Alef Logo
مقالات ألف
              

ليست حرباً أهلية سورية!

ميشيل كيلو

2012-09-22

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن الحرب الاهلية في سوريا. وكثرت التحليلات والتقديرات حول هوية وطابع ما يدور في بلادنا المنكوبة بنظام يربط شرعية وجودها بوجوده غير الشرعي. ويتساءل حتى الخبراء عن طبيعة الصراع الدائر منذ عام ونصف العام بين شعب، كان عند بداية انتفاضته أعزل ومعاديا للسلاح، ونظام يمتلك آلاف الدبابات الحديثة والمدافع الثقيلة والطائرات القاصفة والمقاتلة، ويستخدم القوة بإفراط لا مبرر ولا مسوغ له ضد شعب، قال رئيسه في خطبته الأولى حول الأزمة: إن مطالبه محقة ومشروعة، لكنه رحب في الوقت نفسه بما أسماه «الحرب»، وهدده بها.
ترجع الحيرة في تشخيص ما يجري في سوريا إلى غرابة بنية وتركيب النظام السوري من جهة، وفرادة وجدة الثورة التي يقوم بها الشعب من جهة أخرى، كما ترجع إلى شدة وتضارب التداخلات والتشابكات العربية والإقليمية والدولية في سوريا، وإلى السياسات والرهانات التي تبناها طرفا الصراع السوريان منذ بدايته، وقامت من جانب النظام على مخطط نفذه بكل دقة، غرضه الاستراتيجي تحويل ثورة مجتمعية سلمية هدفها الحرية والمساواة والعدالة لكل السوريين إلى اقتتال طائفي يشق صفوفهم ويضعهم بعضهم في مواجهة بعضهم الآخر والسلاح في أيديهم، بينما ركز الشعب مطالبه في إصلاح يغيّر النظام، وعندما واجهه هذا بالعنف، وفقد الأمل في أي تغيير وفي وقف القتل المنهجي الذي يتعرض له، دعا إلى إسقاط النظام برمته واستبداله بنظام ديموقراطي. بما أن معظم متابعي الشأن السوري لم يقروا الاسلوب العنيف الذي عالج النظام من خلاله المطالب الشعبية السلمية والمشروعة، فإنهم حملوه بحق المسؤولية عن دفع البلاد والعباد نحو حرب مفتوحة على مختلف الاحتمالات السيئة والتصعيدية، وجعلوه الطرف الذي راهن على إثارة صراع طائفي وجهوي، يستند الى ما في المجتمع السوري وبين مكوناته من تناقضات وخلافات واختلافات طبيعية أو مصطنعة، بنى عليها طيلة نصف القرن الماضي بنية سياسية مشوهة قلبت شعار الحرية إلى أداة قمع معمم، وشعار الوحدة العربية إلى انقسامات وتصدعات عمودية وأفقية أريد بها تهشيم المجتمع السوري ومنعه من تعبئة قوى كافية تمكنه من التمرد على الأمر القائم، ومن الاشتراكية أداة إفقار للأغلبية وإثراء لأقلية تمسك بكل شيء وتضع أكثر فأكثر حصصا متعاظمة من ثروة البلد في جيوبها، أعدت للوقاية من المفاجآت جهازا قمعيا متشعبا ومتراتبا ومحدثا ومستعدا للتحرك في جميع الاتجاهات وضد سائر الخصوم المحتملين، له من العدد ما يجعله ضربا من شعب مسلح ومن التعبئة الفئوية، ما يجعل منه جيشا عدوانيا متأهباً للانقضاض على مجتمع شعبي محروم من كل شيء ويزداد حرمانا بمرور الأيام، فليس له من وطنه غير العبودية والإقصاء بأسوأ معانيهما، وليس من طريق يقوده إلى خارج مأزقه غير الموت في سبيل حريته التي كانت تبدو بعيدة المنال لأنه كان يبدو بعيدا عن التضحية بحياته في سبيلها.
في أجواء كهذه، من الطبيعي أن يتحدث من يراقبون الواقع السوري عن احتمال ان يكون ما يدور اليوم في سوريا حربا أهلية، أو اقتتالا يقود إلى الحرب الاهلية، فهل دخلت سوريا فعلا في حرب أهلية؟ وهل ما يجري فيها هو حقا الحرب الاهلية التي سعى اليها النظام ويريد منها ردع العالم وتخويفه من التدخل المباشر لوقف صراعه ضد أغلبية شعبها؟
وللعلم، فقد خطط أهل النظام لبلوغ الحرب الأهلية عبر عتبة اولى هي حرب طائفية يجب أن تنشب في مناطق معينة أهمها مدينة حمص ومحيطها المباشر، القريب منه وحتى البعيد، على أن يمهد القتال فيها لشحن نفوس وعلاقات المواطنين السوريين في بقية مناطق سوريا، بانفعالات تفجيرية تزين لكل واحد منهم اعتبار من هم مثله أخيارا يستحقون العيش، ومن لا يشبهونه أو يخاصمونه أشرارا لا بد أن يكون مصيرهم القتل، بحيث تؤدي سيطرة هذه الانفعالات على الأفراد والجماعات للقضاء على أية حسابات عقلانية تتصل بأواصر الوطنية أو تنبع منها أو تذكر بها، وتعزز فرص حرب محلية تمهد للحرب التالية، التي يجب ان تصير عامة، أي أهلية، يندفع المواطنون خلالها إلى اقتتال لا يعرف الرحمة، تضاف فيه إلى العوامل الطائفية مؤثرات سياسية واجتماعية وجهوية ومصلحية وشخصية متنوعة، ترفدها الأحقاد والمخاوف بكل ما من شأنه إغلاق الأبواب أمام الجوامع الوطنية والمجتمعية، التي من شأنها الإسهام في كبح الاقتتال أو التمهيد لوقف القتل أو للمصالحة.
لم تنجح خطة الوقيعة الطائفية التي يمكن أن تتحول إلى حرب أهلية، لسبب رئيس هو أن المعركة دارت أصلا بين النظام الحاكم وقطاعات واسعة من المواطنين ينتمون إلى طوائف وفئات وتوجهات ومصالح متنوعة، وأن السلطة كانت طرفا مباشرا ووحيدا فيها، لم يتح متسعا لأن تحل أية جهة مجتمعية محله، لتبدأ بوصفها جهة متماسكة ومعبأة تنظيميا وسياسيا وايديولوجيا قتالا مفتوحا يضم معظم المنتسبين إلى ما تنتمي إليه من مجال مجتمعي ضد جهة أو جهات أخرى موجودة مثلها عند قاع المجتمع، تكون بدورها متماسكة تنظيميا ومعبأة سياسيا وأيديولوجيا. ومع أنه من غير الممكن إنكار وجود بعض التنظيم والتوجيه العدائي لدى بعض قطاعات المجتمع السوري، فإن هذه لن تتمكن من الحلول محل النظام، لاتساع رقعة الصراع من جهة وحجم القوى المشاركة فيه من جهة أخرى، ولانخراط قطاعات من جميع مكونات المجتمع فيه مباشرة أو بالواسطة، عبر السلطة أو «الجيش الحر»، الأمر الذي يجعل الحرب الأهلية مرحلة تم تجاوزها بالمقارنة مع نمط القتال الدائر اليوم، وطرق الحرب التي يتم اتباعها في خوضه، وضروب الأسلحة التي تستخدم لحسمه من قبل النظام بصورة خاصة. فالحرب الأهلية ستكون خطوة إلى الوراء بالقياس إلى ما هو حاصل الآن، خاصة أن أحد أطرافها المفترضين غير موجود في معظم مناطق سوريا، بينما لم ينشب في أي مكان قتال مباشر ومستمر بين أنصار النظام وخصومه من الأهالي، لأنه ليس للنظام أنصار بين هؤلاء يمكن أن يقاتلوا دفاعا عنه، بعد أن ذاب واختفى حزبه أو كاد في معظم بقاع سوريا، واقتصر على المدن والمناطق التي تتوافر له فيها حماية سلطوية مسلحة. بالنظر إلى كل ما سبق. أعتقد أن نشوب حرب أهلية سورية يعتبر صعوبة موضوعية، لكونها تتعارض مع بنية البلاد السكانية وطبيعة النظام الشمولي القائم فيها، الذي نزل إلى ساحة الصراع منذ بدايته بكامل ثقله العسكري والأمني، بعد أن ألحق بأجهزته الأمنية قوى وجهات مناصرة له، كان يمكن أن تخوض حربا أهلية بالنيابة عنه، لكنه حال هو نفسه دون قيامها بذلك، عندما حولها إلى جهة أمنية شبه رسمية تشن بقيادته حربا ضد الشعب، لا تنطبق عليها أو تتوافر فيها معايير الحرب الأهلية.
يتحول القتال في سوريا أكثر فأكثر إلى حرب نظامية وتزداد مأسسة وتجييشا، يحد من طابعها الاهلي انخراط المواطنين بأعداد متعاظمة في «الجيش الحر»، في حين وحد النظام قواه العسكرية والأمنية منذ البداية ضمن مؤسساته القتالية. وأرجح أن لا تذهب سوريا إلى الحرب الأهلية، بل أن تزداد ضراوة الحرب النظامية مع تعاظم قوة المقاومة والجيش الحر وتراجع قوة نظام زج بكل ما لديه من أسلحة وقوى، لحسم الأمور ووقف الانشقاقات في صفوفه قبل ان تقوض ما تبقى من تماسك في قمة هرمه السياسي والعسكري، وتؤدي الى تصدع النظام من فوق، بعد ان تكاثرت علامات تصدعه من تحت، عند قاعدته، وينهار كل شيء بغتة، أو ينأى قادة نافذون عنه، ويبحثون عن حلول تحفظ حقوقهم في إطار وطني جامع سيكونون طرفا فيها، لأنهم أسهموا في تحقيقها.
في العادة، تتطور الحرب الأهلية إلى حرب نظامية. بما أن الحل الأمني حشرنا منذ البداية في نمط من المقاومة موجه ضد السلطة الحاكمة ومؤسساتها الأمنية، تطور أكثر فأكثر إلى حرب نظامية، فإن عودتنا إلى الحرب الأهلية تبدو مستبعدة، ما دامت الحرب الأهلية تعني انقسام المجتمع إلى أطراف متحاربة تحاول كل واحدة منها إفناء غيرها. تخطى السوريون هذا الوضع، ولا بد لهم من الإفادة من هذه الحقيقة المهمة عند إعادة بناء دولة الحرية والعدالة والمساواة، التي ستقضي على عوامل الفرقة بينهم وستحافظ عليهم في إطار وطني رفيع وجامع، ينتج سلاما أهليا أبديا، سينعمون في ظله بالأمان والكرامة والمساواة.
كاتب سياسي ـ سوريا

عن جريدة السفير

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

رسالة ميشيل كيلو إلى السوريين

24-نيسان-2021

ثورة ليست كغيرها

10-نيسان-2021

أكذوبتان

06-آذار-2021

حل قريب في سورية؟

23-كانون الثاني-2021

هل تآمرت واشنطن على الأسد؟

16-كانون الثاني-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow