Alef Logo
يوميات
              

في طريق العودة إلى دمشق

بيسان خير بك

خاص ألف

2012-09-16

في مثل هذا اليوم من عامين ، كنت في الطريق من كندا إلى سوريا بنيّة الاستقرار نهائياً هناك ، لم يكن إقناع عائلتي بقراري سهلاً ، خصوصاً بعد الطريقة التي خرج بها والدي من وطنه ومنع النظام له من العودة ، خافت عائلتي عليّ من المعاملة السيئة التي قد أتلقاها هناك ، فمثل هذه المعاملة بنظر النظام يجب أن تورّث من الآباء إلى الأبناء .
بعد خلاف طويل مع والدي ولأنني عنيدة من جهة ، ولأنه من جهة أخرى متسامح ويحب أن يجعلني اختبر نتائج قراراتي بنفسي ، وجدتُني في طائرة تتجه إلى مطار الملكة علياء في عمّان حيث التقيت بصديقة لي قامت باستقبالي وأخذي إلى المكان الذي تنطلق منه سيارات نقل الركاب إلى دمشق .
استوقف سيارتنا رجل رث الملابس ، وبسبب هيئتي ربما وآلة التصوير والحقائب ، ولأن صديقتي كانت تحدثني بالانجليزية ظن أني سائحة فأخذ يسألني بإنجليزية ركيكة إن كانت وجهتي بيروت أم دمشق ..
"دمشق !! "
هذا الاسم الذي طالما أثار فيَ مشاعر متناقضة ، تتأرجح ما بين الانتماء والغربة ، الامتنان والإجحاف ، الاهتمام واللامبالاة .. ومن هذه التباين الغريب جاءت رغبتي بوضع هذا الشعور وجهاً لوجه مع المدينة التي أوقدته على مدى عمر كامل، علّني أدرك حقيقة عمقه..
بدا الإحساس الذي ينتباني في كل مرة كان يمر فيها اسم دمشق مرور الكرام في أحاديث والدي عن طفولته ،أو عندما أرى اسمها يختال في قصائد أحد المستشرقين ضئيلاً مقارنة بالإحساس الذي اعتراني وأنا أشاهد حقائبي تنتقل إلى داخل سيارة كُتِب على لوحتها بالخط الأسود المائل " دمشق" ، حيث راح قلبي يخفق وكأنه محور لإعصار قادم لا محالة ..
مضت بنا السيارة حتى وصلنا النقاط الحدودية التي تفصل الأردن عن سوريا ، لم القَ أية تعقيدات بختم جواز سفري الكندي من النقطة الحدودية الأردنية ، لكن الأمر لم يكن كذلك في النقطة السورية ، حيث أخذ جواز سفري ينتقل من يد شرطي لآخر خلف الحاجز الزجاجي ، وانتهى الأمر بأن قادني أحدهم إلى مكتب للمخابرات،فتم التحقيق معي ، طبعاً لم يشكّل ذلك صدمة لأني كنت أتوقع تحقيقاً سيئاً حال وصولي بما أن اسم أبي يقع بعد اسمي في جواز السفر ، أعطوني نموذجا ورقياً لأكتب معلومات عن مكان إقامتي المتوقع و رقم جوالي و أسباب زيارتي ، لازلت أذكر حيرتي أمام الأسباب المكتوبة و التي كان علي أن أختار احدها :
عمل ، علاج ، سياحة ، تعليم .. الخ ، كان بودّي لو أضفت كلمة " حنين" كخيار مناسب لحالتي !
انطلقنا من جديد وشيء ما في قلبي يكبر وأنا أقرأ لوحات المرور الزرقاء التي كتِب عليها بلون أبيض أسماء البلدات والقرى المتناثرة بعيداً عن الطريق الرئيسي ، كان واقع أني لا أعرفها يقتلني ، حتى خيّل لي أن السهام الموضوعة تحت أسماء القرى استحالت رماحاً مصوبّة إلى ذاكرتي التي خانت هذه الأماكن فحفظت أماكن أخرى في طرف العالم الآخر ..
والمفارقة أن معظم هذه الأسماء التي بدت لي غريبة ومجهولة يومها انتقمت لنفسها فصارت الآن مألوفة لكل الناس بعد الثورة ، حيث خرجت هذه القرى عبر طرقاتها الفرعية وصوبّت الرماح التي كانت مصوبّة إليها نحو الظلم فكسرت شوكته ..
شعور بالغربة يتفاقم في قلبي في كل مرة لا أتعرف فيها على الأمكنة من حولي وما عزز ذلك الشعور تفوّه السائق بعبارات بعد أن لاحظ نظراتي كان من تلك العبارات :
" بتفكري هيك رح تعرفي البلد ؟
ازا نحن الخلقانين فيها بعد ما بنعرفا منيح! "
لا أعرف إلى أي معرفة بالضبط أشار الرجل الجالس خلف مقود السيارة ، لكن شيئاً ما جعلني أشك بأن للمعرفة هنا معنى أشد عمقاً وأكثر تعقيداً مما ظننت ..
فلم يعد يكفي أن أعرف كل أسماء القرى ، وأن التقط صوراً لكل المعالم في البلد
لأعرفها .. لم يعد يكفي كل ما قرأته عنها في الكتب والموارد لأدّعي معرفتها ..
المعرفة هنا أن أعيش في قلب دمشق وأن تعيش دمشق في قلبي ، أن احملها معي كاسمي الذي أصحح نطقه دائماً للأجانب في كل النقاط الحدودية والمطارات الغريبة !
توقفنا في مكان سماه السائق لي " نهر عيشه " والحق يقال أن النهر الوحيد الذي شاهدته هناك كان لونه أصفر و مكوّن من سيارات الأجرة التي أخذ سائقوها بالتدافع وخطف حقائبي ، بعد فترة من الشجارو التفاوض فيما بينهم استقر بي الحال في أحد السيارات ، ونحن نهم بالانطلاق تذكرت نصيحة صديقتي لي بأن أتظاهر بمعرفة المكان وكأنني " بنت البلد" اعتقدت أن هذا سيكون سهلاً بما أني ابنة البلد بشكل ما حتى لو لم أعرفه حق المعرفة ..
سألني السائق : " لوين أختي ؟" سؤال بسيط جداً ومتوقع منه توجيهه لراكبة أخذت تبتسم بشرود دون أن تخبره عن وجهتها !! لا أعرف لماذا حينها حملّت كلمة " أختي " التي أتت من شخص غريب الكثيرَ من الحنين حتى كدت ابكي !
أخبرته بوجهتي ومضت بنا السيارة من شارع إلى آخر فراحت نصيحة صديقتي بالتظاهر بأني بنت البلد الضليعة سدى .. إذ لم يكن الأمر سهلاً كما تصورت !
كيف استطيع أن أكبح الدهشة وآلاف الأسئلة المتزاحمة على لساني ؟!
ما اسم هذا الشارع ؟ ما هذا البناء القديم ؟ لمن هذا التمثال ؟ ما هذه الرائحة الطيبة ؟
ماذا يبيع ذلك الرجل ؟ هل هذه هي الجامعة ؟

وأخيراً انتهت بي الطريق في أحد الفنادق الفخمة حيث سبق وحجزت لي صديقتي ،
ومن الغرفة الأنيقة نظرت من خلف زجاج النافذة فرأيت دمشق كما كنت أراها في الكتب في ذلك الجزء الأنيق البارد من العالم..
حيث لا تستطيع أن تشم أو تسمع أو تلمس شيئاً منها !
فتحت النافذة لتدخل دمشق إلي بأصوات باعتها و أصوات عصافيرها برائحة ياسمينها ورائحة دخانها,,
وهكذا عرفت دمشق ..
دمشق التي رأيت فيها بنظرة واحدة إلى القلب أكثر أشكال الجمال تعقيداً بأبسط صورة !!

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow