Alef Logo
يوميات
              

نساء سوريّات "4"

ناديا خلوف

خاص ألف

2012-10-03

الزّواج
عندما يقالُ : " الزواجُ قسمةٌ ونصيبٌ " يتبادرُ إلى ذهني عنوان كتاب " ذهب مع الرّيح " لا أعرفُ مدى الترابط بين الجملتين . ما أعرفُه أنّ الزواجَ هو خيارٌ واختيار ٌقد يشاركُه في البدايةِ حبّ أو إعجابٌ على الأقلّ . ليس صحيحاً ما يقالُ عن أجدادنا بأنّّهم لم يكونوا يفهمون لغةَ الحبّ ، ولا يقدّرونه . الحبّ قيمةٌ بحدّ ذاته . كانتْ جدّاتُنا تتحدّثُ عن ذهابِ الصّبايا لتعبئة المياه من العيون ، وشبابُ القرية يتابعن تحركاتهن ولكلّ واحد منهم فتاة يرغب بالزواج منها . كانت هناك حالاتُ إكراه في الزواج ، وعدم موافقة أحياناً . لكنّ الأغلبية تتزوج بعدَ قصة حبّ ، ويتمّ النّقاشُ بين الفتاة والشّاب حول هذه الأمور بشكلٍ سريّ قبلَ أن تصلَ إلى الأهلِ .
لم يعدِ الشّبانُ اليومَ يتجاوزون سنّ المراهقة . يراوحون فيها ريثما يجدون الحلّ ، والحلّ هو فرصةُ عملٍ مناسبة ، أو حتّى غيرُ مناسبةٍ كي ينفقوا على أنفسِهم ، وينتقلوا إلى المرحلة التّالية وهي مرحلة النّضج .ومن ثمّ الزّواج . بدونِ العملِ لن يتمكّن الشّاب من الإنفاقِ على نفسه ، ولا حتى التّفكير في موضوع تكوين عائلة . يسعى إلى إشباعِ رغباته بطريقة ما قد لا تكون سليمة . يحاول الانسحابَ من الحياة ، وليسَ أمامه سوى السّهر وتدخين السجائر وشربِ الكحول ، ومن ثمّ تصبحُ هذه الأشياء عادةً وإدماناً يصعبُ التخلّص منها . ينشأ الشّرخ في شخص الشّاب الذي يتمسّك بكونه الطّفل المدلّل كما يتمسك برجولته ، ويبقى في مرحلة الطفولة دون نضج . ليس هذا هو حالُ الجميع بالطّبع ، لكنها حالةٌ اجتماعيةٌ تستحقّ التّوقف عندها .
سألتُ عدة شبّان أعمارهم فوق الثلاثين لماذا لم يتزوجوا ؟
قالوا : مازلنا صغاراً ، ولم نؤمّنْ تكاليفَ الزواج !
ماهوَ السنّ المناسبُ للزواجِ إذن ، ومتى يستطيع الشّباب من الجنسين إيجاد فرصة عمل ؟
في سوريةَ ما قبل الثورة . وفي إحصائيات رسمية في صحف ومواقع سورية . يقولون : أنّ نسبةَ الشّباب الذي تجاوزَ الأربعين ولم يتزوج تبلغُ ثلاثين بالمئة بين الذكور ، وأكثرَ منها بين الأناث .وهذا يعني أنّ سنّ الزواج يرتفعُ وترتفعُ النسبة لتقترب من النّصف، نسبة تنذرُ بخطرِ الوقوعِ في الأمراض النفسية التي تنشأ عن الكبتِ الجنسي المدّمر ، وكما نعلّم بأنّ الجنس متوفّر للقلّة ربما . والأنثى بشكل عامٍ تعتبرُه خطيئةً تحاولُ عدم الوقوع فيها ، لأنّها قد تخسر الكثير من جراء هذه التّجربة ، أحياناً تتجاوبُ مع رغباتها . بنسبةٍ ليست كبيرةٍ .
يلتقي الشّاب بفتياتٍ كثرٍ ، وتنتظرَ الفتاة أن يبوحَ لها بحبّه ، وهي التي تعودت أن تأتي المبادرة من الرّجل ، لكنّه لا ينطقُ تلك الجوهرة التي تنتظرها الفتاة ، لأنّه متأكّدٌ أنّ علاقته عابرة، فليس لديه إمكانية مادّية لإتمامها . ينكرُ الموضوعَ حتى على نفسه ، ويلقي بالمسئولية على الفتاة. التي يكون وضعُها أصعبَ بكثير . فهي تعيش الكبت الجنسي أكثر، لا تستطيعُ مغادرةَ المنزل إلا إذا كانت ميسورةَ الحالِ ، وتحتَ إشراف عائلتها ، وهذا لا ينطبقُ على النّخب القريبةِ من السّلطة ، أو المشاركة في التّجمعات السياسية ، وعددها محدود .
تضغطُ الأسرة على الفتاة من أجل الزّواج ، وتحملها المسئولية عن عدم إيجاد الفرصة . في محادثة بيني وبين شابّة لم تصلْ إلى الثلاثين بعد قالت:
"أشعرُ أنّها نهايةُ العالم . تخرّجتُ من قسم الهندسة المدنية ، اعتقدت أنّني سأجد للتوّ فرصتي ، ولما لم أجدْها بدأتُ أبحث عن الزواج كي أحقّّق شيئاً ما في هذه الحياة . على الأقلّ أن أنجبَ طفلاً . كانت علاقتي مع بعض الشّبان مدمّرة ، أشاعوا الشائعاتِ حولي ، وصلتْ أفكارهم لي بشكلٍ سلبي ، وصفوني بأنّني لستُ جميلة ، ومصابةٌ بهوس الجنسِ . أصبتُ بصدمة من جرّاء ذلك ، ولا أعتقدُ أنّ مايسمّونه حبّاً جدير بهم . لستُ قادرةً على الخروج من حالةِ الاحباط . أشكرُ ربي أنّني لم أتورط بعلاقةٍ جنسيةٍ .
في الماضي كنتُ طفلةً مميزةً ، وشابةً جميلة لديّ طموحٌ أن أغيّرَ العالم . أشعر الآن أنّني أودّعُ الحياة ،امرأةٌ في الستين . لا يمكنني مصارحة أحد في هذا الموضوع ، أمي تعتقدُ أنّ العذر فيّ ، وأنّ طباعيَ هي التي تبعدُ الشّبان عني ، بعض اللواتي أراهنّ ممن تتزوجن من النّخب كان لهنّ علاقات مشبوهه . امتدّت إلى مابعد الزّواج . لم أعدْ أبحثُ عن زوج . أريدُ فرصةََ عملٍ كي أخرجَ من هذا الكابوس ، ولا فرصةََ في سورية ، ولا أعرفُ طريقاً كي أنضمَّ إلى شباب الثورة . لم يعدْ يهمّني أن أقتل . على الأقلّ سأصرخُ .حتى الثّوار لا يقبلون أيّ شخص . ما أقسى هذه الحياة !"
هل يمكنُ لأحدٍ أن يجدَ حلاً لفتاة مثل هذه ، وهي ليست واحدة . هم بالآلاف من الجنسين الذين يشعرون بهذا الشّعور . المأساة واحدة ، ومأساة الأهل كبيرة . عليهم أن يؤمّنوا الحد الأدنى من نفقاتِ أولادهم العاطلين عن العمل .
قد يكون الكلامُ عامّاً . لو ترجمَ إلى الواقع لرأينا أسراً بأكملها قد هرمتْ ، يعيشون جميعاً في منزلٍ واحدٍ يفتقدون فيه أدنى مواصفات الحياة الإنسانية ، وهي الاستقلالية ، والاستقلالية تحتاج إلى دخل مادي وهو غير موجود . المأساةُ داخل الأسرة الهرمة كبيرة . يحاصر أفرادُها بعضَهم بعضاً . ويكون الشّجار ، والإيذاء اللفظي، وربما الجسدي عملاً يومياً .
نتحدّث عن شرائح كبيرة من المجتمع السّوري والتي تعاني وتنكر معاناتها بردود فعلٍ وتصريحاتٍ مختلفة حول نظرتهم المثالية للحياة ، وتوافقهم الأسطوريّ ، وما هذا إلا مسرحية تحاول إقناع الذّات بما هو غير موجود على أرضِ الواقع ، ومع أن حالات الطلاقِ في ازدياد ، وضعف الشّعور بالمسؤولية تجاه الأبناء يجعلُ كلاً من الشريكين يلقي بالمسؤولية على الطرف الآخر .
لم تأخذْ المرأةُ في الغرب مكتسباتِها عن عبثٍ . كانت مساهمةٌ في العناية بأطفالها على مدى سنوات طويلة ، ناضلتْ من أجلِ حقوقِها ، وهي اليوم وصيّة على أطفالها وعلى المعونة التي تقدّمها الدولة لهم ، لا وجود لولي الأمر إلا في حالِ الخلافِ والوصولِ إلى المحاكم ، حضانة الأطفال من حقّ الأم إلى أن يصلوا إلى سنّ الأهلية حيث يصبح الإنسان حرّاً ومتحرّراً من أبويه . يبقى لكلّ أسرة أسلوبها ، وطريقة تربيتها ، والنشأة الأولى للإنسان هي التي تحدّد سلوكه ربما في كلّ حياته .
في نطاق الحديث عن الزواج ، لا بد أن نتحدّث عن الطلاق الذي زاد إلى درجة مخيفة . تكون ضحيته المرأة بسبب كون أغلب النّساء دون دخل . تتمسكّ المرأة بالزواج ، ويعرفُ الرجل نقطة ضعفها فيزيدُ في استبداده ، وقد يصل به الأمر إلى خيانتها في منزل الزوجية دون أن تناقش في حقّها ، وكرامتها خوفاً من كلمةِ الطلاق ، وفيما لو تمّ الطلاق ينتقمُ منها الرجل بحرمانها من أطفالها ومن نفقتها . فالقانونُ في سورية لايصمدُ أمام هذه الأمور .
الطلاقُ ليس كلمةً سهلةً . قبلَ أن تقدم عليه المرأة أو الرّجل لا بدّ من وجود لجانٍ متخصّصة في دراسة وضعِ كلّ حالة ، والوصولِ إلى طريقة تعيدُ للأسرة السلام ، أو على الأقلّ تأخذُ بعين الاعتبار مصلحة الأطفال التي هي مع الأم في أغلب الحالات ، ولا بدّ من تغيير سنّ الحضانة ليصبح ممتدّاً حتى سن الأهلية ، وهو الثامنة عشر في سورية ، وأن يكونَ هناك مرونة في رؤية الأبِ لأطفاله وبقاءهم معه في أيام الإجازة دون إكراه ، ولو كان هناكَ قانوناً يفتي في هذا الشأن ، وقضاءً نزيهاً لأصبحَ الأمرُ من المسلَّماتِ التي يعترفُ بها الطرفان .
حتى توضعُ الأمور في نصابها الصّحيح ، واستكمالاً لاستقرارِ الأطفالِ . يجب أن تمنحَ جنسيةُ الأم لأولادها كي تتمكّنَ من رعايتهم في موطنها لو استدعى الأمر .
المرأةُ السّورية تشبه كثيراًسوريّة . ما يجري لسورية اليوم من تدمير للحياةِ بكلّ أشكالها .يشبه ما جرى للمرأة من تدميرٍ لإنسانيتها . لن يستمرّ ذلك إلى الأبدِ . سيأتي يوم قريبٌ يتغيّرُ فيه النّظام ، وهذا ليس كافٍ من أجلِ إعادة الحياة إلى مجراها . يحتاج داخل الإنسان السوري إلى ترميم ، وإلى الخروج من الحزن ، والبدء في البناء . بناء الإنسان السّوري الحديث المؤمن بالقيمِ الحضاريّة . الذي يعترفُ بالآخر ويقرّ بأنّ المرأة هي نصف المجتمع ، ومن حقّها أن تساوي الرّجل حقيقة وليس بالكلام ،هذا من ضمن الأولويات التي يجبُ العمل عليها ، ولن يتمّ ذلك إلا بقانون زواج مدنيّ يتيح للمرأة والرّجل اختيار الشّريك بحريّة ، وسنّ قوانين تكفلُ لهما الحصول على فرصة العمل المناسبة ،والحصول على الحدّ الأدنى للعيش ريثما تؤمّنُ فرصةُ العمل . وإنّ غداً لناظره قريب . .

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow