Alef Logo
يوميات
              

محمد عرب ... يا صديقي ... أطلت الغياب علينا

طلال الميهني

خاص ألف

2012-04-14

سأخص مقالة اليوم للحديث عن شخص ... ليس لأنه القائد الأوحد للحراك الشعبي في سورية، وليس لأنه كان "الممثل الشرعي للشعب السوري"، بل لأنه وببساطة مثالٌ صارخٌ وحقيقيٌ عن آلاف الأبطال الذين صنعوا مجتمعين الانتفاضة السورية التي انطلقت في آذار 2011. وقصة هذا الشخص ستتكرر في كل الحكايا التي سنحكيها عن كل هؤلاء الأبطال السوريين: سلمية، كرامة، حرية، وحلمٌ كبيرٌ بسورية العظيمة.
منكم من سمع بمحمد عرب، ومنكم من قرأ عنه في صفحات الفيسبوك، وبالتأكيد فهناك منكم من يعرفه عن قرب. ولأنني أحد الذين عرفوا محمد عرب عن قرب، فقد كان واجباً عليّ أن أصعد إلى قمة ذاك الجبل وأصرخ من علوٍ بملء فمي: أفخر بأني أعرف بطلاً من سوريا اسمه محمد عرب.
عرفتُ محمد عرب مذ كنا في الصف السابع، ومع أنه لم يكن في شعبتي الدرسية إلا أنه ليس من الصعب أن تميزوا محمد، فهو هناك يظهر من بين التلاميذ بقامته المربوعة، وصوته العميق، وعيونه التي تلمع، وبابتسامته التي يحاول جاهداً كبتها حتى في أكثر لحظاته غضباً. كبرنا وانتقلنا معاً إلى ثانوية المعري في حلب. كان محمد من المتفوقين دراسياً، وبالإضافة إلى ذكائه المتقد، كان من هواة القراءة القلائل الذين عرفتهم، أو بالأحرى كان من عاشقاً للقراءة لدرجة النهم. وكمواطن سوري أصيل وبهويةٍ حلبية كان من الصعب على محمد ألا يُكِنّ احتراماً لصباح فخري، أو أن يقاوم الطعام الفاخر الذي تصنعه الخالة أم محمد.
دخلنا معاً كلية الطب، وفي نهاية ذلك العام الدراسي الأول كانت تجول في رؤوسنا كثيرٌ من الأفكار الطموحة والمتنورة والكبيرة في مجتمعٍ رضع الاستبداد وترعرع في كنفه. لا بد أن محمد عرب كان ثورياً يسارياً مذ كان طفلاً يحبو، هكذا يخيل إلي على الأقل وأنا أتذكر حواراتنا الطويلة على مر السنين. أما حسه العالي بجدلية العدالة والظلم فقد دفعت به ليناصر قضايا لا تمسه بشكل شخصي، وأذكر هنا اعتصام الطبيب محمد عرب أمام وزارة التعليم العالي احتجاجاً على قرار عدم التزام الدولة بتوظيف المهندسين الخريجين! وقد اعتقل على إثرها لمدة عام بشكل تعسفي عام 2004. ولا داعي لأخبركم عن تأثير ذلك على مستقبله العلمي في جامعة حلب، ولكنه بإرادته الصلبة استطاع أن يختص بعد تخرجه من كلية الطب.
زرت سوريا في آذار 2011 بعيد اندلاع الانتفاضة، وحينها قابلت محمد عرب. عانقني وعانقته كأصدقاء. ولكننا هذه المرة ضغطنا بأيدينا على أكتاف بعضنا. فقد كان لدى كل منا الكثير لنبوح به ونتحدث عنه، ومن وراء عيونه التي تلمع أحسست ببحرٍ من الصراخ يكاد أن يتفجر، وبجبالٍ من الهتاف تكاد أن تتصدع. لم نتحدث فيما يجب أن نتحدث به فقد كان الوضع غير مناسب في الجامعة، ولكن التصميم في العيون كان أبلغ من كل الكلمات التي كان يمكن أن تقال. ولم نستطع من يومها أن نتواصل سوى عبر بضعة مراسلات سطحية.
وصلتني في آب 2011 أخبارٌ من معتقلين سابقين في حلب بأن النظام يريد اعتقال محمد عرب، فهرعتُ لأرسلُ له عبر أصدقائي أحثه على السفر خارج البلاد ريثما تهدأ الأمور على الأقل، فنحن في انتفاضتنا نحتاج عقل محمد عرب الوقاد، ونحتاج ابتسامته وتصميمه، وروحه السلمية والتواقة إلى الحرية. إلا أني كنت أعلم مسبقاً جوابه فقد رفض بشممٍ وإباء. ولا غرابة في ذلك فهذا هو محمد عرب كما عرفته، لم يتغير، ولن يتغير ... عنيد ... ولكنه عنيد وجميل ... وقبل كل شيء شجاع.
اعتقلوا محمد عرب في أوائل تشرين الثاني 2011، ومن يومها ونحن لا نعلم شيئاً عنه في ظل سلطةٍ فاقدةٍ للأهلية، ودستورٍ منتهك العرض، وكذبةٍ سخيفةٍ تسمى رفع حالة الطوارئ. فقد نزعت السلطة عن نفسها القناع الصدئ لتظهر على حقيقتها ككتلةٍ من الفساد والاستبداد لا يمكن لها أن تعترف بشرعةٍ أو قانونٍ أو دستور ... سلطة فاسدة تعتقل سوريين وسوريات من أمثال أيمن وخالد وريم وعبد القادر وحسام وبهراء وسعد ومازن ويحيى ويارا وفرزند ولُجَيْن وجوان وجورج ومحمد عرب ... فهل بقي كلام بعد كل ذلك؟
تدخلتْ الأمنستي وعدة منظمات حقوقية، وتم رفع اسم محمد عرب إلى الجامعة العربية وإلى بعثة كوفي عنان. ولكن "السلطة" أبتْ أن تبعث إلى أهله أو إلينا بخبرٍ يتعلق بمكان احتجاز مواطنٍ سوريٍ له الحق الكامل بالتعبير عن رأيه والحق الكامل بأن يبقى حراً. وبالعكس بدأت الإشاعات، المحملة بالأخبار السيئة وغير المؤكدة، تنهمر على أهله الذين يعيشون في كربٍ يمكن لكم أن تتخيلوا مدى فظاعته.
محمد عرب صديقي، العنيد والشجاع، استطاع أن يرسم بوضوحٍ الحدود المبهمة بين الشجاعة وبين الجنون، وبين البطولة وبين التهور ... واستطاع أن يطرح سؤالاً هاماً حول: الفرق بين القلاع الشامخة في وطني وبين محمد عرب والآلاف من أبطال سوريا!
محمد عرب واحدٌ من آلاف المعتقلين السلميين المتنورين في وطني الذين قيدتْ أيديهم أغلال الاستبداد في أقبية المخابرات بكل وقاحة وبكل إجرام. تهمتهم فقط أنهم آمنوا بسورية وآمنوا بالحرية والكرامة حقاً مقدساً لجميع السوريين. لكم أيها الأبطال كل التحية وكل السلام.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أشلاءُ الطفلِ المَرْمِيَّةُ تحت السرير

22-نيسان-2017

أشلاءُ الطفلِ المَرْمِيَّةُ تحت السرير

25-كانون الأول-2013

نحن والغرب: صورتنا بين المرسوم والرسام

10-آب-2013

ملحمة البؤس السوريّ: استعراض فجّ ونفاق مبطِّن

29-حزيران-2013

وفي ذكرى الجلاءِ يُذْكَرُ يوسُف

16-نيسان-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow