Alef Logo
يوميات
              

حكايتي مع فرانسوا هولاند

باسم محمود

خاص ألف

2012-06-17

في صيف عام 2006 حط بي الرحال في مدينة تول (Tulle) الجميلة الراقدة بدعة على ضفتي نهر الكوريز في وسط الريف الفرنسي، كنت قد وقعت عقداً للعمل في مشفاها لمدة ستة شهور.
كنت أعرف السيد فرانسوا هولاند، كغيره من الشخصيات السياسية الفرنسية المهمة، فقد كان يشغل منصب السكرتير العام للحزب الاشتراكي الفرنسي، كما كان نائباً في البرلمان. لكنّي لم أكن أعرف أنه كان عمدة هذه المدينة، لذلك فقد فوجئت بعد وصولي بأيام قليلة إذ صادفته في الشارع. ما فاجأني أكثر، كان الحرارة التي حياني بها ملوحاً بيده من الرصيف المقابل. فسّرت ذلك بأنّي ربما أكون بالغت قليلاً في التحديق فيه في محاولة للتأكد من أن من أراه هو السيد هولاند فعلاً.
غير أن مفاجأتي استحالت حيرةً إذ تكرر هذا الموقف مرّات عدّة، فقد كان يحييني بالحرارة ذاتها كلما تصادفنا في الشارع، أو كلما مررت أمام الطاولة التي كان يجلس إليها، على عادة الفرنسيين، على الرصيف أمام المقهى غير البعيد عن مسكني.
دفعتني حيرتي ذات يوم، أثناء ثرثرة مع زملاء العمل في غرفة العمليات، إلى التساؤل عن سبب حفاوة السيد هولاند غير العادية كلما صادفني، علّ أحدهم يفيدني بما لا أعلم.
أول جواب تلقيته صدر عن الدكتورة دومانج، طبيبة التخدير الخمسينية: "السيد هولاند شخص متواضع ولطيف واجتماعي".
توماس ماير، زميلي الجرّاح الألماني المتحاذق، ولم أكن أتوقع منه إلا تعليقاً خبيثاً، قال رداً على دومانج: "هذا لطف انتخابي". وافقه برنار، فنّي التخدير، بضحكة تواطؤ خبيثة وإيماءة موافقة. أما إيلين، الممرضة اللطيفة المرحة، فقالت: "توماس، برنار! أنتما شريران؛ الجميع يعرف أن السيد هولاند شخص متواضع ولطيف مع الجميع". تطور الحديث إلى نقاش سياسيّ نصف جدي كان قطباه الرئيسان برنار المؤيد المتحمس لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (حزب شيراك وساركوزي) ومعلمته، السيدة دومانج ذات الميول اليسارية. كان هذا حديثَ الفرنسيين اليومي أنذاك، إذ كانت الحملات الانتخابية لمرشحي الانتخابات الرئاسية، وعلى رأسهم نيكولا ساركوزي ومنافسته سيغولين رويال، صديقة هولاند السابقة ووالدة أبنائه ومرشّحة الحزب الذي يتزعمّه، توشك أن تنطلق.
لم تسعفني هذه الثرثرة، إذن، في تفسير حفاوة السيد هولاند الاستثنائية بي، وكان لا بد من مرور وقت غير قصير قبل أن أكتشف سرّها.
ذات يوم، كنت أتجول برفقة زهير، زميلي الطبيب المغربي، في سوق موسمي أنشئ في إحدى ساحات المدينة، حين التقينا، وسط الزحام، وجهاً لوجه بالسيد هولاند، وكان يتجول هو الآخر في السوق بصحبة رجل آخر. وكالعادة، تهلل وجهه لرؤيتي. كان الموقف يفرض أن نتصافح، ففعلنا وتبادلنا الـ"بونجور"، ولكنه سارع، وقد ارتسمت على وجهه الباشّ علامات الدهشة، إلى القول: "آآآ.. أنت لست سيباستيان فولان إذن!"
سيباستيان فولان مقدّم برامج فرنسي معروف، ويبدو أن شَبَهاً كان يجمعني به، إذ كنت، بشعرٍ طويلٍ يصل حتى الكتفين كشعره، ونظارة شبه دائرية كنظارته، وملامحي الشرق-أوسطية كملامحه، أبدو للكثيرين شبيهاً به، وهو ما لم يصعب علي ملاحظته بنفسي.
قال لي:"كنت أقول لنفسي: ماذا يفعل السيد فولان في تول؟ وكيف يمكن أن يظهر على شاشة التلفزيون الفرنسي وفي شوارع تول في اليوم نفسه؟"
تبادلنا حديثاً قصيراً عرّفته فيه بنفسي وبصديقي؛ سألنا عن أحوالنا وعن انطباعاتنا، كأجنبيين، عن فرنسا وعن المدينة وعن عملنا؛ كما سأل صديقي، وكان متخصصاً في جراحة العظام، عن مريض يهتم لأمره كان نزيل قسم جراحة العظام في المشفى؛ ثم مضى كل منا في سبيله.
كان السيد هولاند إذن، طيلة أشهر، يحسبني، عن بُعد، سيباستيان فولان، فيلاقيني بما يجدر بالناس أن يلاقوا به المشاهير من اهتمام وحفاوة!
ولتقريب ذلك إليكم، يشبه ذلك أن يلتقي في سوق الجمعة في دمشق السيد قدري جميل برجل شاء قدره الجميل أن يجمعه شبه مورفولوجي بنزار الفرا. فيكتشف قدري جميل أن من ظنّه هرماً إعلامياً سورياً لم يكن إلا طبيباً فرنسياً شاباً يعمل في أحد مشافي المدينة.
ما دفعني إلى كتابة قصتي مع السيد هولاند صورةٌ له رأيتها يوم أمس يظهر فيها راكباً دراجته منفرج الأسارير مبتسماً سعيداً على عادته. تذكرت أني رأيته ذات يوم على دراجته وإن يكن في وضع مختلف كليّاً عمّا يظهر في الصورة؛ فقد كان واقفاً جانب الطريق على دراجته واضعاً إحدى قبضتيه على خصره، وعلى وجهه ارتسم خليط من تعابير الحيرة والسخط والألم لم ينل من طفولية ملامحه، وكان مبلل الثياب متّسخها. سرعان ما أدركت من منظره ومما كان يبربره غاضباً أنه كان ضحية مرور سيارة مسرعة بجانبه يبدو أن عجلتها مرت في حفيرة في الطريق تجمع فيها ماء المطر الذي "طرطشه" من رأسه إلى قدميه. كانت تلك المرّة الوحيدة التي لم يرد فيها السيد هولاند تحيتي بالحفاوة التي اعتدتها منه على الرغم من أنه، آنذاك، كان ما يزال يظنني سيباستيان فولان.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow