Alef Logo
نص الأمس
              

من كتاب مفاخرة الجواري والغلمان (( الجاحظ )) ـــ 2 ـــ

خاص ألف

2012-04-25

وقال (صاحب الجواري): فقد قال أبو نواسٍ الحكميُّ شاعركم أيضاً:
لا تبكِ ليلى ولا تطربْ إلى هنـــدِ واشربْ على الورد من حمراء كالوردِ
كأساً إذا انحدرتْ في حلْقِِ شاربها رأيت حمرتها في العين والــــــــخدِّ
فالخمر ياقوتةٌ والكأس لؤلـــــؤةٌ من كفِّ لؤلؤةٍ ممشوقة القـــــــــــدِّ
تسقيك من عينها سحراً ومن يدها خمراً فما لك من سكــــــرين من بُدِّ
لي نشوتان وللنَّدمان واحــــــــدةٌ شيءٌ خصصت به من بينهم وحدي
وقال أيضاً:
دع عنك لومي فإنَّ اللوم إغراءُ وداوني بالتي كانتْ هي الداءُ
صفراءُ لا تنزل الأحزان ساحتها لو مسَّها حجرٌ مسَّته ســــرَّاءُ
من كفِّ ذات حرٍ في ذي ذكـــر لهــــــــا مُحبّان: لوطيٌّ وزنّاءُ
قامت بإبريقها واللَّيل معتــــــكرٌ فظلَّ من وجهها في البيت لألاءُ
فأرسلتْ من فم الإبريق صافيةً كأنَّما أخذها بالعين إغفــــــــاءُ
في فتيةٍ زُهُرٍ ذلَّ الزمان لهـــم فما يصيبهم إلاَّ بما شــــــــاءوا
لتلك أبكي ولا أبكي لمنزلـــــــةٍ كانت تكون بها هندٌ وأسمــــــاءُ
قال صاحب الغلمان..وقال النظام :
بان بك الشَّكل والنَّظيــرُ وجلَّ عن وصفك الضَّمير
فليس يُخطيك في امتحانٍ صغيرُ أمرٍ ولا كبيـــــــــرُ
خُلقت من مثل لا عيــانٍ جسماً على أنّه منيــــــــرُ
فأنت عند المجسِّ نـــارٌ وأنت عند اللِّحاظ نــــــورُ



وقال يوسف لقْوه :
ما يساوي نيكُ أنثى عند أيري بعرتينِ
إنّما نيك الجواري حلُّ ديْنٍ بعد ديـــنِ
ليس للأير حيـــاةٌ غير ريح الخُصيتينِ

وهذا قليلٌ من كثير ما قالوا، فقد قالت الشعراء في الغلام في الجدّ والهزل فأحسنوا، كما قالت الشعراء في الغزل والنَّسيب، ولا يضير المحسن منهم أقديماً كان أو محدثاً. قال (صاحب الجواري): أمّا أنت فحيث اجتهدت واحتفلت جئت بالحكميّ، والرَّقاشيّ، ووالبة، ونظرائهم من الفُسَّاق والمرغوب عن مذهبهم، الذين نبغوا في آخر الزمان، سُقّاطٌ عند أهل المروءات، أوضاعٌ عند أهل الفضل؛ لأنّهم وإن أسهبوا في وصف الغلمان، فإنما يمدحون اللِّواط ويشيدون بذكره. وقد علمت ما قال الله تبارك وتعالى في قوم لوطٍ، وما عجَّل لهم من الخزي والقذف بالحجارة، إلى ما أعدَّ لهم من العذاب الأليم. فمن أسوأُ حالاً ممن مدح ما ذمَّه الله، وحسَّن ما قبَّح! وأين قول من سمَّيت من قول الأوائل في الغزل والنَّسيب والنساء! وهل كان البكاء والتشبيب والعويل إلا فيهنَّ وعليهنّ، ومن أجلهنّ! وهل ذمَّت العرب الشَّيب مع الخصال المحمودة التي فيه إلا لكراهتهنَّ له. قال شاعر الشعراء من الأوّلين والآخرين، وما قالت القدماء في النسيب أكثر من أن نأتي عليه. وأين قول من ذكرت في صفات الغلمان من قول امرؤ القيس في التشبيب حيث يقول:
وما ذرفتْ عيناك إلاّ لتضربي بسهميك في أعشارِ قلبٍ مقتَّلِ
أغرَّك منّي أنَّ حُبَّكِ قاتـــــلي وأنَّك مهما تأمري القلب يفعــلِ
وقول الأعشى:
لو أسندتْ ميتاً إلى نحرها عاش ولم يُنقل إلى قابــــرِ
حتّى يقولُ الناس مما رأوا يا عجبّاً للقاتل الناشــــــــــرِ
فهؤلاء القدماء في الجاهلية والإسلام، فأين قول من احتججت به من قولهم!. ولا نعلم أحداً قال في الغلام ما قال الحكميّ وهو من المحدثين. وأين يقع قوله من قول الأوائل الذين شبَّبوا بالنساء! فدعْ عنك الرَّقاشيّ ووالبة والخرَّاز ومن أشبههم؛ فليست لك علينا حجّة في الشعراء. وأُخرى: ليس من قال الشعر بقريحته وطبعه واستغنى بنفسه، كمن احتاج إلى غيره يطردُ شعره، ويحتذي مثاله، ولا يبلُغ معشاره. قال (صاحب الغلمان): ظلمت في المناظرة ولم تُنصف في الحجَّة؛ لأن لم ندفع فضل الأوائل من الشعراء، إنّما قلنا إنهم كانوا أعراباً أجلافاً جُفاةً، لا يعرفون رقيق العيش ولا لذَّات الدنيا؛ لأنَّ أحدهم إذا اجتهد عند نفسه شبَّه المرأة بالبقرة، والظبية، والحيّة. فإنْ وصفها بالاعتدال في الخلقة شبّهها بالقضيب، وشبَّه ساقها بالبَرْدية؛لأنّهم مع الوحوش والأحناش نشؤوا،فلا يعرفون غيرها. وقد نعلم أنّ الجارية الفائقة الحُسن أحسنُ من البقرة، وأحسنُ من الظَّبية، وأحسن من كلِّ شيءٍ شُبِّهَتْ به. وكذلك قولهم: كأنَّها القمر؛ وكأنّها الشمس؛ فالشَّمس وإن كانت حسنةً فإنما هي شيء واحد، وفي وجه الإنسان الجميل وفي خلقه ضروبٌ من الحُسن الغريب، والتركيب العجيب. ومن يشكُّ أنّ عين الإنسان أحسن من عين الظَّبي والبقرة، وأن الأمر بينهما متفاوت!. وهذه أشياءُ يشترك فيها الغلمان والجواري، والحجَّة عليك مثلُ الحجّة لك في هذه الصفات. وأمّا احتجاجُك علينا بالقرآن والآثار والفقهاء، فقد قرأنا مثل ما قرأت، وسمعْنا من الآثار مثل ما سمعت. فإن كنت إلى سرور الدُّنيا تذهب، ولذّاتها تريد، فالقول قولنا.
كما قال الشاعر:
ما العيش إلاَّ في جنون الصِّبا فإنْ تولَّى فزمانُ المُـــــدامْ
كأساً إذا ما الشيخُ والى بهـــا خمساً تردَّى برداء الغــــلامْ

وإن كنت إلى التقشُّف والتزهيد في اللَّذَّات تعمد فترك جميع الشَّهوات من النساء وغيرهنّ أفضل. فإنْ أنصفت فأْتنا بمثل حجّتنا. فأمّا أن تتلو علينا القرآن وتأتينا بأحاديث ألَّفتها فهذا منك انقطاع. ومثلنا ومثلك في ذلك مثل بصريٍّ وكوفيٍّ تفاخرا بعدد أشراف أهل البصرة وأشراف أهل الكوفة، فقال البصريّ للكوفيّ: هات في أربع قبائل الكوفة مثل أربعة رجالٍ بالبصرة في أربع قبائل: في تميم الكوفة مثل الأحنف، وفي بكر الكوفة مثل مالك بن مسمع، وفي قيس الكوفة مثل قتيبة بن مسلم، وفي أزد الكوفة مثل المهلب. فقال الكوفيّ: مخنف بن سُليم من أزد السَّراة، وهم أشرف من أزد عُمان. فقال البصريّ: إنا لم نكن في شرف القبائل وفرق ما بينهما، فإنما ذكرنا المهلب بنفسه، وما علمت أن أحداً يبلغ من جهله أن يفخر بمخنف بن سليم فيفضّله على المهلب. وأخْمل رجل من ولد المهلّب أشهر في الولايات وفي الفرسان وفي الناس من مخنف. والمهلّب رجلٌ ليس له بالعراق نظيرٌ يقاومه، ومناقبه وأيّامه وفتُوحُه أكثر وأشهر من أن يجوز لنا أن نجعله إزاء مخْنف. وما زالوا يقولون: " بصرة المهلّب " . ولو لم يكن للمهلّب إلاَّ أنه ولد يزيد بن المهلّب كان كافيا. ونحن إذا قلنا: ليس في قيس الكوفة مثل قتيبة بن مسلم، قال قائل: فزارة أشرف من باهلة. قلنا: ليس هذه معارضة؛ فإنّما المعارضة أن تذكر أسماء بن خارجة ثم تقول ونقول، فنذكر فتوح قتيبة العظام، والشَّهامة والنفس الأبية، والشَّجاعة والحزم والرأي، والوفاء، وشرف الولاية، ونذكر سُودد أسماء، وجوده ونواله. فأمّا أن نتخطّى أنفسهما إلى قبائلهما كما تخطَّيت بدن المهلَّب وبدن مخنف إلى أزْدِ عمان وأزدِ السَّراة، فهذا ليس من معارضة العلماء. وكذلك إذا ذكرنا عُبّاد البصرة وزُهّادها ونُسَّاكها فقلنا: لنا مثل عامر بن عبد قيس، وهرم بن حيَّان، وصلة بن أشْيم. قلت: فعُبَّاد الكوفة: أُويسٌ القرنيّ، والرَّبيع بن خُثيم، والأسود بن يزيد النَّخعي. وهذا جواب. فأمّا أن تذكر طيب الدُّنيا والتمتُّع من لذّاتها وصفات محاسنها، وتذكر ظرفاءها وأربابها، وتجيئنا بأحاديث الزهّاد والفقهاء، فقد انقطع الحجاج بيننا وبينك. وقد قلنا في صدر كتابنا: إن الكلام إذا وُضع على المزْح والهزل، ثم أخرجته عن ذلك إلى غيره من الجدّ، تغيّر معناه وبطل. وقد رُوي أنَّ معاوية سأل عمرو بن العاص يوماً - وعنده شبابٌ من قريش - فقال له: يا أبا عبد الله، ما اللذّة؟ فقال: مُر شباب قريشٍ فليقوموا. فلما قاموا قال: " إسقاط المروءة "
قال الشاعر في مثل ذلك:
من راقب الناس مات غمّاً وفــــــــاز باللّذةِ الجســور
قال (صاحب الجواري): فنحن نترك ما أنكرت علينا ونقول: لو لم يكن حلال ولا حرام، ولا ثواب ولا عقاب، لكان الذي يُحصِّله المعقول ويدركه الحسُّ والوجدان، دالاً على أنَّ الاستمتاع بالجارية أكثر وأطول مدّة؛ لأنه أقل ما يكون التمتُّع بها أربعون عاماً، وليس تجد في الغلام معنىً إلاَّ وجدته في الجارية وأضعافه. فإن أردت التفخيذ فأردافٌ وثيرة، وأعجاز بارزة لا تجدها عند الغلام. وإن أردت العناق فالثُّديُّ النواهد، وذلك معدومٌ في الغلام. وإن أردت طيب المأتى فناهيك، ولا تجد ذلك عند الغلام. فإن أتوه في محاشِّه حدث هناك من الطَّفاسة والقذر ما يكدِّر كلَّ عيش، وينغص كلَّ لذّة. وفي الجارية من نعمة البشرة ولدونة المفاصل، ولطافة الكفَّين والقدمين، ولين الأعطاف، والتثنِّي وقلّة الحشن وطيب العرق ما ليس للغلام، مع خصالٍ لا تحصى، كما قال الشاعر: يصف جودة القدّ وحُسن الخرط، ويفرق بين المجدولة والسمينة. وقولهم " مجدولة " يريدون جودة العصب وقلّة الاسترخاء، ولذلك قالوا: خُمصانة وسيفانة، وكأنها جانٌّ، وكأنَّها جدْل عنان، وكأنَّها قضيب خيزران. والتثني في مشية الجارية أحسن ما فيها، وذلك في الغلام عيبٌ؛ لأنه بنسب إلى التخنيث والتأنيث وقد وصفت الشعراء المجدولة في أشعارها، فقال بعضهم:
لها قسمةٌ من خوط بانٍ ومن نقاً ومن رشأ الأقواز جيدٌ ومَذْرِفُ
وقال آخر:
مجدولة الأعلى كثيبٌ نصفها إذا مشت أقعدها ما خلفهــــــا
وقال آخر:
ومجدولةٍ جدل العنان إذا مشتْ ينوء بخصريها ثقالُ الرَّوادف
وقال الأحوص:
من المدمجات اللحم جَدْلاً كأنّها عنان صناعٍ أنعمت أن تخوَّدا
يتبع ,,,
إعداد أحمد بغدادي

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow