Alef Logo
يوميات
              

مؤتمر القمة العربية: من يحيي العظام وهي رميم؟

نضال نعيسة

2007-03-19

أكبر إنجاز للدبلوماسية العربية اليوم، ومدعاة للفخر والخيلاء، ومن السنة للسنة هو "التئام" مؤتمر القمة العربية الذي أصبح مناسبة للذكرى، بأنه موجود في مكان ما، رغم أنه لم يفلح، والحمد لله، يوماً ما، في أي شيء يخدم فيه قضايا الشعوب العربية على الإطلاق. وتتزامن مع كل مناسبة لـ"بعثه" إلى الوجود ومن غرفة الإنعاش تحركات دبلوماسية نشطة تجري على قدم وساق لـ"إنجاحه". ومع كل تلك الرمزية الجوفاء، والتطبيل الإعلامي الصاخب، فقد أعلنت أكثر من دولة عن رفضها لحضوره، فيما يشوب، أيضاً، علاقات السعودية، الدولة المضيفة، توتراً مع أكثر من طرف عربي فاعل على الساحة العربية. ويسود اعتقاد راسخ لدى الكثير من الأنظمة العربية بأنها تستمد شرعيتها وقوتها من عروبتها، وانتمائها القومي فقط. واقع مؤلم، وغير سار ذاك التي تعيشه الفكرة القومية التي انتهت إلى شكل مأساوي وكارثي، والذي أثبت الواقع أنها غير كافية للم شمل العرب وتوحيدهم، وأن هناك أشياء كثيرة تنقصهم، غير الفكرة القومية، لتوحيدهم ونشلهم من الحضيض الذي يعيشونه، وليصبحوا أمماً محترمة، وقابلة للحياة، والاستمرار مثل باقي أمم وشعوب الأرض.

لم تستطع الجامعة العربية، الأب الروحي لمؤتمر القمة العربية، أن تقدم أية خدمات تذكر لشعوبها البائسة التي تعيش البؤس والفقر والتخلف خلال قرابة ستين عاماً من وجودها، وتحولت إلى رمز للتندر والسخرية، وللترهل، والبيروقراطية، والمحسوبية، و"الكوتا" السياسية والاستزلام والاستتباع، وتوزيع المناصب والمغانم والوظائف والأرباح، وتحت رحمة هذا النظام الدموي، والعشائري، والعائلي، أو ذاك. على عكس منظمة الاتحاد الأوروبي، التي رأت النور بعد الجامعة العربية، فقد أصبحت قوة سياسية واقتصادية كبرى، وجلبت معها الرفاهية والخير والعز والازدهار لشعوبها وألغت كل الحدود فيما بينها رغم أنها تتكون من عشرات القوميات والأعراق والإثنيات.

ولا يُعرف، في الحقيقة، لماذا يحاول النظام الرسمي العربي النفخ في مؤسسة القمة العربية وإعادتها للحياة وإعطائها كافة المنشطات والمقويات والصادات الحيوية، بعد الإعلان الرسمي عن وفاتها في أكثر من مناسبة، وبرغم أن جلسات مؤتمرات القمة قد تحولت، وفي أكثر من مرة، إلى مهاترات، وإلى سيرك سياسي ضاحك تتبادل فيه الشتائم والاتهامات. وبرغم أنها لم تطور في واقع العرب وحياتهم، وبرغم أن عصر القوميات قد أفل وغاب مع اندثار الفاشيات القومية التي روعت أوروبا في منتصف القرن الماضي، ورغم أن الحقائق الديموغرافية الفاقعة تظهر أن هناك قوميات عدة في الشرق، كما في المغرب العربي، غير القومية العربية "المصونة" من العين والحسد، تستوطن هذه الأرض الجدباء التي يطلق عليها بالعالم العربي، ناهيك عن تلك الحقائق السياسية المرّة التي تؤكد يوماً بعد آخر، وتجربة إثر أخرى على تشرذم العرب، وتشتتهم وتآمرهم على بعضهم البعض أكثر من توحدهم، واستحالة ائتلافهم على رأي جامع، ولا حاجة للتذكير، هنا، بحالات الاستعداء العلنية، والتنافر القائم بين المحاور والأقطاب العربية الرئيسية، والذي لن تستطيع الاجتماعات البروتوكولية أن تدمله بتلك السرعة المرجوة.

إن من أولى بدهيات هذا الواقع السياسي الراهن، أن النظام القومي العربي الرسمي القديم، وبصورته التقليدية، والذي قام بشكل رئيسي، وانتعش على الكاريزما الخاصة لعرّاب الديكتاتورية العربية جمال عبد الناصر، قد انتهى الآن، ومات، وصار في حكم الماضي والتاريخ، ولم يعد له من وجود على الإطلاق. ولقد تغيّرت الكثير من المعطيات اللوجستية، والإقليمية، والدولية التي كانت تكفل بقاءه، وتعطيه، في الآن، المبرر والشرعية، وأصبح هناك واقع جديد، ومختلف كلياً عما ساد، ويتطلب للتعامل معه أدوات وأفكار، ورؤى مختلفة تماماً عما كان. فالمصالح، والازدهار الاقتصادي، والرفاه الاجتماعي فوق القوميات، والأعراق، وتتقدم اليوم على سواها من الاعتبارات. وأن هناك تجمعات وتروستات دولية اقتصادية لا يجمع بينها لا دين، ولا عرق، وقومية على الإطلاق، ولا تتفاخر بانتمائها القومي العظيم، بل تجمعها المصالح التجارية والأعمال، والربحية، ورأس المال، وهي تتحكم اليوم بمصائر المليارات من بني البشر. وعلى العكس من ذلك نرى العداوات المستفحلة والمستحكمة والحروب المستعرة بين بني الأعراب ممن يتفاخرون بالانتماء الواحد المقدس إلى عبد شمس ومناف، وكلهم يتفاخر بحسبه ونسبه إلى آل بيت النبي.

عشرات القرارات والمواقف التي أصدرتها مؤسسة القمة لم تساوِ، في الحقيقة، الحبر الذي كتبت به، ولم يتم تنفيذ عـُشر بالمائة مما اتفق عليه في مؤتمرات القمة العربية. بل على الضد من ذلك، كان يتم الأخذ بعكس ما يتفق عليه. وكأن القمة كانت مناسبة فقط لكشف النوايا والتوجهات، وليتم بعد ذلك العمل بنقيضها، وتسفيهها، ووأدها في مهدها.

تبدو محاولة البعض إحياء فكرة القومية العربية، والنظام الرسمي العربي، في ظل هذه المستجدات الضاغطة ضرباً من العبث، وتجديفاً بعكس التيار، ومحاولة يائسة للعودة إلى الوراء، وإلى زمن لم تكن فيه كل هذه التناقضات والتباينات ظاهرة على السطح كما هي الآن. لقد آن الأوان للاعتراف بعجز وشلل مؤتمر القمة، وبهزيمة القومية العربية على يد التيارات الفكرية العصرية والعولمية، وفشلها واندحارها على يد العرب بالذات، وليس غيرهم، وبالتالي تبني خيارات أكثر عصرية وواقعية وموضوعية تتمكن من النهوض بواقع هذه الشعوب المنكوبة والمهزومة في كل ميدان. فلقد انتهى، وولى، وإلى الأبد، عصر القوميات الذي استورده لنا غلاة قوميون بعد أن جرب وأثبت فشله في غير مكان من العالم، وحل محله عصر الشعوب، والتعولم، والمصالح المشتركة التي تجمع الناس. وأن القرابة، والنسب، ورابطة الدم، ودغدغة العواطف القومية البالية ليس كافياً، البتة، لبناء أوطان قوية وعزيزة، والدليل على ذلك ما يعيشه العرب، جميعاً، وبشكل مزمن، من ضعف، وذل، وقهقرى، وخذلان، وهوان.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الدعارة الحلال

24-أيلول-2007

هل المثلية الجنسية عيب وعار؟

04-أيلول-2007

ردود الفعل على قرارات صباح عبيد / إمارة 'فنـّستان' السورية

17-آب-2007

الحركات الجهادية والشرق أوسطية

25-تموز-2007

وزارة قطع الكهرباء

21-تموز-2007

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow