Alef Logo
مقالات ألف
              

في ثقافة العنف العربية ونتائجها / فايز سارة

2012-02-04

لايحتاج المتابع إلى جهد كبير لملاحظة العنف القائم في الواقع العربي، والذي تبدو تجسيداته العملية أكثر من أن تعد وتحصى، ويمكن التقاطها بشكل عرضي كيفما توجه المعنيون بموضوع العنف، متلمسين أشكاله وأنواعه التي تبدأ بالعنف القاتل والتهديد به، وتمتد الى العنف اللفظي، وكلاهما حاضر في الخريطة العربية، وإن كان العنف القاتل صار ملموساً في الواقع العربي في خلال العام الأخير في عدد من البلدان.

ولايمكن فصل العنف والممارسات التي تجسده عن أسباب تحيط به في الواقع العربي، وتعمل على ديموته من جهة وعلى توليده من جهة ثانية. والأبرز في الأسباب المولدة للعنف، يظهر في محتويات الثقافة السائدة، وهي في خلفياتها الدينية والاجتماعية والتاريخية تحض على العنف، بل وتدعو اليه، وتكرسه من خلال الإشارة الى تطورات من الأحداث التاريخية، كان العنف أساسها على نحو مايجري الحديث عن نشوء وتطور الدولة الإسلامية، إذ يجري التركيز على القوة طريقاً في نشر الإسلام، وتوسيع حدود دولته على حساب حقيقة، أن انتشار الإسلام وتوسع حدوده، لم يرتبط بالقوة بقدر ما ارتبط بأنشطة دعوية وفكرية وحضارية، أوصلت الإسلام إلى بقاع كثيرة في العالم لم تصلها جيوش المسلمين كما في حالة العديد من دول آسيا وافريقيا.

ويستند العنف في احد خلفياته الى إرث من الصراعات الدينية والطائفية ومنها صراعات بين المسلمين والمسيحيين وأخرى بين طوائفهما، ومنها الصراع بين جناحي الإسلام من السنة والشيعة. ورغم أن هذه الصراعات، ارتبطت في وقت حدوثها بظروف وتطورات معينة، فإن البعض يستحضرها من التاريخ ليغذي من خلالها ثقافة العنف، ويساند العاملين على تعزيزها خاصة في بلدان عربية تشهد توترات تجد لها في الصراعات الدينية والطائفية متنفساً لها كما في العراق ولبنان ومصر.

وباستثناء الخلفيات الدينية والتاريخية التي تدعم ثقافة العنف، وتقوي الميول إليه، فإنّ في الحاضر العربي، مايدفع نحو العنف، أساسه السياسات التي تمارسها أغلب الحكومات العربية، وهي سياسات لفئات أقلوية، تقوم على العنف والاكراه في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث يتم إجبار المواطنين على الانصياع لسياسات حكوماتهم في المجالات كافة، والتي تتم غالباً تحت السيطرة الأمنية المشددة دون أن يكون للمواطنين وتنظيماتهم السياسية والاجتماعية حق التقويم أو الاعتراض حتى. وتترك هذه السياسة ردة فعل موازية، تتمثل في إعادة توجيه العنف نحو الحكومات وأجهزتها ومؤسساتها الأمنية، وهو أمر حاضر في أغلب البلدان العربية وخاصة في البلدان التي تنشط فيها الجماعات الإرهابية وحركات الاحتجاج المسلح كما في العراق والجزائر واليمن والسودان.

وقد بلورت سلطات الاستبداد والقهر العربية في العام الأخير نموذجاً جديداً وفجاً من العنف السياسي ضد مواطني بلدان رفع سكانها راية الثورة على الاستبداد ومن أجل الحرية والكرامة، قبل أن تتطور غاياتهم في شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، فشمل العنف تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين وسوريا، حيث توالت عمليات قتل وجرح وانتهاك واعتقال وملاحقة وصولاً إلى التهجير كما حدث بالنسبة لعشرات آلاف السوريين، وكان بين فظاعات العنف الأخير، ما شهدته ليبيا في ثورتها من تدخل لقوات (الناتو) للمشاركة في عملية إسقاط النظام، وهو أمر رفع عدد ضحايا ليبيا على طريق الثورة.

وبالإضافة إلى الأسباب الداخلية المكونة لظاهرة العنف، فإن ثمة أسباب خارجية تترك آثارها في تنمية وتعزيز العنف في الواقع العربي. أول هذه الأسباب يتصل بالنظرة الخارجية، وهي في الغالب، تستند إلى نظرة الغرب النمطية إلى العرب، والتي ترى في الآخر خصماً مجبولاً بالعنف، بل إنه في الأبعد من ذلك يستمد العنف من أساس ديني أيديولوجي يمثله الإسلام، وقد تعززت هذه النظرة في العقود الأخيرة بفعل تنامي الأصولية الإسلامية من جهة، وظهور الجماعات الإرهابية وعملياتها ولا سيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول الأميركية وهجمات لندن وباريس ومدريد.

وثاني الأسباب الخارجية لمكونات العنف في الواقع العربي، تمثله التدخلات الخارجية وخاصة العنيفة ومنها عمليات الاحتلال والتدخل المسلح الذي تعرضت له بلدان عربية بينها فلسطين ولبنان والعراق، بل إن التهديدات بالتدخل الخارجي المسلح غالباً ما يكون لها نفس التأثير في تعزيز الميل إلى العنف في البلدان العربية، وبصورة مباشرة فقد إذكى الاحتلال الإسرائيلي ميول العنف عند الفلسطينيين بما في ذلك الأطفال الصغار، والأمر نفسه حدث عند العراقيين بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، ولا يحتاج إلى تأكيد القول، إن الاحتلال الفرنسي الطويل للجزائر 1830- 1962، ترك بصمته في ميول العنف عند الجزائريين على نحو ما ظهر فعلهم إبان الثورة ضد الاستعمار 1956-1962، ولاحقاً في الصراعات داخل السلطة، وبين السلطة ومعارضيها من جماعة (جبهة الإنقاذ) الجزائرية منذ بداية العقد الأخير من القرن الماضي.

إن العنف في خلفياته وفي أسبابه، فرض مجموعة من النتائج حولت العنف إلى ظاهرة معقدة، تتبادل الأطراف الداخلة فيها التأثيرات. وبشكل عام، فإن نتائج العنف، تجعل منه أمراً مألوفاً وواسع الانتشار في الواقع العربي، وتعيد إنتاجه مجدداً، وتوجهه نحو اهداف داخلية وخارجية موزعة بين اهداف قديمة وأخرى جديدة.

إن بين النتائج العامة لثقافة العنف والممارسات المرتبطة به، أن جعلت الحكومات والمجتمعات أيضاً، تتوجه إلى معالجة وحل مشاكلها الداخلية بواسطة العنف الذي صار سلوكاً عاماً وحاضراً في ممارسات الدولة حيال مواطنيها وفي علاقات المواطنين مع الدولة، وبين المواطنين أنفسهم، وهو ما يظهر جلياً في العلاقات التي تحكم بين الأفراد في إطار الجماعات في الوحدات الإقليمية والإدارية وداخل العائلات والأسر، مما أدى إلى غياب الحوار بين المستويات والمراتب كافة، وبالتالي غياب الحلول السلمية التي يمكن أن ينتجها الحوار، وتكريس العنف، وفي معظم الحالات يغيب الحوار ومساعي الحلول السلمية للقضايا، تصبح القوة والإكراه طريقاً وحيداً لمعالجة الخلافات والاختلافات دون التدقيق في محتوياتها ومستوياتها.

إن أحد الأمثلة على نتائج العنف المستند إلى سياسات الحكومات العربية وللتدخلات الخارجية، أنّه أدى ردود فعل خطيرة في أوساط من الرأي العام العربي، دافعاً إياها للتوجه نحو العنف رداً على ما يحصل، ولأن بدا أغلب الرد من جانب جماعات إسلامية، فإنّ بعضاً من جماعات يسارية عربية لجأت الى العنف، لكن لم يقيّض لأغلبها الاستمرار، فيما استمرت الجماعات الإسلامية في تصعيد عنفها، ليشمل أنظمة عربية حاكمة، وأهدافاً خارجية في أوروبا وأميركا، وصاحَب هذا التوجه نحو "العنف الإسلامي" استنفار فكري وسياسي بحثاً عن مبررات وأسانيد للعنف في الموروث الإسلامي، إضافة إلى إصدار فتاوى، لم تقتصر على تبرير العنف وتسويغه فقط، بل شملت تدخلا في معظم جوانب الحياة، الأمر الذي بدا وكأنه إعادة تنظيم الحياة العربية على أساس فتاوى يصدرها في أغلب الأحيان مفتون لايعرفهم أحد، وليس لهم أي وزن ثقافي ـ معرفي، أو اجتماعي ولا حتّى ديني.

وإضافة إلى النتائج العامة، فثمة نتائج تفصيلية، ترتبت على ثقافة العنف والممارسات المتصلة بها من بينها سلوكيات صارت يومية في الحياة العربية، أهمها عدم احترام الإنسان والخرق المتواصل لحقوقه بما في ذلك الحقوق الأساسية، وهي سلوكيات لا يقتصر القيام بها على موظفي الدولة وسلطاتها العسكرية والأمنية، وإنما تمتد إلى سلوك المواطنين في علاقاتهم وعدم احترامهم لحقوق بعضهم، وقيامهم بخرق حقوق المجتمع والدولة.

ووسط الأجواء السائدة، التي جسدها العنف في الحياة العامة والخاصة في أغلب البلدان العربية، أخذت تتبدى مظاهر تكرس العنف، وتعزز الميول نحوه، منها التوجه نحو عسكرة الحياة وإعطاء العسكريين مزايا في الحياة العامة وإذكاء روح القتال والدفاع عن النفس في مواجهة تهديدات حقيقية وأخرى متخيلة، والتوجه نحو اقتناء السلاح والتشجيع عليه، وتعميم التدريبات العسكرية في المناهج التعليمية، ورواج الثياب العسكرية في أوساط المدنيين ولا سيما الشباب، وكلها استغلت لإقامة حشد شعبوي في مواجهة (اسرائيل) وسياساتها العدوانية العنصرية، لكن ذلك الحشد لم يقم بدور جدي في تلك المواجهة، بل اقتصر دوره على تجييش الجمهور في مواجهة الحقوق العامة والخاصة، ولإشاعة رؤى وسلوكيات، تتناقض مع فكرة وسلوك المواطن الفرد الحر الساعي إلى حقوقه والمحافظ عليها.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow