Alef Logo
دراسات
              

بين العسكرة ومطلب التدويل: تمهيد لإزالة النظام أم ضمان لاستمراره؟

طلال الميهني

خاص ألف

2012-01-22

نتابع بقلق تطورات المشهد السوري منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في آذار. فبعد مرور شهور تسعة، ومع وجود الكثير من المتغيرات والتقاطعات التي تتفاعل على الساحة السورية، طرأت على الحراك الشعبي بعض العوامل المستجدة. وسأعمد في هذا المقال إلى الإشارة إلى عاملين اثنين:
• العامل الأول: عسكرة الحراك وحرفه عن مساراته السلمية
• العامل الثاني: مطلب التدويل وارتفاع الأصوات المنادية بتدويل الملف السوري
والسؤال الذي أود الإجابة عنه في السطور التالية هو: هل تسرع هذه العوامل من رحيل النظام؟ أم أنها بالعكس ستغدو عوامل مساعدة على إطالة أمد المأساة واستمرار النظام إلى حين؟ تكمن الإجابة على هذا السؤال في الكشف عن أصحاب المصلحة والمستفيدين من الدعوة إلى العسكرة ومطلب التدويل، وتحليل النتائج التي ستتمخض عنها وانعكاساتها على الانتفاضة السورية.
القوى الإقليمية والدولية
لقد حول النظام بقمعه ووحشيته سورية اليوم إلى لبنان كبير، وفتح الباب لتدخلات خارجية سافرة في الشأن السوري. ويمكن توصيف الحالة الراهنة لسورية اليوم بالنقاط التالية:
• الدولة السورية اليوم ضعيفة، حتى أن النظام بات ذا قدرة محدودة على اللعب بالملفات التي اعتاد عليها وذلك لأسباب كثيرة داخلية وخارجية.
• كما أن سورية اليوم ليست دولة فاشلة بالمطلق، مما سيمنع حدوث فوضى أمنية شاملة وعابرة للحدود تؤثر على دول الجوار.
• وبالتأكيد فسورية اليوم ليست مستقرة، وليست ذات نظام سياسي ديمقراطي!
أمام كل هذا فهل من المنطقي أن تقوم القوى الإقليمية والدولية بالتدخل لإيقاف الأزمة؟ أعتقد أن الجواب هو: كلا. فهذه القوى ترى في الوضع المتردي الراهن في سورية "الحالة المثلى" التي لن تتخلى عنها بسهولة. حتى أني أعتقد أنه لو عاد الأمر لهذه القوى فقط لما ترددت في إطالة الأزمة السورية وإيصال "سورية الدولة" إلى حالة استنزاف مزمن عن طريق استغلال التصرفات القمعية والوحشية واللامسؤولة للنظام السوري الذي يعتبر السبب الأساسي لما يحل وسيحل بالوطن. فمصلحة هذه القوى في ظل الظروف الحالية تتطلب الدفع باتجاه الإزمان، خاصة وأن المقصود ليس النظام السوري و"بالتأكيد" ليس آلام الشعب السوري. فقد أضحت سورية اليوم ورقة يتم تقاذفها للحصول على تنازلات من النظام لملفات إقليمية قديمة ومتراكمة. فمن ايران شرقاً إلى الربيبة اسرائيل غرباً، ومن تركيا شمالاً إلى دول الخليج جنوباً.
ومن هنا يأتي دور العسكرة والتهديد بالتدويل، والتي تراها القوى الإقليمية والدولية كأدوات كفيلة باستمرار الصراع في سورية، وإطالة الأزمة وإزمانها دون حسم، وجعل النظام السوري في وضع يقبل فيه الابتزاز ويرضخ فيه بالمساومة.
فالعسكرة ستنهك النظام، ولكنها في الوقت نفسه لن تؤدي إلى رحيله أو إزالته، وذلك لأسباب عديدة من أهمها عدم وجود رغبة حقيقية حتى الآن على مستوى الحكومات للتدخل، أو تقديم الدعم التسليحي واللوجستي والاستراتيجي (هناك الكثير من التصريحات الإعلامية ولكن لا يعول عليها).
أما التدويل فهو مطلبٌ تلعب به الدول الكبرى للضغط على النظام السوري دون أن يكون لديها النية حالياً للتدخل العسكري، أو حتى تفعيل قرارات التدويل، هذا لو افترضنا أنه تم تدويل الأزمة (شخصياً لا أعتقد أن التدويل سيتم في القريب العاجل، وفي حال أنه تم فلن يكون تحت البند السابع، وإذا صدر تحت البند السابع فلن يتم تفعيله – وقراءتي للوضع تميل إلى أن الأمور متجهة إلى عقوبات اقتصادية خانقة).
النظام السوري
ولكن ماذا عن موقف النظام السوري من هذه العوامل التي استجدت على الحراك الشعبي؟ وما التأثير الذي ستتركه العسكرة ومطلب التدويل عليه؟
أولاً يجب أن نعلم أن النظام منهكٌ على مستوى القواعد، واقتصاد الوطن في حالة تدهور، ومعنويات غلاة المؤيدين منخفضة. ولكن هذا كله لا يهم النظام الذي لم يعر تاريخياً الوضع الداخلي أي اهتمام، بل على العكس فقد اعتاد النظام النظر إلى الخارج في رسم سياساته والحفاظ على استمراره. وبناء على ذلك لا يجب أن نقع في فخ استغباء النظام السوري خاصة من ناحية مهارته في قراءة التوازنات الخارجية، فلديه رصيد عميق في التعامل مع الملفات الإقليمية، وخبرة أمنية كبيرة تمتد على مدى أربعة عقود من الزمان.
فيما يتعلق بعسكرة الحراك فمن المعروف أن النظام السوري لن يسلم بسهولة، وسيواجه العسكرة الداخلية ويستمر بالقمع الذي سيكون أكثر استشراساً! صحيح أن عسكرة الحراك ستوقع بعض الخسائر في صفوف الجيش والأمن، ولكن ميزان القوى سيبقى في مصلحة النظام، وبالتالي فالعسكرة لن تشكل خطراً حقيقياً يتهدده. وبالعكس تماماً فقد سعى النظام وبشكل حثيث ونشط إلى عسكرة الحراك، ويتبين ذلك جلياً من خلال إقدامه على استعمال العنف غير المبرر، والاعتقال والتنكيل بآلاف الناشطين الميدانيين المتنورين ممن كان لهم دور في سلمية الحراك، والتغاضي عن تهريب السلاح في الأشهر الأولى من الحراك، أو توفيره للمتظاهرين بطرق مباشرة أو غير مباشرة.
في الحقيقة سيستفيد النظام من العسكرة. فعلى المستوى الداخلي سيعمد النظام إلى تجنيد آلته الإعلامية لمواجهة الحركة الاحتجاجية ووصمها بالعصابات المسلحة، بغية إسكات العناصر التي خرجت سلمياً، وممارسة إرعاب ممنهج للأغلبية الصامتة أو الشرائح البينية المرعوبة أصلاً. وعلى المستوى الخارجي فسيعمل على إضفاء مشروعية لممارساته القمعية على اعتبار أنه يواجه تمرداً مسلحاً.
أما فيما يتعلق بمطلب التدويل فأعتقد بأن النظام سيحاول الاستفادة من وقوع المعارضة في هذا الفخ، كما وقعت مسبقاً في فخ العسكرة، مما سيعطي النظام عملياً أفضل فرصة للبقاء على المدى البعيد. فالنظام مطمئن نوعاً ما إلى سحقه للعسكرة في الداخل، وإلى عدم حدوث تدخل عسكري في المرحلة الحالية على الأقل، خاصة مع تصريحات القادة الغربيين المتكررة والتي أكدت على عدم وجود رغبة أو نية بتدخل عسكري.
كما أن النظام لن يتوانى عن استغلال مطلب التدويل كورقة ثمينة يلعب بها على المستوى الداخلي للإيقاع بالحراك الشعبي بحجة ارتهانه للخارج! ومرة أخرى سيجند آلته الإعلامية، ويقوم بالتباكي على السيادة الوطنية، وسيحشد لذلك كل الشعارات التي ما فتئ يرددها مدعومة بدلائل واقعية هذه المرة. ولعله من الطبيعي أن يكون لذلك صدى لدى فئات كثيرة من الشعب السوري الرافضة للتدويل والتدخل الأجنبي بطبيعتها.
أما على المستوى الخارجي، فسيتعامل النظام مع مطلب التدويل (أو حتى التدويل في حال حصوله) بهامشٍ عالٍ من المناورة، لأنه يدرك تماماً أن القوى العظمى تنظر إليه كورقة للابتزاز، وبرأيي فهو مستعد لأن يجعل نفسه خاضعاً لهذا الابتزاز ويدخل في لعبة طويلة من الأخذ والرد والمساومة والمراوغة.
دور المجلس الوطني
بناء على تقارير عديدة يبدو أن تركيا والولايات المتحدة تميل لدعم سياسيين محسوبين على تيارات الإسلام السياسي، في حين تحاول قطر والسعودية –للمفارقة- دفع العلمانيين إلى واجهة الساحة السياسية السورية. وقد بدا هذا في محاولة أولى لإنشاء مجلس انتقالي في الدوحة والتي تم إفشالها من قبل بعض القوى قبل تحويل الوجهة إلى اسطنبول حيث تم تشكيل مجلس وطني تغلب عليه قوى الإسلام السياسي مع تطعيمه ببعض الشخصيات العلمانية.
وفي هذا السياق يحق لنا أن نستفسر عن الغرض من تشكيل المجلس الوطني، والهدف من تلميعه إعلامياً، والأثر المتوقع لطروحاته.
نفترض بدءاً أن إنشاء المجلس كان رد فعل متعاطف مع الشارع المنتفض من قبل بعض الأطراف المُخْلصة التي تستعجل الحسم في معارضة الخارج. ولكن هذا لا يفسر الكرم القطري والتركي تجاه المجلس والذي أراه مثيراً للاهتمام من جهة، ومستغرباً من جهة أخرى، لأنه لم يترافق مع قطع العلاقات الديبلوماسية مباشرة مع سورية، مما يطرح تساؤلات عن النية القطرية التركية ومن خلفها النية الإقليمية الدولية من تشكيل المجلس!
ولكن هل استفاد الحراك الشعبي والمعارضة السورية مما قدمه المجلس حتى الآن؟ وما هو الأثر الذي تركته تصريحات أعضاء المجلس وطروحاتهم المتضاربة بالدعوة إلى العسكرة (وربما دعمها) ومطلب التدويل؟ إن مراجعة سريعة تبين ما يلي:
• تأمين العوامل التي ناقشناها أعلاه (العسكرة ومطلب التدويل) والتي ستقدم للخارج أدوات ابتزازه لسورية والتي ستدفع بالنظام –للمفارقة- بالدخول في لعبة مساومة تضمن له بالتالي أدوات استمراره.
• زج المعارضة السورية في مجادلات وخلافات جانبية هي في طائل منها (كالتدويل ووحدة المعارضة) مما يبعدها عن التركيز على الهدف الأساسي. وهذا ما نراه في الشق العميق الذي أصاب صفوف المعارضة. فقد باتت المعارضة السورية منقسمة إلى معارضة الداخل المتهمة "بالارتهان للنظام"، ومعارضة الخارج التي "تبنت مطالب الشعب". هذا فضلاً عن أن التوجه إلى اسطنبول يحمل في فيما يحمله إقصاء خفياً لبعض القوى، ويخلق حالة من عدم الثقة بين صفوف أطياف المعارضة السياسية.
• تأثير سلبي على الحراك يبدأ بإحباط الشارع المنتفض وتحميله ما لا يحتمل، ولا ينتهي بتغير خطاب الشارع الذي بدأ يميل إلى التخلي عن الشعارات الوطنية والقيمية، وتبني شعارات مستغربة ومسيسة تدعو إلى العسكرة والتدويل والحظر الجوي. وسينعكس أثر هذا اجتماعياً من خلال خسارة تعاطف الأغلبية الصامتة والشرائح البينية، وتشنج المؤيدين، وتعميق الاستقطاب المجتمعي الحاصل والذي سيكون واحداً من أكبر التحديات التي سنواجهها في المستقبل على مستوى العيش المشترك.
تشير التسريبات إلى أن المجلس يضم مجموعات معارضة غير متجانسة أو متآلفة على رؤية مشتركة. وبين هؤلاء عدد من الطموحين والمستعجلين، وأصحاب النيات الطيبة واللاطيبة، كما أن بينهم عدد من العقلاء الذين يسعون بجد وإخلاص للارتقاء بأداء المجلس ودعم قضية الانتفاضة السورية.
ويتهم البعض المجلس بأن الغرض منه هو لعب دور رأس حربة لتمرير مشاريع التدويل والتدخل. ولكن قراءة عميقة في ضوء البنود المذكورة أعلاه قد تكشف دوراً محتملاً ومعاكساً تماماً لما يتم الترويج له، ويقصد منه الحفاظ على النظام مقابل تنازلات معينة! إذ يبدو أن المجلس الوطني في صيغته الحالية ليس إلا ورقة مفيدة بيد القوى الإقليمية والدولية، وبيد النظام السوري (للمفارقة)، متحولاً بذلك إلى واجهة التقت عندها مصالح القوى والنظام! ولكن هل أعضاء المجلس واعون لهذا المطب؟ وهل سيتمكن عقلاء المجلس –وهم كثر- من تجاوز هذا المطب في ظل الظروف العصيبة ومأساوية الحدث اليومي؟
استنتاج
إذا صح هذا التحليل، فقد باتت الدولة السورية وانتفاضة الحرية والكرامة رهينة تتقاذفها وحشية النظام السوري، وأطماع القوى الإقليمية والدولية، وطموحات المعارضة المراهقة أو المتعجلة أو ذات النوايا السيئة. وباتت عوامل مثل العسكرة ومطلب التدويل، والتي تعتقد بعض الأطراف أنها عوامل لإنجاح الانتفاضة وإسقاط النظام، ليست إلا كعب آشيل الذي سيصيبها في مقتل ويقضي عليها ويوفر للنظام فرصة الاستمرار.
-------------------------------
أكاديمي وعضو مؤسس في تيار بناء الدولة السورية
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أشلاءُ الطفلِ المَرْمِيَّةُ تحت السرير

22-نيسان-2017

أشلاءُ الطفلِ المَرْمِيَّةُ تحت السرير

25-كانون الأول-2013

نحن والغرب: صورتنا بين المرسوم والرسام

10-آب-2013

ملحمة البؤس السوريّ: استعراض فجّ ونفاق مبطِّن

29-حزيران-2013

وفي ذكرى الجلاءِ يُذْكَرُ يوسُف

16-نيسان-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow