Alef Logo
يوميات
              

نساء سوريّات "3"

ناديا خلوف

خاص ألف

2012-09-26

العنفُ الأسري
يعيش الأطفالُ اليوم في سوريّة مسلسلَ رعبٍ يوميّ يقتلونَ وتقطّع أوصالهم . يغتصبون وتكبّلُ أيديهم ثمّ يذبحون ، لم تكن حياة الأسرة السورية قبل الثورة سليمة أيضاً ، وربما كانت الأسرة المفكّكة هي التي جعلت الحكم المستبدّ يستمرّ من خلال التربية التي كانت تطلبُ من الأطفالِ المجاملة في كل شيء حتى في الحقائق العلمية . العلاقات الأسرية المتهدّمة بفعل الفقر والجهل ، أو بفعلِ ثقافة الاستبداد السائدة ،قد تكون سبباً من الأسباب فيما آلت إليه سورية اليوم . لم يتغيّر الأمر بعد الثورة كثيراً فقط تساوت المرأةُ والرجلُ والطفل في المأساة .
زرتُ عائلاتٍ سوريةً تعيشُ في الإمارات بشكل مخالف ،وضعهم يشبه وضع السوريين في كلّ دول اللجوء إلا أنّهم هنا مخالفون وليسوا لاجئين استطعتُ أن أقدّم لهم الدعم المادي من خلال التنسيقيات ، وبعض الأصدقاء . ، قالت لي اثنتان من أصل خمس سيدات أنّ ماجرى لهنّ في الماضي كان دماراً على مستوى الأسرة ، ولا تنوي بعضهنَّ العودة حتى لو تحرّرت سورية . إحداهما مريضة سرطان . بكت كثيراً لما تعرّضت له من زوجها . لم تبكِ بيتها الذي تهدّم .بل داخلها المدمّر. سورية تشبه داخل هذه الأنثى.


قمنا بإحصاء لحالات العنف الأسري قبل عشر سنوات على مدى عامين متواصلين . كان العنف يشكّلُ حالة من كل ثلاث حالات . وقد شمل الاعتداء الجسدي على الزوجة أو الأبناء ، وفي أغلب الحالات يكون المعتدي هو الأب، أو الأخ الأكبر ، وحتى الأمّ في بعض الأحيان . الكثيرُ من الحالات كان سببها العامل الاقتصادي ، والكثير منها كان بسبب وجودِ مدمنٍ على الكحول في الأسرة قد يكون هو الأبّ أو أحد الأخوة .
في إحدى قضايا العنف الأسري كانت ضحيّتها إحدى موكلاتنا التي تزوجت بابن خالها بعد قصة حب ، وأنجبت طفلين دون أن تتحدث لأحد عما تعانيه من عنف . كان الرجل مدمن مخدرات . في أحد الأيّام اعتدى عليها بالضرب وطردها من المنزل مع أطفالها وهي شبه عارية ، ذهبت إلى بيت أبيها . حلفَ الأب يميناً أن لا تعود إلىزوجها ، أقمنا دعوى تفريق للضرر والشّقاق . طلبت منا فيما بعد أن نسقط حقّها في الادعاء ، ونكون وسيطاً عند والدها كي يسمح لها بالعودة إلى زوجها . عادت دون موافقته لتموت في الخامسة والعشرين من عمرها مصعوقة بالكهرباء ، ومات هو بعدها بأشهر متأثّراً بجرعة زائدة ، بقيت معاناة الأطفال . هي قصة معروفة بأسماء أشخاصها وعناوينهم وتاريخها .
أب يعتدي على ابنته الطفلة جنسياً ، ولما كشفته الأم . طلّقها وتزوج بغيرها . انتهى الأمر إلى وضع غير سليم ، وبدلاً من أن يعاقب المجتمع الجاني عاقب الأم والطفلة بشكل مباشر . يعانون اليوم جميعاً من خلل في السلوك الاجتماعي . لا يستطيعون التعايش مع المجتمع لأنّه يرفضهم. حوادث الاعتداء الجنسي من قبل المقربين ليست قليلة مثل جرائم الشّرف. هي أكثر منها بكثير ، تمرّ دون أن تتجرأ الفتاة بالإفصاح عن الأمور حتى لنفسها ، وهناك حالات موثقة في البيوت . الجميع يرفض التّحدث عنها . في حديث لي مع إحدى النساء التي لا تقبل أن تزور والدتها . قالت لي : اعتدى أخي عليّ وأنا في الثّالثة عشر من عمري ، وعندما أخبرتُ أمي ضربتني وكذّبتني ، ومهما حاولتُ معها أن تصفحَ عن والدتها لم تقبل .
أغلبُ المجتمعات لديها أمراضاً من هذا النوع . تحاولُ تقديم الحلول ، وتتحدث عنها في برامج حوارية علنية ، تفرض عقوبات قاسية على المتحرشين بالأطفال . أقرّت القوانين وطبّقت على رجالٍ من الطبقات العليا مثل رجال دين ، وهناك تدريب للأطفال على الصراخ عندما يحاولُ معتدٍ إجبارهم على الرّضوخ له ، بينما يحاول مجتمعنا طمس تلك القضايا وعندما تظهر إلى الوجود تلام الأنثى وتعتبر هي المذنبة . حتى الأمهات يقمن بالتّغطية على هذا السّلوك دون أن ينالَ المجرمُ حتى اللوم .
هذه الأمور لا تخفى على المجتمع ، وعادة يعرفُ المعتدون لأنّ لهم قصّة على الأقل قد فضحت ، فمن منّا لا يعرف شخصاً معروفاً في الحيّ له قصص اعتداء على الأطفال بغض النظر عن جنسهم ؟ هذه الظاهرة تستحقّ الدراسة فهي ليست نادرة .
أن يكون في سورية الجديدة قانون صريح وواضح يقضي بعقوبة قاسية على التحرش الجنسي على الأطفال أمر هامٌ جداً ، ويعتبرُ من نوع الاعتداءهذا الزواج بالقاصرات حتى لو وافق أولياؤهنّ . يجبُ أن تكون نصوص القانون واضحة وصريحة .
أخطر أنواع العنف الأسري . هو الاعتداء الجنسي . يليه الاعتداء باللفظ أو بالضرب . الشتائم التي يطلقها الزوج على الزوجة ، وتتناول شخصها كأنثى هي اعتداء جنسي باللفظ ، وهي اعتداء جنسي على الأطفال الذين يسمعون الكلام . يحدث هذا الأمر بنسبة كبيرة في الأسر السورية .
هناك عند النّخب خلطٌ بين مفهوم الحريّة الشخصية والاعتداء ، فعندما يقوم رجل بالغ ناضج أمام أولاده بمغازلة امرأة أخرى عدا عن أنه سيفقد احترامه فإنّه يكون قد شكّل في نفوسهم جرحاً لا يندمل . الأولاد أكثر حساسية من الزوجة ، حتى أن الزوجة التي تغض الطرف عن سلوك زوجها داخل الأسرة كأن تتجاهل ما يجري إرضاء له . تكون مشاركة في هذا الاعتداء .
وربما نسبة كثيرة من الزوجات تغض الطرف كي لا تخسر أسرتها .
ثقافة المجتمع تسمح للرجل أن يشتم الآخر بأمّه وأخته . هذه الثقافة هي ثقافة منحطّة يجبُ تغييرها بإمكانية إقامة دعوى قذف وذم أمام المحاكم على من يقوم بهذا العمل .
اعتداء النساء على النساء ظاهرة اجتماعية أيضاً ، فالمرأة لا تناصر المرأة ، لكنّ الأخطرمن ذلك هو العلاقات في المجتمع الذي يصف نفسه بالمتحرّر الرّاقي ، وفي حقيقته هو المجتمع المرتّب أمنياً ، والبيوت المخترقة من أوساط المتعلمين أو الأثرياء في هذا المجتمع المخملي كبيرة . حيث يجتمع الشعر والفن والمالُ والجنس وتبادل الصفقات على طاولة واحدة ، الضحايا هنّ زوجات الذين أحضروا نساءهم كبوابة لدخولهم ، فإما أن تقبل المرأة أن تكون من ضمن الجو العام في هذا الوسط ،وتندمج كليّاً في شروره أو تنسحب ، بعد أن يكون زوجها قد رتب أموره ولا يعنيه انسحابها . حيث تكون امرأة أخرى جاهزة للإشراف على موهبتة والعناية به بمقابل ماديّ . وفي هذه الحال يتخلى الرجل عملياً عن أسرته لتتكفل المرأة بشؤون الحياة . ليس كل النساء مظلومات ، في المجتمع الدوني " الذي نصفه بالراقي " تبيع المرأة فيه كلّ الأشياء فهي قد دخلت اللعبة الأمنية ، وستكون رهن الإشارة في أي موضوع .
قد يتساءلُ البعض : ولماذا تسكتُ المرأة على هذا الظلم ؟
والجواب هو : لماذا سكتَ المجتمع رجالاً ونساء عن الاستبداد ؟
بشكل عام . لا مكان للمرأة في بيت أبيها بعد أن تخرجَ منه ، والمرأة المطلّقة قد تعاني أكثر رغم أنها أحياناً تنجح في الحياة ، ثمّ إنّ ثقافة صبر المرأة في سبيل هدف وحيد: أن يأتي للرجل إلهاماً ويتغيّر مع الزمن .
أهمُّ الأشياء هو : حرية المرأة الاقتصادية . موضوع الدخل المادي والإنفاق على الأطفال . ومع أنّّني من الذين يؤيّدون عدم الطلاق إن كانت مصلحة الأطفال تقتضي ذلك ، لكنّ هذا لا يعني أن تجامل المرأة في حقها في العيش بحرية وكرامة ، والكرامة تعني فيما تعنيه احترام مشاعر الإنسان داخلها . أن تقرّر البقاء في بيتِ الزوجية هو خيارٌ شخصي . لكن أن تهدر كرامتها فإنّ ذلك يتسبّب بإيذاء الأطفال أكثر من الطلاق . .
أهلا أستاذ سحبان . أرسلتها منذ يومين على إيميلك

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow