Alef Logo
يوميات
              

د. أحمد العبادي: وفضائح الديمقراطية العربية

نضال نعيسة

2007-05-28

"في 3 مايو/أيار، قام مدعي عام عمان صبر الرواشدة باستدعاء أحمد عويدي العبادي، استناداً إلى شكوى شخصية بحقه قدمها وزير الداخلية عيد الفايز. وتتعلق الشكوى برسالةٍ بعثت بها الحركة الوطنية الأردنية، التي يتزعمها الدكتور العبادي واتهمت فيها الوزير المذكور بالفساد.
وفي اليوم التالي، وجهت النيابة إلى العبادي تهمة "[إذاعة].... أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو مكانتها"، وذلك استناداً إلى المادة 132 من قانون العقوبات؛ و"الذم... موجهاً إلى... أي موظف أثناء قيامه بوظيفته" وذلك استناداً إلى المادة 191 من هذا القانون".

لا أتمالك نفسي من الاحتقان الممزوج بالمرارة والألم، حين أستمع إلى أي حديث يتعلق بالديمقراطية في "الوطن العربي"، الذي يجتاحه القهر والقمع والاستبداد من بابه إلى محرابه برغم تلك الاحتفالية الزائفة، والحركات المفضوحة "القرعاء" التي تمارسها بعض الأنظمة، أحياناً، لتقمص أدوار ديمقراطية هي بعيدة عنها في مطلق الأحوال. وحين يعلـّق أي من الغربيين عن ديمقراطية في هذا البلد العربي، أو ذاك، فهذا يعني أن هذا النظام قد وقع، وعلى الفور، في دائرة المشبوه، والمتهم، وهي إدانة غير مباشرة لهذا النظام قبل أن تكون مدحاً أو تبرئة له من تهم التعسف والاستبداد. وقد درجت الإدارة الأمريكية، في هذا الصدد على توجيه معلقات الثناء والإعجاب، لبعض من الأنظمة العربية باعتبارها "واحات من الديمقراطية" الخالصة الغنـّاء في بيداء عربية قاحلة موحشة من هول وفظائع الاستبداد. ولا تنجو من هذا "الامتياز"، والتصنيف الأمريكي بالطبع دول من مثل الكويت، والأردن، والبحرين، ومصر، والمغرب، مثلاً. وبرأيي الشخصي إن هذا المديح الأمريكي هو إدانة ملتبسة لهذه الدول أكثر مما هو مديح لها، ناهيك عن بعده الكبير عن الواقع فيما لو تعرض مجمل الممارسة الديمقراطية في هذه الدول لعملية نقد وتشريح ديمقراطي حقيقي لسنا في وارد التطرق لها في هذا المقال.

ولو نظرنا مثلاً، وبالقياسات الاستبدادية الستالينية، لعملية اعتقال الكاتب، والمؤرخ، وعضو البرلمان الأردني السابق، الدكتور أحمد عويدي العبادي، والمفترض قانوناً أنه يتمتع بحصانة ما، ولو أدبية ومعنوية بعد خروجه من تحت قبة البرلمان، فهي لا تختلف البتة عما جرى، ويجري من اعتقال تعسفي، وكيدي، وخارج، غالباً عن نطاق القانون، والدستور والأخلاق إبان تلك الحقب الشمولية السوداء. وتعيدنا مشاهد اعتقال من هذا القبيل، إلى بدايات الامبراطورية السوفياتية المنهارة، وأجرامها الشيوعية التابعة والدائرة في فلكها، حيث الشتازي، والسيكيوريتات، والكي جي بي سيء الذكر والفعل والسيط، حين كان يغيب المناضلون والنشطاء في أقاصي الصقيع السيبيري البعيد لمجرد وشاية، أو تهمة كيدية، أو على الغالب شبهة لا تستند إلا أي أساس أو سند قانوني. ويتساءل المرء عن جدوى، ومعنى، وسبب اعتقال هؤلاء التنويرين والنشطاء، وترك بعض المهرجين، والتابعين، والإمعات، وفقهاء السلطان طلقاء، يسرحون ويمرحون ويعيثون فساداً في المجتمعات. والتفسير ربما الوحيد لذلك، بأنها مجرد مفارقات عبثية مؤلمة وقاسية خرقاء في عالم الأعراب المليء بالعجائب والخوارق والمتناقضات.

وفي حالتنا العربية المنكوبة، فدائماً ما يتم تعليق الدستور وأحكامه والتنكر له حين تمس الأصنام والطواطم الحاكمة، والذوات "الإمبراطورية" والسلطانية والملكية والأميرية العصماء التي لا يأتيها الباطل أبداً، ولا تخضع لأية مراجعة أو ميزان. وحين تعلو الأصوات باتجاه هذه التابوهات المقدسة فيجب إسكاتها على الفور، ودونما أي إبطاء، حتى لو كان الثمن التضحية بورقة الديمقراطية المحروقة التي تتلاعب بها حكومات الاستبداد أمام الأغراب، وفضيحة من العيار الديمقراطي الثقيل على غرار فضيحة اعتقال الدكتور العبادي . وهذا هو، بالضبط، واقع الدكتور والكاتب والنائب السابق أحمد عويد العبادي، اليوم، الذي صدرت "إرادة ملكية سامية" شخصية باعتقاله من الملك عبد الله الثاني بالذات. والدكتور العبادي ما زال حتى اللحظة رهن هذا الاعتقال التعسفي رغم وجود قانون جديد يحظر الحبس في جرائم التعبير عن الرأي، ورغم تلك الهمروجة الديمقراطية الممجوجة التي يتغنى بها الأمريكيون والأردنيون على السواء.

ففي 21 مارس/آذار 2007، مثلاً، أقرّ البرلمان الأردني قانون الصحافة والمطبوعات الذي ألغى عقوبة الحبس في الجرائم المتعلقة بالتعبير عن الرأي. وتنص المادة 42(2)و من القانون الجديد على أنه: "لا يجوز التوقيف نتيجة إبداء الرأي بالقول والكتابة وغيرها من وسائل التعبير". وقالت هيومن رايتس ووتش، تعليقاً على احتجاز العبادي، إنه يجب أن يعلو القانون الجديد على أحكام قانون العقوبات، وغيره من القوانين، التي تفرض عقوباتٍ جزائية في جرائم التعبير عن الرأي. وقبل إقرار القانون الجديد، كان الأردن كثيراً ما يحتجز منتقدي الحكومة ويمارس الرقابة على أي كلامٍ ينتقدها. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2006، وجهت النيابة العامة إلى رئيس الديوان الملكي السابق عدنان أبو عودة تهمة التطاول على الملك وإثارة النعرات الطائفية في البلاد والتحريض، وذلك بسبب ما قاله أثناء مقابلته مع قناة الجزيرة. و(تعتبر حرية التعبير عن الرأي حقٌ أساسي كبير الأهمية من أجل التمتع ببقية حقوق الإنسان، وخاصةً الحق في النقاش السياسي غير المقيد الذي يميز المجتمع الديمقراطي. بل إنه من المنتظر من الشخصيات العامة، ومنها الشخصيات السياسية، أن تتحمل قدراً من الانتقاد أعلى مما يتحمله المواطنون العاديون. وفي كلمته أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في 18 مايو/أيار 2007، خاطب الملك عبد الله الثاني مستمعيه من قادة الأعمال في العالم الذين اجتمعوا على ساحل البحر الميت عن الأهمية التي يعلقها على دور المجتمع المدني في صياغة المنطقة في المستقبل. إلا أن تجريم الأردن المتكرر للتعبير الذي لا يحرض على العنف أمرٌ ينتقص من حرية الحوار في الأردن، ويصيب الديمقراطية في مقتل).

وبالرغم من كل ذلك، فقد حدث اعتقال الدكتور العبادي، وسط صمت مطبق من إدارة الصقور والحروب الاستباقية، وحليفاتها الغربيات، التي ما فتئت تتغنى، ويا عيني عليها، على بعض الديمقراطيات العربية التي صنعتها بيديها، وترعاها كالأم الرؤوم، وتصم آذانها، وتغمض عينيها عن انتهاكاتها الفاضحة، والمتكررة لحقوق الإنسان. فيما يقول محامي العبادي محمد علوان، في هذا الصدد، إن الشكوى تتعلق برسالةٍ مفتوحة تم إرسالها في إبريل/نيسان 2007 إلى عضو مجلس الشيوخ الأميركي هاري ريد، وزعم فيها العبادي أن وزير الداخلية أعطى الملكة رانيا مبلغ 350000 دولار، طمعاً في أفضالٍ مستقبلية. ويقول علوان إن النيابة العامة رفضت الإفراج عن العبادي بكفالة من غير إبداء سببٍ لذلك، وإنها أمرت بحبسه 15 يوماً؛ وقال علوان أيضاً إن السلطات تحتجز العبادي في زنزانةٍ مع سجناء محكومين في سجن الجويدة الإصلاحي.

من المبكر جداً، وفي هكذا أحوال، الحديث عن أي نوع من الديمقراطية وإنجازاتها، طالما أن الحريات لا يكفلها لا قانون ولا دستور، ولا أية قوة اعتبارية أخرى على وجه الأرض في هذه الأصقاع المنكوبة بالاستبداد التراكمي المقدس الموروث. ومن هنا، يظل المزاج، والاعتبارات الشخصية، والمواقف الفردية، وتنزيه الحكام، لا بل تأليههم، هي التي تتحكم بمجمل العملية السياسية والبرلمانية في هذه الدول الدخيلة، كلياً، على عالم الديمقراطية كما هو معروف عالمياً.

وإننا، ككتاب، ونشطاء، ومدافعين عن حقوق الإنسان، وخاصة في الديمقراطيات العربية المجهضة وصاحبة "الحيط الواطي"، نطالب فوراً بإطلاق سراح الدكتور أحمد العبادي، وإرساء تقاليد ديمقراطية سلوكية حقيقية لا مجرد التبجح بها في وسائل وأبواق الإعلام. ونؤيد حقه الكامل، والمصان، وغير المنقوص في أن يحاكم حراً، وطليقاً، وتحسين شروط اعتقاله لترتقي لمستوى أخلاقي وإنساني وعزله ودونما إبطاء، عن المجرمين والجنائيين، إن لم يكن هناك أمل قريب بإطلاق فوري لسراحه. وأن ينال محاكمة عادلة على أي ذنب اقترفه، إذا كان هناك ثمة ذنب على الإطلاق، إلا إذا كانت المطالبة بالشفافية والمكاشفة وحرية التعبير والحوار ذنوباً، وجرائم ما تزال محرمة في عالم الأعراب الدخيل على مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إنه عصر اللامعقول والمآسي، والكوارث، والفانتازيات الديمقراطية العربية الكبرى التي تترك حولها ألف سؤال وسؤال!!!!!

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الدعارة الحلال

24-أيلول-2007

هل المثلية الجنسية عيب وعار؟

04-أيلول-2007

ردود الفعل على قرارات صباح عبيد / إمارة 'فنـّستان' السورية

17-آب-2007

الحركات الجهادية والشرق أوسطية

25-تموز-2007

وزارة قطع الكهرباء

21-تموز-2007

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow