Alef Logo
يوميات
              

مبروك لإسرائيل

نضال نعيسة

2007-05-16

أعتقد أنه، من الآن وصاعداً، صار لزاماً على إسرائيل أن تغيّـر من عناوين إستراتيجيتها المعلنة، وتتبع سياسة عسكرية، وأمنية جديدة، في صراعها الطويل مع أمتنا المجيدة والتليدة. فيبدو أن ثمة تغيراً جوهرياً كبيراً قد طرأ على الدور الإسرائيلي في المنطقة يناقض فيه كل ما احتوته بروتوكولات حكماء صهيون من رؤى وتصورات وأحلام. ولمناسبة طقوس استجداء السلام المذلة، وإطلاق حفنات المبادرات السلمية باتجاه إسرائيل (وهي أي إسرائيل "إذن من طين وإذن من عجين". وتبدو اليوم، ويا حرام، كحمامة سلام وسط بحر شرق أوسطي متوتر ومتفجر، ويعج بالوحوش، والقتلة، والذئاب). وبسبب "الاحتفالات" بذكرى النكبة واغتصاب فلسطين، والتي صارت الشيء الوحيد الذي يربط العرب بقضيتهم المركزية، وبمناسبة الانتهاكات المتتالية لوقف إطلاق النار، واندلاع حروب التحرير البطولية التي يخوضها أبطال فتح، وجهاديو حماس البررة في هذه الأيام الحاسمة من نفس التاريخ العريق "إياه" الذي يتغني به الدجالون والدعاة، فلم يعد هناك أية ضرورة لبقاء جيش الدفاع الإسرائيلي على أهبة الاستعداد، وهو الذي لم تترك طائراته، وجنوده بقعة عذراء في قلب الوطن العربي الكبير إلا و"فتحوها"، وغزوها، واغتصبوها مراراً وتكراراً، وعاث فيها جنودها خراباً وويلات، وعلى عين مجلس الأمن الدولي، والأمين العام، والديمقراطيات الغربية. إسرائيل هي الوحيدة التي استهدت وعملت بقاعدة "السلف الصالح"، التي تقول: "اغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا".
ومن هنا، أعتقد أن منصب وزير الدفاع، ورئيس الأركان الإسرائيلي، لم يعودا، البتة، بتلك الأهمية التي كانا عليها في سالف العصر والأوان، وصار منصب وزير الصحة وموظفو العلاقات العامة والإسعافات الأولية، والتعاون الدولي، مثلاً، أهم من كل تلك الألقاب، والمناصب والتسميات. ويجب أن يسرّح من الخدمة، ويتحول، ومن اليوم، جنرالات الاحتلال "المساكين"، إلى وسطاء، ومبعوثي سلام لفض الاشتباكات بين الأخوة الألداء، ومحاولة إقناعهم بالتفاوض فيما بينهم، ولمّ شملهم، وتقريب وجهات نظرهم، والتفرغ كلياً لدراسة سيل المبادرات العربية و"الجنوح" العربي الجماعي نحو السلم الذي يباركه فقهاء الاستبداد بلا استثناء. ووفقاً لهذا المنظور الجديد من الإستراتيجية "الصهيونية" الجديدة، فيترتب على جنود الاحتلال الإسرائيلي التحول جماعياً إلى عمال إنقاذ Relief Workers لإزالة الآثار الناجمة عن الاشتباكات الدموية، والأعمال العدوانية الحاصلة بين أبناء البلد الواحد والأشقاء الألداء. وأعتقد أنه من الحصافة بمكان أن يقوم الإستراتيجيون الإسرائيليون، وفي ضوء ما يحصل على الأرض، من عار وخزي وخذلان، أن يفتحوا حدودهم ويبادروا بهدم جدار الفصل العنصري فوراً، ليس لأنه يتعارض مع الشرعية الدولية، بل لأسباب إنسانية بحتة وذلك لاستقبال جحافل اللاجئين الأعراب "الجدد" الفارين من جحيم الاقتتال بين الأحبة والأصدقاء ورفقاء السلاح في كافة البؤر العربية المشتعلة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر. وأن يعدّلوا في كافة الخطط العسكرية، والحربية، والدفاعية التي يعتمدونها، إلى خطط إنقاذ مدنية، ودورات تأهيلية، وبعثات تبشيرية، وفزعات مضرية، و"كورسات" دبلوماسية للتعامل مع الظروف الناشئة على الأرض. وأن المبدأ العملياتي، والبراغماتي يقتضي أن تقلص إسرائيل من أعداد الاحتياط، وتحويلهم نحو مهمات الطوارئ، والمساعدات الأولية، والتمريض، وذلك لنجدة "أبناء عمومتهم" الفلسطينيين، وهذا التعبير ليس من عندنا، بل لأبي عمار نفسه القائد التاريخي لحركة "المقاومة الفلسطينية" التي تشظت لعشرات الحركات المتناحرة فيما بينها.

وفي هذه الأيام المباركة، والانعطافة الدموية من نفس التاريخ العظيم الذي يسطره الأعراب، يتوجب على إسرائيل أن تحيل سلاح الجو الإسرائيلي إلى التقاعد، لأنه ببساطة لم يعد له أية حاجة تستلزم بقاءه على تلك الدرجة العالية من الاستعداد، والجهوزية، وبعد أن رفع الأعراب الطيبون جميعاً الرايات البيضاء في قممهم الشامخة الغراء. وأن يتحول سلاح الجو فقط لمهمة إطلاق الأدخنة الملونة، والقيام بالاستعراضات البهلوانية، ورمي القصاصات الورقية التي تدعو لـ"طولة البال"، والتهدئة، وتبويس الشوارب، فوق المدن والحواضر العربية التي تنهشها أشباح الحروب والصراعات والتناحر الأخوي والشقيق. وأن يتحول طياروها إلى قيادة الطائرات "السمتية" الهيليكوبتر، وذلك لإجلاء من تقطعت بهم السبل من الأعراب في بؤر القتال الساخنة في دارفور، والجزائر، والصحراء الغربية، ولبنان، والصومال، والعراق، وجبال صعدة، وغزة ستان حيث تزدهر آخر إمارات الجهاد المنسوخة عن أحبابنا الطالبان.

لا تخشوا اليوم من الموت أبداً، فهو حق وآت ولا ريب فيه، وأقرب إليكم من حبل الوريد وعرفاء المخابرات العربية جمعاء، فمن أخطأته قنابل إسرائيل الذكية، وصواريخها الموجهة، وعيون طياري سلاح الجو، وفاتته "وشايات" المناضلين الأشقاء، من أطفال ونساء الحوامل، وشيوخ عجائز فقراء، والذين تخطتهم آلة الموت الوحشية، وهم في الطريق إلى مدارسهم وقراهم وبيوتهم، فإن أبطال شهداء كتائب الأقصى، وصناديد السلفية الإخونجية الحماسية سيتكفلون به، اليوم، فوراً، ولا داعي لأي نوع من القلق، والانتظار على الإطلاق. ومن كتب الله "كم يوم عمر زيادة" بعد التوغلات الإسرائيلية المتكررة، فأبشركم بأن أولئك المغاوير الأبطال أنفسهم على أهبة الاستعداد لإنجاز المهام المقدسة و"قصف" أعمارهم في الحال، ودونما إبطاء.

وكم أحسد الشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي وأحمد عياش، وآخرين غيرهم من قوافل الشرف والفخار، على ذاك الرحيل البطولي الآسر، الذي ما كان ليتم ويتحقق، البتة، في هذه الأيام الفلسطينية السوداء، ولقضوا حتما بالفالج، وارتفاع التوتر الشرياني، والسكتات الدماغية، ولفاتهم، عندها، الثواب والتبرك بفضيلة الاستشهاد، وهم يتابعون سيرك الموت وتجر الأحقاد.

كم تحضرني الآن صورة الطفل البريء محمد الدرة ووابل الرصاص ينهال على جسده الغض الطري، وهو يهرب ويحتمي من الموت بجسد أبيه الذي كان يلوّح هو أيضاً، بيديه المنهكتين لجنود الاحتلال للرأفة بهم والكف عن إطلاق النار، وصور آلاف الأطفال الآخرين الذين كسّرت كتائب رابين وباراك المتخصصة عظامهم، والذين كانوا يتصدون بأجسادهم العارية لآلة الموت الوحشية، وأعتقد جازماً أن أرواحهم تئن وتتعذب وتتأوه في علياء السماء، الآن، لأنه لو استمر الحال على ما هو عليه من نقائص، ودونيات، وإسفاف، فسيكون رحيلهم غير ذي معني، وبالمجان، وتماماً بـ"بلاش".

ومبروك لإسرائيل على أية حال.


Best Regards.
Nedal Naisseh
[email protected]
[email protected]
[email protected]
Lattakia - Syria
00963988503207 mobile
0096341428603
00963116822657






تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الدعارة الحلال

24-أيلول-2007

هل المثلية الجنسية عيب وعار؟

04-أيلول-2007

ردود الفعل على قرارات صباح عبيد / إمارة 'فنـّستان' السورية

17-آب-2007

الحركات الجهادية والشرق أوسطية

25-تموز-2007

وزارة قطع الكهرباء

21-تموز-2007

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow