Alef Logo
كشاف الوراقين
              

قضیتنا في مجلس الأمن( 7 ) – من مذكرات أكرم الحوراني

ألف

خاص ألف

2012-02-06

قدم مندوب سوريا فارس الخوري كتابا إلى مجلس الأمن بتاريخ 4 شباط باسم سوريا ولبنان معا جاء فیه "أن وجود القوات البريطانیة والفرنسیة في الأراضي السورية واللبنانیة يعتبر انتھاكا صارخا لسیادة ھذين البلدين ثم احتج على الاتفاقیة البريطانیة الفرنسیة التي تقضي بالاحتفاظ ببعض القوات البريطانیة والفرنسیة في لبنان للمحافظة على الأمن ھناك ريثما تتم ھیئة الأمم المتحدة الاجراءات التي تراھا ضرورية لصیانة الأمن في تلك المنطقة".
وقد تأخر مجلس الأمن ببحث ھذه القضیة انتظارا لما تسفر عنه المفاوضات والاجتماعات المستمرة بین رئیسي الوفدين السوري واللبناني وبین وزيري خارجیة بريطانیا وفرنسا المستر بیفن والمسیو بیدو ومضت الجلسة الأولى التي عقدھا مجلس الأمن بتاريخ 14 شباط للنظر بشكوى سوريا ولبنان في البحث عما إذا كانت القضیة مسألة نزاع أو مجرد حالة . لأنه إذا اعتبرت المشكلة مجرد حالة فیصبح لممثلي بريطانیا وفرنسا – وھما عضوان رئیسیان في مجلس الأمن - حق الاشتراك في التصويت .
أما اذا اعتبر نزاعا فلا يحق لھما التصويت على قرار المجلس.
ثم قرر المجلس دعوة مندوبي سوريا ولبنان للاشتراك بجلسات مجلس الأمن وعرض قضیتھما دون الاشتراك في التصويت، ومن الطريف أن نذكر إن فیشنسكي مندوب الاتحاد السوفیتي عندما طلب السیر في بحث المسألة على اعتبار أنھا قضیة نزاع شبه الشكوى السورية اللبنانیة مثل شكوى شخص يتقدم إلى المحكمة طالبا إخراج غريب دخل إلى منزله بدون إرادته.
وقد عرض السید حمید فرنجیة القضیة بما خلاصته : إن وجود القوات الأجنبیة في الأراضي السورية اللبنانیة، رغم عدم وجود حالة حرب وعدم موافقاتھما على ذلك لا يتفق مع استقلالھما. وقال إن وجود ھذه القوات يسبب نزاعا دائما، وأما الاتفاق الذي عقد بین بريطانیا وفرنسا فھو انتھاك لحرمة وسیادة البلدين ويمس الشؤون الداخلیة أيضا.
ثم تكلم السید فارس الخوري قائلا: نحن لا نوجه أنظاركم فقط إلى قضیتنا بل نوجه أنظار العالم أجمع إلیھا ثم خلص إلى القول بأنه يصر على المجلس أن يقرر سحب القوات الأجنبیة معا وأن يعین موعدا لھذا الجلاء يتفق مع الضرورات الفنیة. ثم أوضح ما عناه بكلمة "جمیع القوات الأجنبیة معا" بقوله: لو أردنا إلى القوات البريطانیة أن تنسحب لكان ذلك ممكنا في الحال ولكنھا ھي لا تنسحب إلا إذا انسحبت القوات الفرنسیة . وھذا ما أقصده من كلمة "معا".
وقد احتج وزير خارجیة فرنسا "بیدو" على ما ورد في بیان فارس الخوري وقال: إن ھذا التمییز بین وجود القوات البريطانیة والفرنسیة في بلاد المشرق ھو بمثابة إھانة لفرنسا. وأن بقاء القوات العسكرية في ھذه المنطقة حتى الآن ھو إحدى نتائج الحرب، إن سوريا تنفرد بالشكوى من حالة نجد لھا حالات مشابھة في كثیر من البلدان التي اشتركت بالحرب والتي ترابط فیھا حتى الآن قوات من جنسیات مختلفة .... ثم قال: إن فرنسا ھي التي أعلنت استقلال سوريا ولبنان عام 1941 وھي التي تدخلت لدعوتھما إلى مؤتمر سان فرانسیسكو . وإن الحكومتین البريطانیة والفرنسیة تودان أن توضحا بأنھما مستعدتان للبدء بسحب قواتھما العسكرية الموجودة في سوريا ولبنان. نحن لا نفھم لماذا أرادوا أن يجعلوا من ھذه القضیة قضیة نزاع مع أن القوات البريطانیة والفرنسیة جنبت سوريا ولبنان ويلات الحرب .
والیوم يقولون إنھا تھددھما، وھذا تشويه للواقع.
وتكلم السیر ألكسندر كادوغان الوكیل الدائم لوزارة الخارجیة البريطانیة بالنیابة عن "بیفن" مستعرضا الاضطرابات التي وقعت في أيار 1945 يوم طلبت الحكومة السورية من القوات البريطانیة التدخل لإعادة النظام، وقال: إن الحكومة البريطانیة أعطت التأكید الذي طلبته حكومتا سوريا ولبنان بأن البريطانیین لن ينسحبوا ما دامت ھناك قوات أجنبیة. وقال إنه لا يزعم أن اتفاق كانون الأول ( الفرنسي البريطاني) كان مثال التمام. فما ھو سوى محاولة لإيجاد مخرج من موقف أصبح يثیر حفیظة جمیع من لھم علاقة به.
وقد رد وزير خارجیة لبنان السید حمید فرنجیة قا ئلا: زعم مندوب فرنسا المسیو بیدو أنه قبل انتھاء الحرب بزمن وفي ظروف صعبة أقدمت حكومة الجنرال ديغول في حزيران 1941 على إعلان نیة فرنسا على الاعتراف باستقلال سوريا ولبنان، والحقیقة ھي أن قیادة الحلفاء العلیا عندما قررت اجتیاح سورية ولبنان ( كانت فیھما قوات فیشي) لم يكن لديھا سوى 7 آلاف جندي إنكلیزي ونحو 3 آلاف فرنسي للقیام بھذه المھمة . فالحلفاء إذن كانوا بحاجة إلى مساعدة سكان سوريا ولبنان. ولضمان حصولھم على ھذه المساعدة أصدر السیر مايلز لامبسون بتاريخ 8 حزيران 1941تصريحا موجھا إلى سكان سوريا ولبنان قال فیه إنه مخول من قبل الحكومة البريطانیة أن يعلن باسمھا إن قوات الحلفاء قد أتت إلى سوريا ولبنان لتنفذ استقلالھما. وإن السوريین واللبنانیین أحرار فیما إذا رغبوا بأن يؤلفوا دولة واحدة مستقلة أو أن يبقوا دولتین مستقلتین. وفي ذات الیوم أعلن الجنرال كاترو من محطة القدس باسم فرنسا الحرة مخاطبا السوريین واللبنانیین بقوله : إذا انضممتم إلينا بقواكم فكونوا واثقین بأن بريطانیا بالاتفاق مع فرنسا ستخولكم جمیع المنافع التي تتمتع بھا الدول الحرة المشتركة بالحرب مع الحلفاء، والواقع أن سوريا ولبنان قدمتا للحلفاء كل مساعدة. فوضعتا جمیع وسائل مواصلاتھما وكل مرافقھما تحت تصرفھم. وفي كل میدان حربي خاض السوريون واللبنانیون غمار القتال كجزء من قوات الحلفاء وبخاصة الفرنسیة .
ثم إن جمیع موارد البلاد كانت تحت تصرف الحلفاء بحكم المصادرة. فالاستقلال الذي حصلنا علیه إذن لیس منحة أو ھبة من أحد. وإنما ھو نتیجة عادلة للدور الذي قمنا به في الحرب.
ثم ختم كلامه بقوله بأن ما طلبه الوفد الفرنسي من وضع الثقة بفرنسا وإنكلترا للتفاھم فیما بینھما على منھاج الجلاء لا مبرر له. وإن الشيء الوحید الذي يجب إن يتعلق بالجلاء ھو الوسائل الفنیة لاتمامه تنفیذا كاملا. إن الوفد اللبناني والوفد السوري يصران على طلب جلاء القوات الفرنسیة والبريطانیة واحترام السیادة المطلقة لسوريا ولبنان دون قید أو شرط وإن يتم الجلاء دون قید أو شرط كذلك.
أما مندوب الولايات المتحدة فكان من رأيه استمرار المفاوضة، على أن تبقى القضیة في الوقت ذاته موضع اھتمام مجلس الأمن وإشرافه، وقال إن سیاسة الولايات المتحدة تقوم على تشجیع جلاء القوات الأجنبیة عن بلدان الأمم المتحدة التي تطلب جلاء ھذه القوات عنھا. وقال: أريد أن أعرب الآن عن رأيي بأن رغبات حكومتي سوريا ولبنان بجلاء القوات البريطانیة والفرنسیة عن أراضیھما يجب أن ألاقي القبول والرضى.
وقال السید فشنسكي مندوب الاتحاد السوفیتي: لقد بحث مجلس الأمن في جلسات سابقة المسائل التي أثیرت عن الیونان وإندونیسیا وايران، وبعد الذي قیل في تلك الجلسات أرى أن المسألة التي تبحث الیوم يجب أن لا تثیر أية صعوبة، لقد سمعنا الیوم البیان الذي ألقاه المسیو بیدو وسمعنا السیر كادوغان يبسط جھة نظر بريطانیا فلأ تحدث أولا عن بیان المسیو بیدو، أريد أن أعرض ھنا وثیقة قدمت في 18 أيار 1945 من قبل الجنرال بینیه ممثل فرنسا في سوريا ولبنان إلى حكومتي المشرق. وفي ھذه الوثیقة تصرح الحكومة الفرنسیة أنه قد تم استقلال سوريا ولبنان. ولكنھا من جھة أخرى تقول أن لفرنسا مصالح وتريد اتخاذ تدابیر خاصة لصیانة ھذه المصالح . ثم تمضي الوثیقة فتتحدث عن مصالح فرنسا التي ھي على ثلاثة أنواع :
ثقافیة واقتصادية واستراتیجیة وأن الحكومة الفرنسیة لا تستطیع أن تقبل بتسلیم القطعات الخاصة إلا بعد اتفاق ثقافي واقتصادي واستراتیجي مع سوريا ولبنان.
ثم يقول فیشنسكي إن حكومة لبنان أعلمت فرنسا بأنه لا يمكن أن تفاوض على أساس ھذه الشروط أي تحت تھديد القوات المسلحة. وأن مذكرة بینیه بروحھا ومبناھا تعد انتھاكا لسیادة لبنان. وبعد يومین أرسلت حكومة سوريا إلى فرنسا مذكرة مماثلة قالت في ختامھا: إن الحكومة السورية التي أقامت مرارا البرھان المحسوس على حسن نیاتھا وعلى أكید رغبتھا في إيجاد حل للأمور المعلقة بین فرنسا وسوريا تعلن أن مذكرة بینیه تتضمن طلبات وتنم عن روح لا تتفق مع استقلال سوريا وسیادتھا.
ثم ذكر بعد ھذا ما أفضى به الجنرال ديغول في حزيران 1945 أمام المجلس التأسیسي الفرنسي : " إن أرباب توجب أن يصوت جمیع الأعضاء الدائمین إيجابیا على الاقتراح وبما أن مندوب روسیا لم يصوت إيجابیا فان الاقتراح لا يعتبر قانونیا قد اتخذ صفة القرار . وھنا أعلن مندوبا فرنسا وبريطانیا ارتباطھما بالاقتراح الأمیركي وموافقتھما علیه، وھذا نصه:
"إن مجلس الأمن قد أخذ علما بالبیانات التي أفضى بھا كل من مندوبي بريطانیا وفرنسا وسوريا ولبنان وبآراء الأعضاء الاخريین . وھو يعرب عن ثقته بأن القوات البريطانیة الفرنسیة ستنسحب من سوريا ولبنان بأسرع وقت ممكن. وتوصلا لذلك تجري مفاوضات بین الفرقاء بدون تأخیر. وھو يحث الفرقاء جمیعا على إطلاع المجلس على نتائج المفاوضات".
**
كانت خطب فیشنسكي وفارس الخوري لا تخلو من الظرافة والنكت المستملحة. فقد جاء في إحدى خطب الأستاذ الخوري :
لقد سمعنا المسیو كادوغان يقول إن وجود القوات البريطانیة في دولتي المشرق ضرورة لتجنب حدوث نزاع بین سوريا ولبنان من جھة وبین القوات الفرنسیة من جھة ثانیة، وسمعنا الفرنسیین يقولون إنهم لا يستطیعون الجلاء عن بلادنا إذا ما بقي البريطانیون فیھا. وبكلمة مختصرة فإن الفرنسیین والبريطانیین يحافظون على بعضھم بعضا. إن ھذه الظاھرة تذكرني بأقصوصة أستمیحكم عذار إذا ما قصصتھا على مسامعكم : وجدت مرة شارة مركزة على كومة أحجار في منتصف الشارع العام، فلما سئل واضعوھا: لم ھذه الشارة؟ أجابوا لتدل على الأحجار التي تحتھا. ولما سئلوا لم ھذه الأحجار؟ قالوا: لتثبت الاشارة التي فوقھا وتحملھا.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow