. ابتسمت تلميذتي في الصف السادس بينها وبين نفسها .
- هل يمكنني إكمال الفستان ؟
تنفّستُ الصعداء
- طبعاً . طبعاً .
راقبتُها . فكّتْ عدةَ أدوارٍ من النسيج . بدأت تعملُ بسرعة مدهشةٍ وعندما انتهى النهار . أنهتِ الفستان .
لا زلتُ مصرّة على اقتناءِ السنارة ، والصوف . لم أفلحْ في صنع شيء سوى مساكتين للقدور غير متقنتين !
الملفونو " المعلّم "
كانَ معلّما ، وبقي اسمه الملفونو . أصبحَ من المعروفين في القامشلي . كنتُ أسمعُ عنه ولا أعرفُه . كلما ذهبتُ إلى حانوته . أرى زوجته هي التي تبيع .
سمعتُ مرةً هتافاتٍ حماسيةً في الحيّ . خرجتُ إلى الشرفةِ . رأيتُ شخصاً بكامل أناقته يرتقي مرتبة عالية ، في سيّارة بيك آب . كان جالساً على المرتبة في صندوق البيك آب ، وبيده عصاً ملوكية . خلفه سيّارات يقودها شبّان يهتفونَ له . عرفتُ أنّ الملفونو . قد ترشح للانتخابات .وكنتُ أعرفُ بعضَ القصصِ عنه
من هذه القصص :
اجتمعَ الشبابُ في غرفةٍ . طلبوه ليعالج أحدهم ادعى أنّه ميّتٌ .
أتى الملفونو ، قرأ كلمات لم يفهمها أحد ..
- قمْ . باسم الرّب .
صلّبَ على وجهِ الميّتِ .
قامَ الشابُّ على الفور يتساءلُ : ما الأمر ؟
- كنتَ ميّتاً !
من الغرفة الأخرى بدأت الإذاعات التي صنعتْ خصيصاً للمناسبة تقابل الملفونو ، وتسأله عن السرّ الخارق لديه .
- يجيبُ بتواضع : هي قدرةُ الربّ !
رأيته يعالج صديقتي في دكّانه بالصدفة . يدهن لها الخال الموجود على خدّها بسائلٍ يشبه الماء .بعدَ أيّام زالَ الخالُ من وجهها .
قالوا : أنّه يستعملُ الأسيد لإزالة حب الشباب والتآليل ، والكولا الممزوجة بالمهدئات للأمراض الأخرى . هو لا يتقاضى مالاً على العلاج .
حبيبي
أصبحتَ مثل حكاياتي من الماضي البعيد .
أرويها باهتةً . لاشيء عندي سواها
أحاورُ الليلَ . إلى ما بعدَ منتصفه . تكونُ حاضراً , نتحدّثُ عن الأمور المستجدّة حول الثورات . وحولَ النتائج والتوقعات . أردتُ أن أعيدَ الماضي للحظات .
أيّامٌ تمرُّ . لا خوفَ . لا وجع . تساوتِ الأشياء .
الحبُّ ، والفرحُ والشمسُ والقمر. كلّهم يخجلون من الدم الذي يراق .
أتذكرُ يوم كنتَ تتبعني كظلّي ، تسألُني رأيي في ذاك الشخص أو تلك القضية ؟
كلما سألتني مرّة أقسم لك : أنّني لا أعرف أسماء الوزراء ، ولا ألوان العلم . ولا قيمة ما يقوله الساسةُ من كلام !
اليوم فقط عرفتُ أن اسم وزير خارجية سورية هو المعلّم .عرفتُه من وصفاته التي تشبه وصفات " الملفونو " أمّا البقية فلا أعرفُ أسماءهم . فقط أتذكرُ عندما كنّا نتابعُ صدّام وموظفيه . لم نكنْ نعلّق على سياستهم . بل على نوعِ الصباغ الذي يستعملونه لشعورهم ، وشواربهم .
نفس الصبغة عادت اليوم إلى الموظفين الذين يظهرون كمحلّلين على الفضائيات .
أحياناً نفس الأشخاص ونفس الصباغ .
تبعتُك ليلاً . صرختُ باسمك . لم تردّ .
جلستُ على مقعدٍ خشبيّ تحتَ بيلسانةٍ . أنتظرتكَ .
اعتقدت أنّكَ ذهبت معهم - أعني الثوّار -
عدْ . لا تذهبْ . أخشى أن تموتَ .
لم تسمعْ كلماتي كالعادة .
انتظرتُ أن تعودَ لتعتذر عن تأخّرك .
أن ترسلَ لي رسالة على هاتفي .
ولمّا لم تفعلْ . عرفتُ أنّكَ ذهبتَ معهم .
متَّ مثلهم .
بقيتُ معَ البيلسانةٍ. أكفّكفُ دمعَها حتّى الصباح .

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow