Alef Logo
يوميات
              

من أرشيفِ عائلتي

ناديا خلوف

خاص ألف

2012-04-02

في مدينتي " السلمية " يكثرُ الآلهة والأنبياء . تستطيع أن تصنّفَ أغلبَ النّاس في مرتبةٍ أعلى من مرتبةِ الإنسان . وما تبقى هم من الأولياء الصالحين .
في عائلتي : يوجدُ ثلاثةُ أنبياء . ارتقى أحدهم إلى مرتبةِ الآلهة
كنّا نتلقى أوامرنا من ثلاثِ جهاتٍ تعملُ بطرقٍ مختلفة لهدفٍ واحد .نادراً ما ننفّذُ توجيهاً من توجيهاتهم .
التعامل مع الآلهة والأنبياء ليس سهلاً . . لكم أن تقدّروا صعوبته .
ذهبتْ أمي وأبي إلى القريةِ في رحلةٍ صوفية ، وعمليّة هدفها إحياء الأرض ، وعاشوا في الحقل .
كانت أمي أنثى جميلةٌ . تحبّ الذهبَ والدلال ، والثياب الجميلة . هي سيدةً من الطراز الأوّل . هذا ما قاله لي والدي بعد أن توفيت . كنتُ أعرفُ أنّها أمي فقط، وأتساءلُ إن كان يوجد في الدنيا أمهاتٌ غيرها . .
جلبتْ أمي جرواً صغيراً من قريتها أسمته : بيوض . كان أبيضَ الصوفِ . خصّصت له وعاء يستحمّ به بالشامبو . تعاملتْ معه برقّةٍ وحزم . إلى أن كبر . من رآه . أجزم : أنّه يصلحُ سفيراً في الأمم المتحدة .
جلبتْ قطّاً أيضاً . بذلت جهدها معه كي يكونَ لطيفاً . بقي تأثيرها به محدوداً . كان القطُّ يشبهُنا . حازمٌ وجدي ، رافضٌ للأوامر . مخادعٌ . فقط قتل أفعى كانت ستقضي على حياة أحدنا . بقينا نمتنّ له طول العمر ولم يبتسم مرة في وجهنا .
كلّ الأمور التي كانت تقومُ بها أمي ، يعتبرها والدي ملهمةً دون أن يبوح بذلك بشكلٍ مباشر ، ومن الأشياء التي ألهمته هو تربيتها ل "بيوض " . قبل أن يخرج في الصباح . يتحدّث إلى بيوض :
عليّ نذرٌ . إن نجح ابني أن أجلب لك "شعيبية " ، ويجلبها له حتى إن لم تظهر النتائج . يأكلها بيوض بينما والدي يبتسم وهو مملوء بالرضا عن النفس .
لم نشعرْ أنّ من حقّنا أن نتقاسم مع بيوض الحلوى التي نحبُّ . هي له !
بيوض يضحكُ ويقهقه . يسلّم ، ويفهم مشاعر العائلة تجاه الضّيوف . إن كان الضّيف غير مرحّبٍ به لا يستطيع الدخول أبداً . كنّا جميعاً نستغربُ كيف استطاعتْ أمّي تحويله إلى أكثر من كلب ، وربما أرفع قيماً من الكثير من البشر . البشرُ لا يرحمون أحياناً .
العذرُ دائماً في القنص . أراد أحدهم أن يقتلَ بيوض . قنصه ، وكاد يودي بحياته من أجل بعض العنب . لم يمتْ . أصابته الطلقة في رجله . أخرجتها أمي وضمدت له جرحه . أصبح أعرجاً .
غادر أبي وأمي القرية ، بقي بيّوض وحيداً يذهبُ إليه أبي عدة مرات في الأسبوع ليأخذ له الطعام .. كان يرفض أن يأكلَ . يلوح برأسه يميناً ويساراً مهما دعاه أبي إلى وجبته يرفضُ الطعام . فقط يبحثُ عن أمي .
ليس الكلاب فقط تموتُ حزناً . البشرُ والأشجار تموتُ من الحزن .
مات زوجي حزناً على فراقِ المكان ،وربما يكون قد قنص . لم نكن حين مات ، وكان حصاراً قد فرض عليه ، وكسر مكتبه وسرق . قد يكون قد . . !
ماتت أشجار حديقتي حزناً على فراقي .
إخوتي الأنبياء الذين تحوّل أحدهم إلى إله . لم أكن أنفّذُ ولا كلمة مما يقولون . واليوم أعيدُ النظر في مواقفي . أجد أنّهم كانوا يستحقون . لسببٍ وحيدٍ أنهم لم يخضعوا للزيف .هم فعلاً أنبياء .
الأوّل : قانوني الذي كان في الإدارة المركزية للرقابة والتفتيش ، اعتقدَ أن من واجبه أن يحافظَ على النزاهة في العمل ، والعدل في الحياة . كان مصيره خمسة آلاف ليرة تقاعد بعد إنهاء خدمته في وقتٍ مبكّرٍ ،هذا حوّله إلى مرحلة متقدمة على النبوّة .
الثاني: كان مدير إداري في حقول الرميلان ، وعندما صار استفتاء للرئيس في الثمانينات . أرسلوا له صديقه ليحذره إن لم يذهب إلى الاستفتاء سيخسر عمله ، ولم يذهب . أقيل من عمله . بقي كما كان نبيّاً . .
أمّا الثالث : هي أختي الكبرى التي أشرفت على تربيتنا وجزء كبير من حياتنا . واستطاعت أن تبدأ حياتها دون مساعدتنا . لم نعترفْ لها بالجميل ، وربما بعضنا يعتبرُ زيارتها عبءٌ عليه خوفاً من العتاب . وبعد مضي هذه العقود من السنوات . آمنتُ بنبوّتها . أنظرُ لهم ثلاثتهم كأنبياء .
أتهيبُ في حضورهم ، ولا أتجرّأ على مخالفتهم بالكثير من الأشياء .
كنوعٍ من الاحترام ، وربما من الخوف في بعضِ الأحيان !

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow