Alef Logo
ابداعات
              

سَارِقُ التّبْن .. قصة قصيرة

أحمد يوسف عقيلة

خاص ألف

2012-08-27

1
... أهلَّ رمضان.. الذين لم يكونوا في عِداد المؤمنين بالأمس.. أصبحوا مؤمنين في أول يوم.. وازداد ضِعَاف الإيمان إيماناً.. صُفِّدت الشياطين.. نهشتها الحسرة وهي تتطلع في أصفادها وسلاسلها إلى المؤمنين.. وقد تحوّلوا إلى ملائكة.. يقفون صفوفاً طويلة متراصَّة خلف الإمام.. يطوون أجنحتهم لتستقيم الصفوف.. ويرددون كلمة (آمين) حتى ترتجَّ أركان المسجد.
في المساءات تفوح رائحة التنانير المسكونة بالأرغفة الطريّة العابقة.
يتحلَّقون حول الموائد العامرة.. يأكلون قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم! يُخلِّلون أسنانهم بأعواد النعناع.. يتجاذبون أطراف الحديث في قضايا الساعة.. وها هو المَلاك (نصيب) يمسك بطرف الحديث ويجذبه جذبةً قوية:
ـــ يقولون: (عندما تنطفئ الشموع.. كل النساء تتشابه).. لكنني أقول بأنّ هذا غير صحيح.. لا شك أنَّ الأحمق الذي أطلق هذا القول لم يمسّ النساء.. أو أنه من أولئك الذين لا يُفرِّقون بين التمرة والجمرة.
اعتدل في جلسته.. سَوَّى جناحيه الأبيضين في نصاعة الحليب.. ثُمَّ تابع الحديث:
ـــ قد تتشابه النساء في الظلمة بالنسبة للعين.. أمّا بالنسبة للأنف فلا.. فبعض النساء مجرَّد كيس من القاذورات مملوء بالثقوب.. أمَّا بعضهن فكما تفترش الشِّيْحة.. لا تأتيك منها سوى الرائحة الطيبة.. وهناك امرأة تذوب بين يديك.. وامرأة ـ عليّ الطلاق ـ كشاهد القبر.. ناتئة.. لا تتزحزح.. لا تلين.. تُشعرك بجلال الموت.. تصوَّرْ.. جلال الموت وأنت على الفراش!
ابتسم وهو يجذب آخر أطراف الحديث:
ـــ ثُمَّ هناك فرقٌ آخر.. بعض النساء تشتعل تحتك وتُشعلك.. أمَّا بعضهن فكما توقِد النار في الحطب المبلول.. تنقطع أنفاسك من كثرة النفخ.. ويعميك الدخان.. حتى تدمع عيناك.
... بعد الخوض في قضايا الساعة.. يتحلَّقون للخوض هذه المرة في وجبة السّحور.. لكن الحاجّ نصيب عندما يعود إلى بيته يضع اللمسات الأخيرة على هذه الطقوس:
يتكئ.. يتجشَّأ.. يُطلق ريحاً طويلة صاخبة.. ويغفو قليلاً.. حتى يتبيَّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
2
... في إحدى ليالي رمضان.. السماء صافية.. لامعة.. تخترقها (طريق سَرّاق التبن).. نصيب عائد في آخر الليل.. قال يحدِّث نفسه:
ـــ سارق التبن هو أسوأ سارق عرفتْه الأرض.. حتى عُلِّقت سرقته في السماء.. هل لأنه سرق شيئاً تافهاً.. أم لأنه لم يستطع إخفاء سرقته؟ اِيْييه.. رحم الله تلك الأيام .. حيث كانت سرقة حَفْنة من التبن تُعلَّق في السماء.. ليشهد عليها حتى القمر والنجوم!
ثُمَّ خطرت له فكرة.. عرَّجَ على سجن الشياطين...
الشيطان الأزرق جالس على إليتيه.. مستند بظهره على الجدار.. يمد ذيله تحت ركبتيه المنتصبتين.. شَعره الأشيب ينحسر عن جانبي رأسه.. مما أتاح للقرون أن تبرز وسط بياض الصلع المشوب بالزُّرقة.. أمّا باقي الشياطين فكانوا يُشكِّلون نصف دائرة أمام الشيطان الأكبر.. غابة من القرون والذيول المتشابكة.. وفي الركن (شوَيْطين) صغير يتمرَّس على كتابة بعض العبارات الفجَّة.. والأشكال الداعرة.
كان الشيطان يختم حديثه:
ـــ ... وهكذا تلاحظون أنَّ بعض الآدميين ليسوا في حاجة إلى إغواء.. بل قد يُتعبونكم بكثرة مطالبهم وغرابتها.
اقترب نصيب.. أخذ يتفحَّص الأصفاد...
ـــ يا أبالسة.. لا شك أن أحدكم يُفلت بين الحين والحين.. وإلا فقولوا لي.. لماذا لا زلت أشتهي النظر إلى جارتنا.. رغم أن خصرها يشبه جذع البلُّوطة!؟ هه؟ تفو عليكم يا كفَرة.. ألا تُدركون أنني لم أحجّ إلا العام الماضي.. وأنني عدتُ من مَكَّة المكرَّمة كما ولدتْني أُمي؟
ابتسم الشيطان الأزرق:
ـــ إنني أعرف بالضبط ـ يا مَلاكي ـ ما فعلتَ في العام الماضي.. هل أُخبرك؟ زُرتَ مَكَّتكَ المكرَّمة.. درتَ سبع دورات حول الكعبة.. مُردِّداً بعض الكلمات وراء المُطوِّف.. قبَّلتَ الحجر الأسعد.. تربَّعتَ فوق عرفات.. رجمْتنا.. شربتَ من ماء زمزم.. ثُمَّ أخذتَ تجوس خلال الأسواق.. تتغوَّط وتبول في الأراضي المقدسة.. وتحصَّلتَ على لقب (حاجّ).. عُدتَ بحفنة تراب.. وعمامة كبيرة فوق طاقيتك الحمراء.. وبعض المواعظ المِنْبَرية التي تقبع في ركنٍ قَصيّ من تجاويف رأسك.. أليس كذلك؟
رَدَّ الحاجّ .. الذي بدا عليه الغضب:
ـــ حَجَّيت.. وغسلت ذنوبي.. وأنت تحسدني.. هذا كل شَيّ.
وقف الشيطان.. اقترب من القضبان:
ـــ كذَيْذِيب! ليس هذا كل شيء.. أنسيتَ أمر السجّادة؟
ظهر الارتباك على وجه نصيب:
ـــ أي سجّادة؟
ـــ الفَرْشة التي أتيتَ بها من أراضيك المقدسة.. وأهديتها لجارتك ذات الجذع البلُّوطي.. كما يحلو لك أن تقول.. واستعملتَ معها بعض الأساليب التلاميذية.. من الغمز والقَرص وتلعيب الحواجب.. وما إليها.. هل أواصل الكلام؟ حسناً.. تفعل فعلتك فوق الفَرْشة.. ثُمَّ تفيق.. تتأفَّف.. وتصب اللعنات علينا.. وعلى جميع شياطين الأرض والسماء.
ـــ وسوست لي.. أتذكر عندما ظهرتَ في النافذة.. وأنت تؤرجح ساقيك في الفراغ.. وقلت لي: مدّ يدك.. تحسَّسْ.. جسّ.. خلِّيك من حكاية الحج.. تَوّا تحجّ مرة أخرى.. مَكَّة في مكانها لن تطير.. هيّا.
ـــ وسوست لك.. ها أنت تقولها.. لكنني لم أستطع تجاوز ذلك.. في الواقع لقد فاجأتني!
تلفَّت الحاجّ نصيب...
قهقه الشيطان الأزرق.. وكل الشياطين التي لم تعلُها الزرقة بعد.. وحتى (الشويطين) الصغير الذي يُسوِّد الجدران.
صاح إبليس خلف نصيب.. الذي كان يُسرع الخُطى:
ـــ أُحبُّ أن أقول لك شيئاً.. ليست الشياطين وحدها التي تملك قروناً.. أُراهِن على أنَّ لك قرنين.. إنك تُخَبِّئهما تحت هذه الطاقية الحمراء التي لا تخلعها أبداً.. وعندما كبر قرناك.. ولم تعُد الطاقية كافية لسترهما.. كوَّرتَ فوق رأسك عمامةً كبيرة.. كالقِدْر المقلوب!
... توارَى نصيب في المنعطف.. أبطأ من مشيته.. نفخ نفخةً طويلة.. نظر إلى الأعلى.. حيث كان سارق التبن ينظر وراءه بحسرة.. إلى الدرب اللامع الذي يشقّ السماء الصافية.. وينتهي عند قدميه.. ثم قال:
ـــ بعض الخطايا لا فكاك منها.
... أغمض عينيه.. أخذ يتحسس بأصابعه تحت الطاقية.. مُوهِماً العيون المتلصِّصة من خلف النوافذ بأنه يحكّ رأسه.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow