Alef Logo
يوميات
              

الخليفة المنتظر

نضال نعيسة

2007-02-22

يحفل خطاب جماعات الإسلام السياسي بهمروجة دولة الخلافة الإسلامية، وبالتبشير بمجيء الخليفة "أبو عمامة وشروال" الذي سينقذ المسلمين من دياجير الجهل، وأنفاق الدجل، ومتاهات الانحطاط الهائمين فيها من زمن غابر سحيق. وعندها سيقيم العدل ويخلصهم مما علق بهم من أدران وأمراض سياسية واجتماعية مستفحلة كأداء. ولعل أول سؤال يتبادر إلى الذهن هو لماذا لم تفلح الخلافة الإسلامية السابقة في أوج عزها ومجدها بتحقيق المطلوب منها وتحولت إلى ساحة لحروب مفتوحة وصراعات لا تنتهي، وصارت قصور معظم الخلفاء، بعد أن عجت بالجواري والغلمان، ككباريهات للبذخ والترف والليالي الحالمة الساخنة الحمراء أين منها ألف ليلة وليلة، ومركزاًِ، بآن، لحبك الدسائس والمؤامرات ضد الأشقاء وأبناء العمومة والأخوال.
واستأثرت سلالات"منزّلة" مقدسة عصماء من السماء، بالحكم لعهود طوال وقبضت عليه بالنواجذ والأسنان والعسس والمخابرات ؟ ولماذا تحولت صراعات الخلفاء، التي لم تنته يوماً، إلى كوارث سياسية كبرى تعيش هذه الشعوب المنكوبة تداعياتها المؤلمة حتى اليوم؟
ولماذا يحاولون الإيحاء أن دولتهم العتيدة وردية بيضاء حيث "ستسير الذئبة مع الشاة"، ولا تناقض فيها ولا صراعات ولا مشاكل ولا أزمات؟ ولماذا لم تورّث،هذه الشعوب تقاليداً سلطوية وأنماطاً سياسية راسخة يحتذى بها تكون دليل عمل، وبوصلة وإنقاذا حقيقياً لهذه الشعوب؟ لا أن تصبح يافطة الخلافة خطاباً دعوياً فضفاضاً غايته الوصول إلى القصور وكراسي الحكم. وما الفائدة من إعادة إحياء تلك الخلافة طالما أنها لم تفلح سابقاً في بناء دول وحضارات وفلسفات وفنون وأفكار، بل كانت إنتاجاً لحروب وصراعات ونزاعات دموية نعيش تداعياتها حتى يومنا هذا بكل أسف وخزي وعار؟ ومن هو هذا الخليفة المنتظر الذي سيقود أمة المليار المنقسمة على ذاتها، إلى بر الأمان ويقيم لهم دولة الخلافة الإفلاطونية التي تسير على دقات الساعة؟ هل هو مثلاً واحد من هؤلاء الدعاة الذين تمتلئ بهم الشاشات والفضائيات؟ أم أحد وعاظ السلاطين الكبار الذين صاروا رموزاً دولية، لا يشق لها غبار، في الدجل والنفاق وممالأة ولاة الأمر والسكوت عن الحق كالشياطين الخرساء؟ أم هو أحد حكام "الأعراب" الذين نراهم ونسمع يومياً عن مآثرهم وإنجازاتهم وما يقدمونه للبشرية من نماذج ناصعة بيضاء ترفع الرأس؟ أم هو أحد قادة الجماعات والفصائل الإرهابية السرية الذين يزرعون الموت والهلع والدمار في كل مكان؟ أم واحد من نجوم التأسلم السياسي الذي لا يقيم وزناً ولا اعتبار لا للمواطنة، ولا لوحدة الأوطان، ويهدد ويتوعد، ويرغي ويزبد، ذات اليمين وذات الشمال؟
وما هي الآلية التي سيتم بها اختيار هذا الخليفة المنتظر؟ هل هي بالشورى، أم بالإجماع واتفاق "جمهرة"العلماء، أم بالاقتراع الحر والانتخابات والمباشرة، أم باستفتاءات 99.99% أم بالتزكية من السي آي أيه ودوائر الاستخبارات العالمية؟ أم في أحد "السقائف" العصرية المزدهرة، وما أكثرها اليوم من طنجة إلى جاكرتا؟ إنها تساؤلات بسيطة في خضم هذه الفورة "الخلافوية" التي ينوون بعثها من مدفنها والتلاعب، مرة أخرى، بمصائر ومستقبل الناس، ويتاجرون من خلالها بدمائهم الرخيصة؟ أم أن رفع الشعارات البراقة الجوفاء من أي مضمون والتي تدغدغ مشاعر العامة والدهماء، قمين، وكاف لتمرير كافة الأحابيل والألاعيب والخرابيط والترهات الوهمية والخزعبلات؟
والقول بأن الإسلام دين ودولة قول لا يمكن أخذه على محمل الجد والاهتمام، البتة، طالما أنه لا دليل مادياً على صحة هذا الزعم والادعاء. فهذه "الدولة" الدينية المزعومة، لم تقدم لا حالياً، ولا سالفاً، نماذج ملموسة حية ودامغة يمكن الارتكاز العقائدي والسياسي والتنظيمي عليها، كما لم تبن مجتمعات محصنة من الفقر والجهل والمخاطر والاستبداد. بل كانت نظماً أبوية بامتياز ترسخ الدكتاتورية، والتفرد، والطغيان أكثر من أي شيء آخر، وأشعلت من الحروب والفتن والانقسامات مما لا يمكن أن يحل بعمر الزمان، وما الفشل الذريع، والمريع لمؤتمر التقريب بين المذاهب الذي عقد مؤخراً، إلا دليل ساحق ماحق على استفحال الأزمة، ولا جدوى من التفكير بحلها، إلا عبر حصر الدين بدور العبادة، وهو المكان الأمثل لها، وعدم خروجه من محرابها نهائياً. كما أن الدول العربية و"الإسلامية" بمجملها، والتي "تحتفي" بالشريعة، وتجمّلها، وتقدمها على سواها من القوانين الإنسانية العظيمة العصرية، وتستمد قوانينها منها، نراها تقبع في الذيل وفي القاع في مجمل النشاط البشري العام، وتتخلف، بقرون ضوئية، عن دول لم تر النور إلاَ حديثاً جداً. ولا داعي للتذكير بما ينتشر فيها من أورام قاتلة، وأوبئة مستشرية، وآفات اجتماعية ونفسية وسلوكية خطيرة وفتاكة.
وتعكس فكرة الخليفة المنتظر، والانتظار بشكل عام، المهانة والتردي والعجز العام، وتلك الروح البدائية التي يحفل بها الشرق المسحور بالأباطيل والشعوذات، والتي تعتمد على الفرد الإله الأسطورة، وليس على الإرادة والمشاركة الحرة الجمعية العامة القادرة، وذلك من خلال تضافر جهود كل الأفراد، وصقل مواهبهم وإمكانياتهم العقلية والبشرية على صنع المعجزات وبناء الحضارات، والرفع من شأن وإعلاء قيمة الإنسان عبر العمل الخلاق وليس التشبث بالأوهام، الإنسان الذي لم يكن، وليس له، أية قيمة أو اعتبار في أي من دولة الخلافات، وقلما لمسنا أي وجود له في تعاقب الخلافات، وهو، دائماً، وأبداً، موضوع للجز، والرجم، وبتر الأطراف من خلاف، وتقطيع الأوصال، وقطع الأعناق، والنظر إليه فقط، وفق ثنائية الخانع المستسلم المنساق وراء الجماعة، أو الكافر المرتد الهرطيق الزنديق. كما توحي بأن هذه الشعوب ما زالت في طور بدائي متخلف من أطوار النظام الأبوي الهيراركي الذي يقدس الزعيم، ويؤله ذاته، ويعتبره القادر على اجترار المعجزات ويسلمه مصيره وأقداره. كما تعكس بشكل جليّ ازدهار فكرة المخلص، تلك الميثولوجيا الدينية التي ازدهرت في العصور السحيقة عن اختلاق ذاك "التشخيص" الخارق الذي كان الناس يتعبدونه قبل اكتشاف وتبلور مفهوم الله الذي يعتبر مفهوماً حديثاً نسبياً بالمقاييس الزمنية، وبالقياس عما كان سائداً في حقب مديدة وطويلة خلت.
إن الفشل، والعجز، في الحقيقة، عن التصدي، وتقديم أية حلول لرزمة المشاكل الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية المزمنة القائمة هو الذي يكمن، بالضبط، وراء حيلة، ولعبة، وبهلوانيات ترويج، وترحيل الحلول إلى المجهول والهروب إلى الأمام عبر نشر فكرة المخلص المنتظر التي تتجلى بأشكال شتى. وإن الشعوب العظيمة والعريقة التي امتلكت زمام ذاتها وتخلصت من عقدة "الانتظار" المملة لهذا أو ذاك لكي يخلصها من مشاكلها، هي الوحيدة التي تهنأ اليوم برغد العيش لها ولأبنائها وأحفادها. أما المنتظرون، والدراويش والبهاليل فهم في انتظارهم لاهون، وسيبقون ينتظرون وينتظرون بدون كلل ولا ملل لآخر الزمان، بمشيئة الله، حتى يجدوا أنفسهم وجها لوجه مع العدم وتبدد الأوهام، ويغذي انتظارهم هذا جوقة وجمهرة تجار المخدرات الفكرية الذين يحقنونهم بفكرة الانتظار والوعد "الكاذب" ويغيبون هم في السبات العظيم، الغيبوبة الكبرى التي ليس منها استفاقة ولا قيام. وتقدم هذه الأفكار ومثيلاتها، خدمات جليلة لأنظمة الاستبداد التي تتبناها كإيديولوجية عقائدية تحافظ على بقائها واستمراريتها من خلالها عبر تثبيط أية عملية تغيير حقيقية، وردها إلى الكفر والخيانة، وضعها في إطار الزندقة والخروج عن فكر الجماعة، وشق عصا الطاعة عن ولاة الأمر الأبرار.
فالغياب الكلي والمطلق لمفهوم المؤسسات، التي تضمن استمرارية أي نظام سياسي أو اجتماعي و تقدم، بالتالي الخير والرفاهية لهذه الشعوب حتى الآن، هو سبب هذا المأزق الحضاري، والإنساني الكبير الذي تتخبط به هذه الشعوب، ولا تجد منه مخرجاً. وما المهدي المنتظر، والخليفة المنتظر إلا ماركات متنوعة من مخدرات دينية يسوقها ويروج لها المستفيدون، والمتعيشون من بقاء حالة الشلل العام، والانتظار في ثلاجات الزمان.
إنها، بالمحصلة، وبالمآل، نوع من عبادة وتأليه الفرد حيث لا أهمية مطلقاً، للإرادة والرغبة الجماعية أمام أسطورة الفرد القوي المحرر الذي تتكئ عليه المجموعات الحالمة لإدخالها في فراديس الخلاص الوهمية، ولا حاجة مطلقاً لمجهوداتها أو لمساهماتها أو مشاركاتها في القرارات التي تتعلق بمصائرها، وما عليها سوى تسليم أمرها للغيب والوهم، وإفراغ تلك المجموعات الهائمة من أية قدرة إبداعية وعدم التعويل عليها نهائيا القدرة على التحكم بمصيرها لوحدها وهي دائما بحاجة لولي، ووصي.
الخليفة المنتظر، كما أي منتظر آخر، لا يعني شيئاً سوى العيش في العسل والوهم والأحلام، واستفحال الأزمات، وتأجيلها، وترحيلها، والتعلق بحبال الهواء.
[email protected]



يليها مادته السابقة:الصحوة الإسلامية

من يتابع حركات، وتأوهات، ودلع، وتمنـّع سعد الحريري وهو يتحدث إلى وسائل الإعلام والفضائيات، بتلك اللغة الرقيقة الناعمة، والصوت الخافت الدافئ الشجي الحنون، وغير المسموع على الإطلاق، يتراءى له أنه" الحريري"، بصدد الحديث عن طريقة إعداد إحدى الوجبات التي يتم تحضيرها خصيصاً لمناسبات غرامية كعيد الحب الفالانتاين،
مثلاً. ومع مداعبة، وتغزل المذيع أو المذيعة له، تغيب لغة الحسم والجدية، والتصور السياسي العقلاني المنطقي السليم، وتحل محله الولدنة، والعنطزة، والكلام الفارغ الممجوج الهراء الذي لا يشد المتابع على الإطلاق. أو أنه يتحدث، وفي مطلق الأحوال، وبتلك اللهجة العذبة والشاعرية الرومانسية الحالمة، والعيون السابلة الناعسة الحلوة النجلاء، عن أحدث ما توصلت إليه أرقى الأزياء الأوروبية كإيف سان لوران، مثلاً، عن أكثر حمالات الصدر "السوتيانات"، أجلكم الله، إثارة وعصرية ورواجاً هذه الأيام وإراحة للصدور الرجراجة العامرة النهداء، وليس عن قضايا استراتيجية، وذات حساسية بالغة يتوقف عليها مستقبل شعوب، وطفيليات، ومرتزقة، وعجائز الشرق الأوسط، والأدنى، والأسفل، والأغبر، برمته. وحين يطرق خجلاً بالأرض، بتلك الطريقة العذرية المحببة الدلوعة المغناج التي كانت، ولا بد، ستلهم، وتحفز جرير والفرزدق وأبو نواس، وزرياب، يخيل للمرء أنه يتأمل طبقة "الموناكير" على الأصابع الملساء، أو يتفقد السوار والخواتم الماسية في الأنامل الجميلة البيضاء.
ولا أدري لماذا يحاول سياسي سوري كبير، ومحنك، وضع رأسه برأس سعد الحريري، والاقتراب منه، وهو يعلم تماما العلم في الشريعة والفقه، أن الاختلاط ممنوع، ولاسيما في هذا العصر الأسود المشبوه، ووجود المطاوعة وهيئة الأمر بـ"المنكر والنهي" عن المعروف، عصر انتشار المد الوهابي السعودي الحريري البترودولاري السلفي الذي يرفرف بجناحيه فوق المنطقة، ولبنان بشكل خاص ليعيده إلى الحقب الداكنة الظلماء. إذ أن هناك موانع شرعية كثيرة تحول دون هذه "الخلوة" والاقتراب، وأن أية "قعدة" معه قد يساء فهم مراميها على الفور، وتذهب في غير اتجاه، وستلهب كثيراً من الفقهاء المتعطشين لهذا النوع من الفتاوى والاستشارات. كما لا أفهم كيف يقوم دبلوماسي شامي مخضرم، ما بوضع الخطط، وطرح الأفكار، ورسم الاستراتيجيات للتصدي لمؤامرات تيار سعد الحريري ضد سوريا، ولديه في سوريا منظمة طويلة عريضة اسمها الاتحاد العام النسائي، يمكن له أن يشتكيه إليها، ويتقدم بتظلمه ضده هناك؟
غير أن ما يدعو للدهشة، والانبهار أكثر هو اهتمام، ومتابعة ومراقبة جنرالات الأمن "المرعبين" الكبار، لتحركات وتصريحات ونشاطات سعد هنا وهناك، وهو يتدلع، ويتمغنج، ويتمايل كغصن البان وعود الخيزران، ويسكب من شفتيه شهد العسل والإبر التي تخز أفئدة العذارى والمراهقين الصغار، وترميهن بسهم كيوبيد القاتل من غير "إحم ولا دستور"، أو ميعاد، وهذا ما قد يعرض بعضهم (الجنرالات)، لتهمة التحرش الرائجة كثيراً هذه الأيام. وعندما يعلم المرء أن في سوريا شركات إنتاج سينمائي وتلفزيوني مزدهرة، أوصلت الدراما السورية، ونواعم الشام الجميلات المحببات الشهيرات، إلى أقصى أقاصي الأرض، سيدرك تماماً، كم هو الأمر سهل في إسناد أية أدوار إثارة وإغراء دافئة لـسعد ليقي الناس شروره ودهائه، وولعه في إشعال الفتن والحرائق بين الناس. وكل ذلك، بهدوء، وبعيداً عن التعاطي مع الأمر بتشنج، وعصبية زائدة، أو بلغة سياسة خشبية باردة لا تأبه لمشاعر الحسن والجمال، ودون اللجوء للخطب النارية التي لا يقوى عليها سعد الحريري على الإطلاق.
كما يحتاج المرء لبصارة، و"برّاجة"، وقارئة فنان لكي تفسر له كيف أن قادماً من عالم الحرير والتجارة والمال، وعالم السمسرة ومجموعة أوجية للأحجار الكريمة والمجوهرات، ومستحضرات التجميل الـ" cosmetics"، وجلّ اهتماماته بالأزياء والعطور وتسريحات الشعر، وآخر تقليعات موضة الملابس الداخلية الأكثر شفافية وإثارة، قد أصبح بين عشية وضحاها، وبفعل المال السياسي، وصدف الزمان الغريبة العوجاء، من ملوك الطوائف، ويحشر نفسه في عالم الساسة مع الجنرالات المتمرسين الأشداء، وأباطرة الطوائف، وأمراء الحروب، وتجار الحروب والسلاح الـ" war mongers"، وكيف سيولف، ويوفق هذا الحريري الناعم بين لغة الكوافيرات، وعالم الجمال وصفقات الأحجار الكريمة، وبين حوار الميليشيات، ورجال المغاوير، ودسائس الساسة الدهاة. ويعتقد، ولمصالح شخصية وآنية خاصة، وفي ذروة أحلام اليقظة والهلوسة والاسترسال، بأنه سيطيح بعتاولة الجنرالات والساسة المشرشين المخضرمين، ويتجاوز مصالح الدول، ومستقبل الشعوب، واعتبارات السياسة وحساباتها المعقدة وتحركاتها الدقيقة. لا بد أن الأمر سيتمخض، عندها، عن ملهاة سياسية كبرى، نتابع، جميعاً، فصولها بكل ألم، وحسرة، واندهاش.
ويهرش المرء رأسه عشرات المرات، ليفهم سر العلاقة الدفينة، والوداد، والوله، والعشق، والغرام والهيام، وما هو نوع المصلحة التي تربط بين سياسي سبعيني مفلس " ومنشف" على الآخر، كعبد الحليم خدام الذي طواه الزمان، وبين سعد الشاب الحريري الغر الفتي الأهيف حسن القد والوجه والقوام، وأي واقع هش سيتمخض عن تحالف الـ"عبد"، والسادة "الحرائر" الأتقياء؟
رسالتي إلى السوريين الذين يشغل بالهم ويناكفهم سعد، ويحاول أن يأخذ من وقتهم واهتمامهم، هي العمل وفق القاعدة الشرعية التي تقول: "رفقاً بالقوارير"، رغم أن جلبة و"تراقع"، وصرير هذه القوارير قد بدأ يزعج، ويصم الآذان، ورغم أن "كيدهن" عظيم، عظيم جداً.
فلا تأخذوه (ا)على محمل، الجد، أبداً، يا....... شباب.

الصحوة الإسلامية ـ نضال نعيسة
الظلام، ووعاظ السلاطين الأبرار، أن الانتشار السرطاني المذهل
للجهل والأمية والسحر والشعوذة، والاعتقاد المطلق بالطلاسم والغيبيات، وازدياد نسب الفقر، وانخفاض مستوى التعليم، وإطلاق اللحى، وانتشار الجلباب والحجاب والنقاب، والشادور الأسود، وكثرة جرائم الشرف وتنوعها، وتناسل فضائيات البترودولار وفتح أبوابها على مصراعيها، وبتواطؤ مكشوف مع أنظمة القهر والاستبداد والملل والنحل والطوائف ووزارات الإعلام ، للدعاة من أصحاب الحلول السهلة والجاهزة، والخطاب التسطيحي التبسيطي الغيبي، والتغرير علناً بالقصّر لارتكاب جرائم استباحة الحياة تحت مسمى العمليات الاستشهادية التي لم يقم بها أي معمم، أو أي واحد من ذريته المنتفخة الأوداج بفعل عوائد النفط والبترودولارات حتى الآن، والدعوة لزهق الأرواح البريئة على رؤوس الأشهاد، وسب الروافض
و"خنزرة"، و"قردنة" وتكفير بقية شعوب الأرض على الملأ، ودون خوف، ولا وجل، أو أية تبعات لحساب أو عقاب قانوني، لأن جميع دساتير هذه المجتمعات "الصحوية" تحمي القتلة والموتورين الأشقياء تحت يافطة الشرف والشريعة السمحاء، وأن تكاثر العمائم وتنوعها، ونسف المدارس، وتفجير الأطفال، وترويع السكان الآمنين، وانتشار الجوامع بدل المصانع والمدارس والجامعات ومعاهد التكنوقراط، وتفجيرات 11 سبتمبر، وبالي ومدريد ولندن ونيروبي، وسياسات التجهيل، ومسح الأدمغة، وختم العقول بالتابوهات وبالشمع الأسود الفكري السلفي الوهابي الخطير، وحشوها بشتى الأباطيل والزعبرات والأساطير والخزعبلات والترهات، وازدياد الغلو والتطرف والفتاوى التحريضية وقطع رؤوس العباد، وعودة الحياة قروناً ضوئية إلى الوراء إلى عصر الحريم والجواري والغلمان الخصيان والتابعين الأرقاء، والخروج بمذلة، ونهائيا من العصر، ومن كل ميادين سباقات العقل والموهبة والشرف والإبداعات، والعودة إلى الحقب الجيولوجية الآفلة السحيقة الدهماء، يعتبرون كل هذا وغيره مما لا يسر الحال، نوعاً من الصحوة، ويدرجونه تحت مسمى الصحوة الإسلامية التي يتغنون ويتشدقون بها صبح مساء على الشاشات.
هذا ما تجلى حتى الآن من هذه الصحوة الخيلاء. ومن مظاهرها الفقعاء، أيضاً، بروز نجوم دوليين كبار، لا يشق لهم غبار، في التفنن والإيغال في القتل ومص الدماء وزهق الأرواح، وقتل الناس، كابن لادن والظواهري وأبي سياف، والزرقاوي، وأبي حفص المصري، وأبي قتادة، وأبي عمر البغدادي وأبي جهل، وأبي لهب، وبقية شلة الغربان، ودون أن نسمع من وعاظ السلاطين، وفقهاء الزمان، ومفتيي قصور أباطرة العربان، أية إدانة لأفعال هؤلاء المجرمة المنكرة الشنعاء، بل يطلقون عليهم ألقاب التفخيم والتقديس والتعظيم، كالشيخ المجاهد، والشهيد البار، والشفيع الولي التقي النقي المختار.
ويندر أن نرى في هذه الصحوة المزعومة أية قصص عن الوحدة والتلاحم والاتحاد، أو عن التسامح، والحب، والإيثار، أوالدعوة لتجاوز الماضي، ورص الصفوف، ونسيان الأحقاد. بل دعوات نارية ولاهبة لتأجيج الصراعات، ونبش للأموات ونكء الجراح، وتعميق للشروخ، وميل عجيب للتشرذم والتباعد والانقسام. وتحفل خطب الوعظ الدينية أيام الجمع، وحلقات الذكر التي يساق إليها الفتيان الصغار، بحملات التهديد والوعيد والاقتصاص من جماعات غير محددة من البشر الأبرياء، وملء صدورهم الغضة الطرية، وتشويه نفوسهم وشحنها بالكراهية والحقد والبغضاء، والقسم بالثأر، وإشعال الحروب، والدعوة على الآخرين بالويل والثبور والموت والهلاك.
كما أنه من العسير جداً أن يلمس المرء أي إنجاز حضاري، أو فتح علمي، واختراق طبي، واختراع إنساني يخفف من آلام البشرية، ويعود عليها بالنفع والخير والرفاه في هذه الصحوة الغفلاء. وتتصدر هذه المجتمعات، ومن طنجة إلى جاكرتا، والتي يلعلع فيها صوت أصحاب الصحوة، القوائم السوداء في مجالات الفقر، والأمية، والفساد، وانتهاك الحريات والحرمات، ونهب الثروات والاستبداد، والتمييز العنصري للمكونات الاجتماعية والطبقية الأشد فقراً وعوزاً وضعفاً، واحتقار النساء، واضطهاد الأقليات. ولعل غياب اسم أية جامعة عربية وإسلامية، من قائمة الخمسمائة جامعة رائدة على مستوى العالم، لهو أكبر دليل على همجية وانحطاط وتخلف وسبات هذه المجتمعات، لا صحوتها، وتفنيد لمزاعم هذه الصحوة الكاذبة، وأنه لم يكن هناك ثمة صحوة حقيقية بل كبوة طال أمدها حتى تكلست وتشرنقت بفعل التقادم وعوامل الدهر والزمان.
ومن يدخل أي مدينة من مدن "الصحوات" هذه سيلاحظ التشابه الكبير في الإطار العام من حيث تواضع الخدمات، وتهالك البنى التحتية، وتراكم المشكلات، واحتقان النفوس، وتأزم الأوضاع المعيشية للناس، التي تعيش تحت وطأة كوابيس الفقر، والفوضى، وانسداد الآفاق، والتردي والبؤس العام وانعدام الأمل والخلاص أمام الشباب.
ومع أن الإشارة إلى وجود صحوة إسلامية حالية، يعني ضمناً، وبالمآل، وجود غفوة، أو كبوة إسلامية سابقة، وهذا ما يزعج ولا يعترف به الفقهاء عند حديثهم عن التراث والماضي المليء بالورود والرياحين والصفحات الوردية والخضراء، وليس فيه، بمجمله، ما يشين، أو يعكر الصفو والمزاج العام. لا بل يعتبرون، مثلاً، الخلافة العثمانية الانكشارية المتخلفة، والتي استمرت أربعمائة عام بالتمام والكمال، واحدة من أنصع الصفحات في تاريخ "الأمة"، ويحاول بعض الصحويين الكرام إعادة إحياء هذا التراث الفذ العظيم. ومع ذلك فإن الصحوة الإسلامية، إياها التي يتغنى بها المفتونون من الوعاظ والمخدرون من الدهماء، تكاد تخلو من أي كلام عن العدل والخير والمحبة والمساواة، أو أية إشارات لحقوق الإنسان، والشفافية وتوزيع الثروات الوطنية، المهدورة والمنهوبة، بالعدل بين الناس.
لم يتغير شيئاً في عصر الصحوة الإسلامية المزعومة، في مصير وأحوال هذه الشعوب، التي تزداد فقراً على فقر، وبؤساً على بؤس، ولم تجلب لهم صحوة وعاظ السلاطين اللفظية هذه سوى الخيبة وانكسار الآمال، والشعور المرير بالقهر والفشل والخذلان. بل على العكس، استفحلت المخاطر، وازدادت التهديدات، وتفشت عوامل التداعي والانهيار. فبئسها من صحوة إسلامية، يروج لها هؤلاء الوعاظ، لا تنعكس خيراً وإيجابية وتقدماً ورفاهاً وحباً وسلاماً وازدهاراً، على هذه الشعوب الفقيرة "المشحوطة" المبتلاة، والمنكوبة المقعدة الكسحاء.








تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الدعارة الحلال

24-أيلول-2007

هل المثلية الجنسية عيب وعار؟

04-أيلول-2007

ردود الفعل على قرارات صباح عبيد / إمارة 'فنـّستان' السورية

17-آب-2007

الحركات الجهادية والشرق أوسطية

25-تموز-2007

وزارة قطع الكهرباء

21-تموز-2007

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow